ما بين شيوخ القبائل والعوائل وشيوخ الافك ضاعت الاوطان – كياناتهم كانت مع الكيان الصهيوني جزءاً متكاملاً من منظومة متصالحة مطبعة مرجعيتها واحدة خارج حدودها منذ نشأتها قبل مئة عام

د. عبد الحي زلوم

في غفلة من التاريخ قبل101 سنة قدم أحد الصهاينة المسيحيين واسمه بلفور وعداً من 67 كلمة الى شيخ مرابي عصره اللورد روثشايلد أعطاه فلسطين وكأنها ملك ابيه. اذن قيامُ الكيان الصهيوني قام على اكذوبة من مستعمر وايدولوجية قامت على خرافات واسرائيليات . وفي الوقت نفسه قسم المستعمر نفسه الوطن العربي الى كيانات شقيقة للكيان الصهيوني وأعطى لكل كيانٍ وصفه الوظيفي فكانت ادوار تلك الكيانات متناسقة ومتكاملة وكانت تلك الكيانات هي من ساعدت على بناء الكيان الصهيوني قبل انتهاء الانتداب البريطاني وبعده وحتى يومنا هذا . وكانت هذه الكيانات لا تعتمد على تاريخ ولا جغرافيا ورُسِمت لها حدوداً وهمية اسمتها دولاً ونُصِب عليها شيوخ قبائل وعوائل. وانشأ الاستعمار لها جيوشاً مهمتها الحفاظ على الوصف الوظيفي لكل كيان كما وضعه لها من انشأها اول مرة. فلذلك خسرت هذه الجيوش كافة حروبها. فصارت هذه الحدود الوهمية بين الاخ واخيه حدوداً مقدسة لا علاقة لها بالمحافظة على الوطن من عدوه الصهيوني فهو زميلٌ في المنظومة نفسها وتم مساعدة ذلك الكيان من انظمته الشقيقة . فلا عجب إذن اذا انتقل التطبيع السري الذي دام مئة عام الى تطبيع علني.

اصبح اليوم جلياً ان من تعتبره الشعوب اعداءاً لها كالكيان الصهيوني صار حليفاً لتلك الانظمة وأن ما تعتبره الشعوب صديقاً مؤيداًلقضاياه اصبح عدواً لانه عدو حليفهم الصهيوني . لذلك نجد أن الانظمة في واد والشعوب في واد آخر . فالمشكلة أن من يستمد شرعيته من اسرائيل الكبرى (الولايات المتحدة ) فهو متصالحٌ ومتحالفٌ مع (اسرائيل الصغرى)، وغير ذلك هراء .

المشكلة التي ستواجه روؤساء القبائل والعوائل لتلك الكيانات بما فيها الكيان الصهيوني هي اننا نعيش اليوم ما بين عصرين ولى أحدهما وهو عصر العولمة وجاء عصر ما بعد العولمة والاحادية والتي عملت الولايات المتحدة جاهدةً لتحقيقها . شعر شيوخ القبائل والعوائل أن أقنعتهم قد أنكشفت وشعروا أن هناك عصراً جديداً يرى المستعمرون الجدد أنهم بحاجةٍ الى وصفٍ وظيفي جديد لكياناتهم فشعروا بعدم الامان . وحيث أن المثل لديهم أن (كلب الشيخ شيخ ) فظنوا أن استرضاء الشيخ سيكون عبر استرضاء كلب الشيخ فبدؤا بالتطبيع العلني .

وفي عصر ما بعد العولمة سيستمر انحدار الامبراطورية الامريكية اقتصادياً وسياسياً . قد يجد البعض صعوبة في فهم كيف يمكن لهذه الامبراطورية ذات الاسنان النووية والقواعد العسكرية والاساطيل البحرية في كل مكان أن تكون في حالة انحسار . علمنا التاريخ قديمه ايام الامبراطورية اليونانية والعثمانية والبريطانية وحديثه في ايام الامبراطورية السوفياتية أن انهيار تلك الامبراطوريات يكون من داخلها . فبعد الحرب العالمية الثانية في مؤتمر (الحرب والسلام توصلت لجان الدراسات بأنه بات على الولايات المتحدة أن تأخذ الدور الامبريالي البريطاني بعد ان فقدت بريطانيا المقومات اللازمة لقيادة النظام الانغلوساكسونيالرأسمالي وأن يصبح نطاق هذه الامبراطورية الامريكية السيطرة على العالم بأكمله بطرق

استعمارية جديدة عبر ادوات العولمةالاقتصادية (البنك الدولي و صندوق النقد الدولي والتجارة الحرة ) وعبر ذراع العولمة السياسي بواسطة ذراع الامم المتحدة والذي تمّتأسيسها في نهاية الحرب العالمية الثانية . ولخدمة اغراض الامبراطورية الامريكية .

