كتب السفير الفرنسي لدى واشنطن Gérard Araud على تويتر بعد فوز ترامب في انتخابات الرئاسة:” إن العالم ينهار امام اعيننا”. نحن في عالم مضطرب يقوده نتنياهو عبر صبية واصحاب كازينوهات قمار. ولكن (يبقى الولد ولد ولو اصبح قاضي البلد)
د. عبد الحي زلوم
أعلم وليا عهد السعودية والامارات الادارة الانتقالية للرئيس المنتخب ترامب أن ايران هي المشكلة بالنسبة لهم وليست اسرائيل ، وأن إنهاء موضوع القضية الفلسطينية هو من الضروريات ليصبح التعاون مع اسرائيل علنياً . وعندما اجتمع ترامب وبطانته في مايو 2017 مع القادة العرب في الرياض اتفق كوشنر وبن سلمان على ما اسموه “التحالف الاستراتيجي للشرق الاوسط” . وبناءً عليه تم الاتفاق أن تكون اسرائيل شريكاً سرياً في الحلف في الوقت الحاضر . فسر بن سلمان مهام كل فريق لاحد كبار الزوار الامريكان كالاتي : “سوف نخرج الاتفاق الى حيز الوجود . أنا سأتولى الموضوع لانهاءه مع الفلسطينيين وترامب يتولى انهاءه مع الاسرائيلين . ” اراد نتنياهو أن يستغل فرصة تصميم ادارة ترامب الجديدة على ايجاد تحالف صهيوني خليجي عربي امريكي ضد ايران فطلب من الادارة الامريكية أن تضغط على بن زايد وبن سلمان بالخروج علنياً بعلاقاتهم مع الكيان المحتل وذلك عبر مؤتمر قمة في البيت الابيض بين نتنياهو وقادة التحالف الاستراتيجي المزمع عمله . وبعد الاستطلاع مع القيادة السعودية والامارتية كان الجواب بالنفي وأن هذا الوقت غير مناسب لذلك. تفهم نتنياهو الموقف قائلاً إنه لا يريد افساد التعاون الاستراتيجي السري مقابل صور علاقات عامة خاصة وأن قادة الخليج يمثلون افضل امل وفرصة لقبول اسرائيل ودمجها في المنطقة.
جاء اوباما للسلطة وكان أمله أن يحل الخلاف الفلسطيني الاسرائيلي خصوصاً وأن القاعدة العريضة من اليهود الامريكان قد انتخبوه مرتين وان ادارته كانت مليئة (باليهود المعتدلين ). فغالبية يهود امريكا هؤلاء يؤيدون منهج حزب العمل وماريتس ومنهج جريدة هآرتس والاسرائيلين الذين يعيشون في المدن كحيفا وتل ابيب . بل اكثر من ذلك قال في محاضرة له في معبدEmanu-El في نيويورك بالحرف الواحد:”في واقع الامر أنا يهودي معتدل”. أما الفرق بينه وبين ادارة ترامب فهي ادارة تمثل حزب الليكود واقصى المستوطنيين اليهود في الاراضي المحتلة. ومع أن المعتدلين هم الاكثر عدداً من ستة الملايين اليهودي الامريكي الا أن الامريكان الليكوديون المتعصبون فهم الاكثر نشاطاً وتطرفاً وتأثيراً وهم يسيطرون على 70 مليون مسيحي صهيوني تماماً. ركزت حملة ترامب الانتخابية على كسب الملياردير الصهيوني الليكودي شيلدون اديلسون وهو صاحب اكبر كازينوهات القمار والرذيلة في لاس فيجاس . وهو كذلك الممول الرئيسي في الولايات المتحدة ل “تآلف اليهود للحزب الجمهوري” ومن الصعب أن يتم ترشيح رئيس عن الحزب الجمهوري دون دعمه .لكن الانكى من ذلك انه يدعم حزب الليكود وتحديداً نتنياهو . فقد أنشأ جريدة ( اسرائيل اليوم) وهي اكثر الجرائد انتشاراً في كيان الاحتلال وهي أداة دعم لليكود عموماً ونتيناهو خصوصاً.ولاديلسون وجهة نظر متطرفة بالنسبة للفلسطينيين حيث يعتقد ان حل الدولتين وانشاء دولة فلسطينية مهما كانت ضعيفة ستكون نقطة الانطلاق لتدمير الكيان الصهيوني . لذلك كان ايهود اولمرت رئيس وزراء الكيان بين ال2006 و2009 من اوائل من استهدفتهم جريدة اسرائيل اليوم وذلك لمفاوضاته مع السلطة لانشاء دولة فلسطينية وسَخَرَ كافة امكانياته ضد اولمرت ولانتخاب نتنياهو . قال اولمرت بعد انتخاب نتنياهو : “اديلسون لا يشتغل لنتنياهو وإنما نتنياهو يشتغل عند اديلسون ” . كما
