هل تكذب حكومة الولايات المتحدة على شعبها بل وتقتله وهل هي مؤهلة أو مخولة لمحاسبة الاخرين؟

د. عبد الحي زلوم

1- عند حكومة الولايات المتحدة الكذب ملح الرجال.

جاء في تقرير لـ Associated Press بتاريخ 24 يناير سنة 2008 أن مؤسستي The Center for public integrity and the Fund for Independence in Journalism وجدتا بأن الرئيس بوش وكبار مساعديه قد كذبوا 925 مرة بعد أحداث 11 سبتمبر وذلك لتسويق خطر العراق على الأمن القومي الأمريكي. ولقد خلص التقرير إلى أن تلك الأكاذيب “كانت جزءاً من حملة متناسقة مسمرت الرأي العام الأمريكي، وبذلك، قادت الأمة إلى الحرب تحت أسباب كاذبة قطعاً “. وأما الحملة الهستيرية هذه الايام على روسيا وسوريا ما هي الا أكاذيب لتسويق الاعمال العدوانية في اجندة التجمع العسكري الصناعي الحاكم الحقيقي للولايات المتحدة .

ولنعطي مثال آخر من التاريخ القديم . كانت الولايات المتحدة في ازمة اقتصادية خانقة وكانت كما تبين لاحقاً في مراسلات داخلية بانها بحاجة ماسة الى حرب . وفجأةٌ تم انفجار في المدمرة الامريكية USS Maine الراسية في ميناء كوبا والتي كانت تحت الحكم الاسباني . قامت الصحف الامريكية ولم تقعد مدعيةً بان الأسبان قد فجروا أحدى سفن الاسطول الامريكي وكان هذا بداية الحرب الامريكية الاسبانية سنة 1898 والتي احتلت الولايات المتحدة بموجبها كوبا وبقية الممتلكات الاسبانية بما في ذلك الفلبين . بعد انتهاء الحرب اظهر تحقيق من البحرية الامريكية أن الانفجار كان في غرفة المراجل ولم يكن عملاً تخريبياً هذه.

2- وشهد شاهد من اهله …!

دعنا هنا نورد ملخصاً للجنة التوجيه للمتقاعدين القدامى من اجهزة المخابرات والمكونة من 20 متقاعد . وهذا ما قالوه عن كذبة كيماوي خان شيخون :

“إن اتصالاتنا مع مصادرنا من القوات المسلحة الامريكية في المنطقة اخبرتنا أن القصة الرسمية الامريكية ليست صحيحة وانه لم يكن هناك هجوم سوري بالاسلحة

الكيماوية . الصحيح ان طائرة حربية سورية قصفت مخزن ذخيرة للقاعدة في سوريا الذي كان يحتوي على مواد كيماويات سامة وان ريح قوية قد ساقته الى القرية المجاورة ( خان شيخون )…. هذا ما حدث وهو بالضبط ما قاله السوريون والروس.”

ورأي خبيرٌ آخر ..هذا ما قاله Lawrence Wilkerson الضابط المتقاعد الذي عمل رئيس اركان لكولن باول حينما كان قائداً للقوات المسلحة الامريكية :

“انا شخصياً أعتقد ان الحادث كان مدبراً كما دبرنا حادث خليج Tonkin لاشعال الحرب على شمال فيتنام ….جميع مصادري تعلمني بما فيهم اعضاء في فريق متابعة الاسلحة الكيماوية عالمياً وبما فيهم مصادر في سوريا وبما فيهم اشخاص من داخل مجمع اجهزة المخابرات الامريكية أن الحادث كان مخزناً للاسلحة تمّ قصفه وأن بعض محتوياته كانت مواد كيماوية وان الطيران السوري استعمل قنابل عادية غير كيماوية وأن الرياح قد ساقت هذه المواد الكيماوية الى البلدة .