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي اعلن الرئيس بوش الاب (النظام العالمي الجديد) وهو نظام العولمة والاحادية القطبية للولايات المتحدة .وجاء ابنه ليكمل المهمة في بداية القرن الواحد والعشرين باعلانه مبدأ بوش بأن النهج الرأسمالي الامريكي هو نظام صالح لكل مكانوزمان في العالم اجمع ومن ليس معه فهو ضده. وعليه بدأت الحروب على الانظمة التي لا تتبع مبادئ الرأسمالية مثل العراقوسوريا وايران. ويلاحظ ان جميعها كانت لا تسمح لاذرع العولمة الامريكية من دخول البلاد فلم تكن تتعاطى مع صندوق النقد الدوليولا البنك الدولي ولها اسلوب اقتصادي لكنه لم يكن نظاماً راسمالياً. المفارقة المؤلمة أن احتياطي العراق سنة 1980 كان حوالي40 مليار دولار حينما كان سعر النفط بمعدل 10 دولارات , ومعدل الانتاج حوالي 2.5 مليون برميل في اليوم . المفزع والمؤلم أنعراق ما بعد الاحتلال دخل صندوق النقد الدولي وان ديونه وصلت حوالي 150 مليار دولار في الوقت الذي زاد فيه الانتاج مرتين الى حوالي 5 مليون برميل في اليوم . ولو حسبنا زيادة الاسعار 7 مرات مع ضعف الانتاج لاصبح دخل العراق 14 مرة اكبر من دخله سنة 1980 . بينما كان العراق آنذاك يمتلك نظاماً صحياً وتعليمياً متطورا وبنيةً تحتيةً وصناعية متقدمة عن مثيلاتها في منطقتنا اصبحيعاني شعبه الطيب اليوم من ابسط مقومات الحياة كالماء النظيف للشرب أو حتى الكهرباء وهو يعوم فوق ثالث اكبر احتياطي منالنفط في العالم . وكذلك الامر في سوريا والتي كانت تتمتع بإكتفاء ذاتي .فقد تم تدمير بنيتها التحتية والفوقية ببترودولارت عربية ومسلمين وعرب تم استيرادهم وتظليلهم من كل حدب وصوب وتم تشريد نصف الشعب وقتل وجرح ما يزيد عن مليون بريء. كل ذلك من اجل نشر مبادئ (الديمقراطية الامريكية) وديمقراطيات (حلفائها الشرق اوسطيون ). واصبحت سوريا اليوم بحاجة ما يزيدعن 200 مليار دولار لاعادة بنيتها التحتية فهل ستسطيع فعل ذلك دون ان تصبح مدينةً حتى اذنيها ؟والسؤال ما جزاء من مول قتل 500 الف عربي ومسلم عند الله الذي يقول( ان مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا )! عملتالولايات المتحدة جاهدة لاخضاع العالم لاحاديتها وعولمتها .

كان نظام العولمة ظالماً للامريكيين انفسهم والعالم عدا قلة من اباطرة المال الامريكيين الذي يمتلك 400 منهم ما يعادل ما يمتلكه 150 مليون امريكي. فانتقلت المصانع الى الخارج حيث العمالة الرخيصة وتراجعت البنية التحتية داخل الولايات المتحدة لان الاستثمار في الخارج مردوده اعلى من الداخل ، واصبح الشعب الامريكي ناقماً على المؤسسة الحاكمة لكنه لجهله ولسيطرة الاعلامعليه استبدل الجرب بالطاعون فجاؤوا بترامب وبطانته ليعلن في الامم المتحدة أنه ضد العولمة والتي كانت عامود خيمة الاقتصادالامتصاصي العالمي لمصلحة الولايات المتحدة . بل كادت حروب الامبراطورية الامريكية أن تفلس وأن تفشل النظام الراسماليالعالمي بأكمله في ازمة 2008 والتي لم تنتهي اثارها بعد، بالرغم من زيف مؤشرات سوق الاسهم الامريكية . وهنا اجد مفيداً انه في كتابي “حروب البترول الصليبية” الصادر سنة 2005 تنبأت عن ازمة 2008 قبل حدوثها بثلاث سنوات حيث جاء في الفصل الاخير من ذلك الكتاب وعنوانه “نهاية الامبراطورية الامريكية بسكتة قلبية اقتصادية” وتحديداً في صفحة (381) ما يلي :

“وفي حالة حصول ارتفاع ملحوظ في معدلات الفائدة الأمريكية ، فإن ملايين العائلات الأمريكية الغارقة في الديون ، ستجد نفسها فجأة مجبرة على التخلي عن منازلها بعد أن أصبحت غير قادرة على تحمل كلفة

الفائدة العالية . مثل هذا الوضع سيضرب البنوك التي ستجد نفسها أمام رهونات عقارية بمليارات الدولارات ، وقد أصبحت غير ذات قيمة ، وهو ما سبق وحصل في الثلاثينات. ” وهذا ما حصل تماماً والذي بدأ بإنهيار بنك ليمان برذرز وخسارة ملايين الامريكيين لمنازلهم .