أن اديلسون يتمتع بنفس هذا النفوذ المؤثر على الانتخابات الامريكية. كان اديلسون يعتقد أن اوباما هو عدوٌ (لاسرائيل) . ويقول كبار اليهود الامريكان أن اديلسون قد اقسم بأن يعمل كل ما يلزم لمنع اوباما من اتمام صفقة بين الاسرائيلين والفلسطينيين . اجتمع ترامب مع اديلسون في مكاتبه في لاس فيجاس ثم اجتمع اديلسون مع ترامب في نيويورك في مايو 2006 حيث صرح اديلسون أنه قد اخذ تعهداً من ترامب بنقل سفارة الولايات المتحدة الى القدس في حال انتخابه. كذلك اخذ تعهداً بان تبقى القدس عاصمةً موحدةً وغير قابلة للمفاوضات . بعد ذلك بدأت تبرعات اديلسون السخية تنهار على حملة ترامب وكذلك بدأت شعبيته في قياسات الراي العام بالارتفاع. يقول من حضر الاجتماع بين اديلسون وزوجته مع ترامب بأن زوجة اديلسون قد اجهشت في البكاء فرحاً حينما تعهد ترامب بأن قراراه الرئيسي لنقل السفارة سيكون في اليوم الاول لدخوله البيت الابيض . وفعلاً قام رئيس موظفي البيت الابيض بكتابة نسخة قرار نقل السفارة في اليوم الاول الا أن وزير الخارجية تيلرسون نصح بالتريث مما جعله هدفاً من كوشنر وتم اقالته وهو في رحلة عمل في افريقيا . ثم جاء قرار النقل بعد ذلك بقليل.قد برهن ترامب انه ليس فقط محابياً للدولة اليهودية بل ومحابياً لليكود .
ويقول المقربون لنتنياهو أنه يشعر بان الادارة الجديدة ستتركه يتصرف كما يشاء بالنسبة للموضوع الفلسطيني وأن الفريق الذي تم تشكيله لم يكن ممكناً ان يكون أفضل لنتنياهو ومخططاته حتى لو شكله نتنياهو بنفسه . احد المقربين لنتنياهو صرح بأن نتنياهو اتصل مع ترامب بعد يومين من دخوله البيت الابيض وبعد انتهاء المكالمة كانت كل ملامح نتنياهو ترقص فرحاً وكأنه قد استلم افضل هدية عيد ميلاد كان يحلم بها .عين ترامب زوج ابنته جريد كوشنر مسؤولاً عن كافة المسائل المتعلقة بالموضوع الفلسطيني والشرق الاوسط . قال احد مسؤولي البيت الابيض أن تعيين كوشنر يبدو جيداً لانه فرد من عائلة ترامب وسيتعامل مع حكومات الشرق العربي التي تحكمها العوائل والقبائل. كان الفريق الذي اختاره ترامب وخصوصاً في ما يتعلق بالمناصب الرئيسية بشؤون العالم العربي من اعتى المتعصبين الليكودين الامريكان بل واقصى اليمين الاسرائيلي . جريد كوشنر تربط والده علاقةٌ قديمة مع نتنياهو وكان نتنياهو ينام في غرفته في نيوجرسي حين زيارته لوالد كوشنر. ولم يخفي تعامله العقاري في الكيان المحتل بل وفي المستوطنات والتبرع لها . أما السفير المعين لدى الكيان المحتل David Friedman, فلم يكن جاهلاً فقط للموضوع الفلسطيني بل كان من اكبر الداعمين للمستوطنات. اثناء قيام موظفي الخارجية الامريكية بشرح موضوع غزة سألهم : ” ما دام سكانها من المصريين فلماذا لا تأخذهم مصر وينتهي الموضوع. ” عند تعيينه كتب خمس سفراء امريكيين سابقين لدى تل ابيب واغلبهم من اليهود أن فريدمان لا يصلح لمثل هذه الوظيفة . بعد اعلان البيت الابيض هذه التعينات بشكل رسمي قال مقرب لنتنياهو أن هؤلاء موالين (لاسرائيل) ولليكود ولليمين ما كان حتى لنتنياهو نفسه أن يعين من هم افضل منهم لتمكينه من تنفيذ سياساته المتعلقة بالقضية الفلسطينية وايران والمنطقة العربية .
تحضيراً لمتطلبات منصبه الجديد قام كوشنر بدراسة اتفاقية اوسلو وكافة ملفات المفاوضات الفلسطينية مع الكيان وخصوصاً ما عرضه باراك واولمرت . علق كوشنر لمساعديه أن اتفاقية اوسلو “قالت اقل ما يمكن قوله لعدم الاساءة الى اكبر عدد ممكن ” . أما خطته فستكون اكثر ما يمكن تفصيلاً ثم اخراجها ليتم تطبيقها . واضاف كوشنر ان اوباما اراد ان يعطي كل شيء للفلسطينيين. أما سياسة ادارة ترامب فستكون تطبيقاً لاستراتيجية نتنياهو وكما قالها كوشنر ” أن اسهم الفلسطينيين قد هبطت وأنهم لم يعودوا مركز الاهتمام العالمي والعربي والهدف هو جعل القيادة الفلسطينية أن تقبل الان بأقل ما عرض عليها بالامس من باراك سنة 2000 واولمرت سنة 2008 “. أحد فريق كوشنرشرح الامر وكأن القضية الفلسطينية هي كقضية
اسهم وعقار وقال :” يمكن لاحد ان يقول يا ليتني اشتريت اسهم شركة جوجل قبل 20 سنة. لكنني لا استطيع شرائها اليوم بذلك السعر . عليّ دفع السعر الحالي ليس لانني سأعاقب ولكن لاني قد اضعت الفرصة .” اما ديفيد فريدمان فيقول انه يريد معالجة القضية الفلسطينية وكانها اعادة هيكلة لشركة مفلسة . فهو محامي مختص بهيكلة الشركات المفلسة ومن بينها شركات ترامب التي افلست مراراً وتكراراً .
بناءً على تقارير من المخابرات الاسرائيلية فإن محمود عباس في وضع يائس كما لم يكن من قبل . ومع أن الدعم العربي للموقف الفلسطيني كان يسكنه الكثير من الديماغوجية الا أنه كان كافياً ليشعر المفاوضون الفلسطينيون بدعم كافٍ يمكنهم من مقاومة الضغوط الامريكية والاسرائيلية . والامر ليس كذلك اليوم . ويبدو أن ارضاء الفلسطينيين بما سيعرض عليهم هو ليس موضوع اهتمام بالنسبة لادارة ترامب .ولزيادة الضغط سواء على عباس أو حماس تم خفض المخصصات الامريكية للفلسطينيين وخصوصاً على منظمة الانروا والتي يعتمد ثلثي سكان غزة على برامجها الاعاشية والتعليمية . قال كوشنر مفاخراً ” لقد قمنا بحركات كبيرة والجميع في المنطقة اصبحوا على اعصابهم وهكذا يجب أن يكونوا ليحصل التغيير . ليس هدفنا استقرار المنطقة بالشكل الحالي ولكن هدفنا هو التغيير الى الافضل (طبعاً لاسرائيل ) . فأحياناً يجب أن تكون الاستراتيجية هي المغامرة في تكسير الوضع الراهن للوصول الى الاهداف .” اتساءل هنا هل ما يحدث في الاردن من منهجية تفقير الشعب عبر منع المساعدات وزيادة الضرائب في آن واحد هي جزء من هذه الاستراتيجية.
منذ فترة والقيادة الفلسطينية تعاني من الانشقاق والشيخوخة مما افقد القضية الفلسطينية مركز الاهتمام الدولي اضافة الى انشغال الدول العربية الرئيسية في مشاكلها فأصبح كلٌ يغني على ليلاه وشعرت القيادة الفلسطينية بالعزلة . فمثلاً اتصل اوباما مع محمود عباس في اول اسبوع من دخوله الى البيت الابيض اما ترامب فاول اتصال معه فكان بعد شهرين في 10 مارس 2017 حيث بادره بدون مقدمات : ” ما رأيك هل نستطيع أن نتمم صفقة سلام؟”. حاول عباس أن لا يجيب مباشرةً فقال :” اهنئك على نتائج الانتخابات الديمقراطية ال…” فقاطعه ترامب قائلاً : ” .OK.يبدو أن الخط غير واضح . نحن نتكلم عن صفقة سلام تاريخية . فما رائيك ؟” اجابه عباس :” نحن نؤمن انه عبر المفاوضات يمكننا عقد صفقة سلام مع الاسرائيلين، وأنه مستعد للمفاوضة مع نتنياهو ” اجاب ترامب :” اوه … هذا جيد جداً . ” وفاجئ ترامب عباس بسؤاله :” هل تظن أن نتنياهو يرغب بعمل صفقة سلام ؟ مارأيك ؟” فاجئ السؤال عباس . اجاب عباس بحذر :” هو رئيس وزراء اسرائيل.وليس لنا رأي آخر .” اجابه ترامب :” اذن ليس لك راي بالموضوع. ولكن هناك فرصة حقيقية وذلك بسببي . لاني سأضع مئة في المئة من طاقتي لتحقيق ذلك . إنها ستتحقق . ” اجاب عباس :” سنعتمد عليكم ايها السيد الرئيس .نعتقد بإمكانك تحقيق السلام .”
كان التحدي الثاني لعباس في اجتماعه مع ترامب في البيت الابيض بتاريخ 3/5/2017.كانت المفاجئة الاولى أن استهل ترامب الاجتماع بسؤال عباس كيف يمكن ان تقوموا بدفع رواتب للسجناء في السجون الاسرائيلية بل ودفعكم رواتب لعائلات القتلى من الارهابيين ؟ اجابه عباس:” كنا في صراع طويل وعلينا الاهتمام بعائلات شهدائنا . ” اقام ترامب مأدبة غداء لعباس ورفض بعض فريق المستشارين في البيت الابيض حضور الغداء بإعتبارهم لن يتناولوا الطعام مع قتلة اليهود .كان كوشنر جافاً جداً وقاسياً في تعامله مع افراد السلطة الفلسطينية . اعلم صائب عريقات كوشنر أنه يجد صعوبة في تحديد موعد مع الاسرائيليين . اجابه كوشنر :” نحن طلبنا منهم ان لا يقابلوكم في الوقت الحالي .” اجاب عريقات :” من الافضل ان نجتمع مع الاسرائيلين فأنتم سوف لن تصنعوا السلام لنا .” رد عليه كوشنر قائلاً :” هل تظن
أنك متى اردت تستطيع الاجتماع معهم في بيتك وتشرب الشاي وتتفقون على شيء لم تستطيعوا الاتفاق عليه لمدة 25 سنة؟ لما لا تعلمني ما هي الخلاصة النهائية التي تستطيعون قبولها ؟”. و في احدى المداولات قال عريقات لكوشنر:” اشعر وكأنني اتعامل مع سمسار عقارات.” رد عليه كوشنر :” يا صائب … لم تستطع أن تعمل سلاماً مع السياسين فربما ما تحتاج له هو سمسار عقارات ! ” وعندما قال عريقات لكوشنر أن الولايات المتحدة ستُخرج نفسها من دورها كوسيط سلام بين الفلسطينين والاسرائيلين اذا نقلت سفارتها الى القدس اجابه كوشنر:” نحن دولة ذات سيادة … لا تهددني “.
في 6 ديسمبر 2017 اعلنت الولايات قراراها بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب القدس وأن القدس ستبقى عاصمة موحدة لدولة اسرائيل.
وما زال مناضلوا الخمس نجوم واشاوس مفاوضات الخمس وعشرين سنة يتوسلون مقابلة اي مسؤول اسرائيلي . واشاوس السلطة ما زالوا يعتبرون حماية الاحتلال عبر التنسيق الامني امراً مقدساً … والقافلة تسير.
مستشار ومؤلف وباحث