جريدة الواشنطن بوست فضحت حقيقة أمر هدف رسالة الضربة الامريكية أنها موجهة الى روسيا فكتبت بعد يوم من العدوان :”الرسميون في ادارة ترامب طلبوا من روسيا أن توقف دعمها لحكومة الاسد أو تواجه مزيداً من تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة . “

3- مشكلة روسيا الكبرى مقاومتها لنظام الاحادية الامريكية

ليست المشكلة في سوريا أو الاسد . المشكلة بالنسبة للمحافظين الجدد المهيمنيين على الدولة العميقة هو تحدي بوتن نظام الاحادية الحالي الذي يفرض النظام الإقتصادي الذي يريد على من يريد ويعربد سياسياً وعسكرياً ويطيحُ بانظمة الدول ذات السيادة كما ومتى يريد . والمشكلة أن بوتن يحثُ أو يساعدُ على قيام نظام بديل يحترم السيادات الوطنية للدول ويقيمُ التحالفات الدولية لذلك . ولتحقيق مهمته عليه أن يبدوا انه حريٌ بحلفاءه أن يثقوا به وانه يقف مع اصدقائه حين الاعتداء عليهم . لهذا السبب فهو لن يتخلى عن الاسد لانه لا يستطيع ان يفعل ذلك والا فسيهز اساس استراتيجيته ضد الهيمنة الاحادية .

4- هل جرائم الاستعمار الغربي ضد الانسانية مسائل فيها وجهة نظر ؟

قال الشاعر : قتل امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تُغتَفر…وقتل شعبٍ آمنٍ مسأَلةٌ فيها نظر.

عندما سُئلت وزيرة خارجية امريكيا أيام الرئيس كلينتون إن كانت تعتبر الحصار المفروض على العراق يساوي ثمنه الباهض والذي تسبب بموت 500 الف طفل عراقي فأجابت نعم إنه يساوي ذلك .

إن من شن الحرب في سوريا وساهم في قتل اكثر من 400 الف سوري وجرح اضعاف هذا العدد وتهجير حوالي 10 مليون من السورين هو مجرم حرب حسب القوانين الدولية ولا يحق له ان يذرف دموع التماسيح أو أن يدّعي علاقته لا من قريب ولا من بعيد بحقوق الانسان .

5- دعنا نبين جرائم الحروب الامريكية.

فلنبدأ بالعراق:

في دراسة أكاديميةٍ مميزة مهنياً ووطنيياً بعنوان (اشعاعات اليورانيوم المنضب في العراق) قامت بها الدكتورة سعاد العزاوي من جامعة المأمون للعلوم والتكنولوجيا والذي سأختصر بعض ما جاء بها مع أنها هامةً جداً في كليتها :

– تمّ استعمال اليورانيوم المنضب ضد العراق في حرب الخليج الاولى سنة 1991 وهو الاستعمال الاول لهذا النوع من الاسلحة . وتم استعمال حوالي 800 طن ضد القوات العراقية اثناء انسحابها من الكويت . لكن الامر لم يتوقف عند ذلك فقد تمّ استعمالها ايضاً في صواريخ التوماهوك ضد التحصينات العراقية وخلال حرب منطقة حظر الطيران وكذلك اثناء الضربة الصاروخية للعراق سنة 1998 يضاف الى ذلك مئات الاطنان التي استعملت اثناء الغزو 2003.

– قامت قوات الاحتلال الامريكية والبريطانية بمنع العراقيين من القيام باي دراسات عن آثار هذا السلاح السام . كما تمّ منع ازالة بقايا هذا السلاح بالرغم من أن ذلك يجعله يستمر في اشعاعاته الضارة وكل هذه الممارسات تعتبر قانونياً جرائم ضد الانسانية وذلك لانها لا تفرق بين المدنيين المتضررين .

– الاعراض العامة لتلك الاشعاعات هي الشعور بالتعب الشديد وآلام في العضلات وخلل في عمل الجينات والاجهاض والتشوه الخلقي وكل انواع السرطانات .

– قام الدكتور عالم عبد الحميد يعقوب بدراسة تفصيلية عن الاعراض والامراض الناتجة عن الاشعاعات وتمّ اغتياله بعد ذلك كما تمّ اغتيال 250 عالم عراقي من اصحاب الاختصاص.

– دراسة الدكتور يعقوب سنة 1998 سجلت الحالات السرطانية للاطفال تحت سن 15 في البصرة للفترة ما بين (1990 – 1997). بينت الدراسة زيادة بنسبة 60% للوكيميا الاطفال وكذلك زيادة بنسبة 120% لكل انواع السرطانات الاخرى ، كما زادت نسبة اللوكيميا للاطفال دون 5 سنوات من 13 الى 41% ، كما بينت الدراسة اعتماداً على سجلات مستشفى البصرة على زيادة سرطان الرحم والغدد بنسبة 143%، كما زادت نسبة سرطان الثدي بنسبة 102% .

وماذا عن فيتنام:

– تم استعمال مادة كيماوية ما يسمى بالعنصر البرتقالي (Agent Orange ) والتي تمّ تسميتها بعملية (Operation Ranch Hand) بالرغم من انكار

– الولايات المتحدة ان هذه المواد سامة الا أنه ثبت من مراكز الابحاث المحترمة لاحقاً أنها تحتوي على أخطر السموم في العالم مما اضطر الحكومة الامريكية الى الاعتراف بذلك .

– تمّ تعرض 4 ملايين شخص في فيتنام لهذه المادة الكيماوية اصيب حوالي مليون منهم بأمراض عديدة حيث تمّ تدمير الجينات في اجسامهم مما سبب بتشوهات خلقية . ولقد تمّ ازدياد حالات انواع السرطان المختلفة بعد استعمال هذه المادة الكيماوية بما في ذلك المحاربين الامريكان القدامى . كما دمر هذا الكيماوي ما يزيد عن31,000 كم2 من الغابات .

6- هؤلاء هم قتلة شعوبهم بل وقتلة الشعوب.

نقلاً عن مصادر ادارة المحاربين القدامى الرسمية أنّ عدد الجنود الذين تمّ تصنيفهم كمعاقين في حربي الخليج اصبح مجموعهم 518,739. ومن 580,400 جندي من الذين خدموا في حرب الخليج الاولى فقد

توفى منهم 11,000 حتى سنة 2000 وكان 325,000 من صنفوا بعاهات طبية دائمة . وبعد 10 سنوات من ذلك اصبح 56% ممن خدموا في حرب الخليج الاولى ذو عاهات طبية دائمة !

كانت الولايات المتحدة هي أول من استعمل اسلحة الدمار الشامل وألقت قنبلتين ذريتين على اليابان في الوقت الذي كانت اليابان تدرس الاستسلام . تم تدمير مدينتين بالكامل وقتل وجرح مئات الالاف اكثرهم من الشيوخ والنساء والاطفال حيث كان الشباب في ميادين القتال .

هل دولة كهذه تمتلك اي شرعية او أهلية أن تحاسب الاخرين بهذا السجل المنافي لكل حقوق الانسان؟

7- تعددت الاسباب والموت والنفاق واحد

فجر الضالون التكفيريون الحافلات التي كانت تقل المُهجرين من بلدتي القرعة وكفريا. وبينما كانت الحافلات تقف على حاجز من حواجزهم وبحراسة أمنية للقافلة من حراساتهم تم تفجير شاحنة وكانت النتيجة قتل 125 من ركاب القافلة واضعاف ذلك من الجرحى والرقم قابل للزيادة – بينهم 68 طفلاً – وهذه الحصيلة تكاد تكون أكثر من ضعف ضحايا خان شيخون .

لم نسمع تباكي ودموع تماسيح الولايات المتحدة ووكلائها وأتباعها ولو كان هناك إدانات فكانت ادانات ناعمة . السؤال هنا ما الفرق بين الحادثتين فهل الموت في نقطة تفتيش التكفيريين هي موت درجة اولى ، والموت في خان شيخون هو موت درجة ثالثة ! هذه الانتقائية والتلاعب بأرواح المدنيين العزل وقتل أكثر من 400 الف منهم ستبقى حتى يوم القيامة في اعناق مسببيها والله يعلم من هم وكثيرون من عباده .

لا أود أن انعت هذه الحضارة الغربية التي يسمن تجار حروبها على قتل الابرياء واحتلال واذلال الشعوب . فهذا أحد اركان الطبقة الامريكية الحاكمة الذي صحى ضميره بعد أن كان وكيلاً لوزارة الخزانة الامريكية حيث كتب الدكتور بول كريغ روبرتس (ICH-April 16.2017):” الحضارة الغربية لو صح أن نُسمّيها حضارة هي الاكثر اقترافاً للجرائم ضد الانسانية في التاريخ “.

مستشار ومؤلف وباحث