نحن الان في مرحلة الفوضى والاضطراب الناتج عن تقهقر الامبراطورية الامريكية ونحن في عالم ما بعد العولمة وما بعد الاحاديةوسينتج عن ذلك نتائج تحويلية كثيرة وستؤثر سلباً على الانظمة العربية والاسلامية التي اختارت الانضواء تحت خيمة عولمةالامبراطورية الآيلة للسقوط على رؤوس من داخل الخيمة. فاليوم لم يبقى للامبراطورية صديق فبدأت الادارة الحالية بهدم احد اركان العولمة وهو التجارة الحرة وذلك بفرض رسوم والعقوبات على الصديق والعدو البعيد والقريب . ففرضت الرسوم على منتوجات كندا واوروبا (حلفاؤها في الناتو ) وتركيا وايران والصين وروسيا. وهذا يعني وداعاً للعولمة. وسيكون نتيجة هذه العقوبات نتائج اقتصادية سلبية في المدى المتوسط والبعيد. واضعاف الهيمنة الدولارية نتيجة التعامل بالعملات المحلية عوضاً عن الدولار بما سيكون له نتائج كارثية على الاقتصاد الامريكي . يضاف الى ذلك أن اقطاب العالم الجدد بدؤا بإنشاء مؤسسات بديلة كما فعلت الصينبانشاء بديل لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي براسمال مئة مليار دولار وكما بدأت الدول الكبرى كالهند والصين وروسيا وتركيابالتعامل بالعملات المحلية حتى وصل الامر الى اوروبا والتي ستعمل على ايجاد ميكانيكية بعيدة عن الدولار لتعاملاتها مع ايران . اذنلا يغرنكم اساطيل الولايات المتحدة ولا قنابلها النووية فقد كان للاتحاد السوفياتي كل ذلك واصبح في خبر كان .

لم اكن يوماً اهتم بعربدة الكيان الصهيوني فإضعافه وزواله سيكون ايضاً لاسباب داخلية وسياسات خرقاء بالاضافة الى ضعف الوريد الامريكي الذي يمده بحبل الحياة .هذا هو الخبر السيء للكيان الصهيوني وحلفاءه من الدول التي انشأها الاستعمار وحدد وظائفها .فأصبح اكثرهم مأزوماً وستزداد حالتهم سوءً يوماً بعد يوم بعد أن زالت الاقنعة عن الوجوه . في هذه الحالة الكئيبة سيبزغ فجر جديد.

تمتلك شعوب الوطن العربي طاقةً كامنة هائلة تنتظر من يفجرها ويقودها . وهناك مثالين أحدهما الطاقة التي تفجرت اثناء ما يسمى بالربيع العربي والتي تمّ (اخراجه عن السكة) نتيجة تآمر الغرف السوداء وعدم نضوج القيادات التي طفت الى السطح دون امتلاكها مقومات القيادة ولكن الطاقة الكامنة ما زالت تنتظر قيادةً جديدة . ولنأخذ لبنان كمثال آخر الذي كان بعض ما يسمى بنخبته يفتخر بأن (قوة لبنان في ضعفه ). كانت الطائفة الشيعية الاكثر تهميشاً وفقراً وعندما جاءت قيادة ٌ قوية الشكيمة والعزيمة تعرف ما تريد فجرت الطاقات الكامنة فأصبحت الطائفة الشيعية هي الاقوى والاكثر تنظيماً وفعاليةً ووزناً سياسياً وانا امتعض عند استعمال كلمة السنة والشيعة لما ترمزه من تفرقةً يقوم الاستعمار وشيوخ الافك واعوانه اليوم باستغلالها. اكتشف اللبنانيون والعرب بأن قوتهم في مقاومتهم لا في ضعفهم . فقهرت المقاومة في لبنان بالرغم من قلة عددها وعدتها من حاول ان يروج انه القوة التي لا تقهر . فقهرتها المقاومة اللبنانية مرتين وكانت

اول من حقق توازن ردع مع الكيان الصهيوني عجزت كافة جيوش انظمة القبائل والعوائل من تحقيقه .

في هذه الفترة التي هي ما بين عصرين سيزيد الاضطراب في العالم كما هي الحالة ايام سقوط الامبراطوريات وسيصاحبها تغييرات استراتيجية وجيوسياسية لن تكون لصالح منظومة الكيانات السابقة ولا احلافها الجديدة وستتفجر طاقة الشعوب الكاملة لبداية فجر جديد وإن غداً لناظره قريب .

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل