الاردن ونظامه مستهدفان.. بعد ربع قرن من برامج صندوق النقد الدولي زادت المديونية الاردنية أكثر من عشرة أضعاف وأصبحت نسبة الفقر في الاردن %33 والحل هو الخروج من النظام الذي سبب هذه النتائج.

د. عبد الحي زلوم

إن الضغط على روافد الاقتصاد الاردني الرئيسية اصبحت بالغة الوضوح واهمها المساعدات الخارجية وتحويلات العاملين في الخليج والسياحة . وهذا الثالوث يتقلص يوما بعد يوم .

كانت ولاية الشام أيام الحكم العثماني تشمل ما أصبح سوريا ولبنان وفلسطين. جاء إنشاء امارة في جنوب الشام تم تسميتها شرق الاردن كملحق لاتفاقية سايكس بيكو في مؤتمر سميراميس في القاهرة سنة 1921 حيث عقدت وزارة المستعمرات البريطانية برئاسة تشرشل لوضع اللمسات الأخيرة والتعديلات على اتفاقيات الاستعمارين البريطاني والفرنسي. مذكرات وزارة المستعمرات التي أوصت بأنشاء إمارة شرق الاردن حددت دورها الوظيفي وذكرت أن الموارد الطبيعية لتلك الامارة ضعيفة وستكون تلك الامارة بحاجة دائمة لمساعدات وأن تلك المساعدات أقل كلفة ما لو قامت الامبراطورية نفسها بالقيام بتلك الوظائف. . ومنذ انشائها وميزانية الاردن السنوية تظهر عجزاً يتم معالجته بالمساعدات الخارجية. فكيف ومتى أصبح الاقتصاد الاردني قادراً على سد عجوزاته كما تفرضه فرامانات صندوق النقد الدولي هذه الأيام ؟

اذن فإنقطاع المساعدات الخليجية في هذا الوقت مع عودة العديد من العاملين الاردنيين من دول النفط مع ضغط صندوق النقد الدولي على الدولة لسن قوانيين الجباية الجديدة في وقت يعاني به الاقتصاد والعباد من ركود هي عوامل مجتمعة ومحسوبة لاستهداف الاردن ونظامه لتمرير مخططات حلول التسوية الاستسلامية. فما العمل ؟

قال ويليس هارمن (Willis Harman): ” لقد بدأ الشك يساورنا ان وهمنا الكبير يتمثل في حلول مقترحة كانت هي بادئ ذي بدء اساس الداء”. ويضيف : ” ويبدو ان مجرد الترقيع في النظام الحالي لم يعد كافياً.” ويضيف ” إن الشعوب في العالم الحالي يعزون تلك المشاعر لاخفاق سياسات قوى النفوذ او الى اليساريين المتعصبين، أو الى الرأسماليين الجشعين. ولكن حقيقة الامر هي أعمق من ذلك وتتطلب تغييراً عميقاً أساسياً في المفاهيم والافتراضات (للنظام نفسه)”.

هل صندوق النقد هو إحد أدوات الاستعمار الحديث؟

هذا ما يقوله روبرت كوبر ، المستشار السابق لدى رئيس الوزراء البريطاني ، الذي عقد مقارنة بين اشتراطات صندوق النقد الدولي اليوم ، وبين اشتراطات إمبريالية الأنجلو- فرنسيين في القرن التاسع عشر ، عندما قرروا في سنة 1875 تولي السيطرة المباشرة على اقتصاد ومالية مصر لضمان سداد الديون ،

فكتب قائلاً : ” كم تختلف اشتراطات صندوق النقد الدولي عما فعله اللورد كرومر وآخرون في مصر؟… يبدو شبيهاً وإلى حدً لافتٍ بواحد من برامج صندوق النقد الدولي المتشدد.”

منذ حوالي ربع قرن من إعادة هيكلة الاقتصاد الاردني تم ما أسمي ظلماً “بإصلاح” المديونية بمزيد من الدين حتى وصلت إلى أرقام فلكية تنوء تحتها ميزانية خدمة الدين فما بالك بأصول الديون نفسها! زادت معدلات الفقر فأصبح ثلث الاردنيين فقراء أو فقراء عابرين حسب تقرير البنك الدولي. في عمليات اعادة هيكلة الاقتصاد وتحريره في الاردن كما في غيره يطلب الصندوق من الدول بيع المؤسسات التي تم الاستدانة لبنائها ، تماما كما أجبر الانجليز الخديوي إسماعيل على بيع قناة السويس لهم بسعر بخس أقل من 4 مليون جنيه!!!

تتحول الدول المدينة هذه الأيام والتي تقع تحت رحمة الصندوق إلى محميات لا أكثر وفي أحسن الأحوال إلى دول حكم ذاتي مسلوبة السيادة السياسية والاقتصادية . إن تبعية الاقتصاد الاردني الى الهيمنة الامريكية يخلق تشوهات تتنافى حتى مع مبادئ الاقتصاد الرأسمالي الامريكي . فعندما يكون الاقتصاد في ركود يتم عادةً تخفيض الفائدة البنكية بدرجة انها وصلت الى صفر في الولايات المتحدة أثناء ازمتها الاقتصادية الاخيرة . أما في الاردن فقد تمّ زيادة الفائدة برغم ركود الاقتصاد، فقط لان الولايات المتحدة زادت الفائدة هناك لاسبابها الاقتصادية الخاصة .

كذلك يتم تحفيز الاقتصاد في حالة الركود بخفض الضرائب ولكن فرامانات الصندوق فرضت زيادتها !

يستبشر المسحوقون من تبعات برامج الصندوق حينما تذهب حكومة وتأتي أخرى ولكن سواءً ذهب زيد أوجاء عمرو فبرنامج الصندوق واحد.

دعنا نقول بوضوح أن الاردن ونظامه مستهدفان حيث أصبحت الولايات المتحدة اليوم وصهاينتها اليهود والمسيحيين القابضين على السلطة هناك اشد تطرفاً حتى من حزب اللكود الحاكم والذي يقترب من تحقيق شعاره “للاردن ضفتان ، هذه لنا وكذلك الاخرى “. وهناك احتمالان اولهما هو الانتظار حتى يصبح مخطط اللكود أمراً واقعاً بكل تبعاته المآساوية أو ثانيهما أن يستبق النظام الاردني الخطوات التآمرية الاخيرة فيجهضها بالرغم مما يحمل ذلك من مخاطر الا انها ستكون أقل ضرراً حتى على اصحاب النظام الاردني نفسه . وهناك اليوم حركات قوى عالمية واقليمية كبرى بدأت العمل والسير على طريق التحرر من هيمنة الامبراطورية الصهيوأمريكية مما يمكن الاردن من الانضمام الى هذا المعسكر والذي يعمل بجد للابتعاد عن ادوات الامبراطورية الصهيوأمريكية . ودعنا نرى بعض ما يقوم به المعسكر الصاعد من اجراءات :

بعد ان الغى الرئيس نيكسون نظام سعر الصرف الثابت وتغطية الدولار بالذهب مخالفاً ذلك لاتفاقية بريتنون وودز اصبحت الولايات المتحدة تطبع دولاراتها بدون غطاء . ولاجبار العالم على شراء دولارات كلفة طباعة المئة دولار منها لا يزيد عن خمس سنتات جاء بنظام البترودولار أي ان يصبح النفط هو الذي يغطي الدولار بدل الذهب . بعد زيادة اسعار النفط 400% نتيجة لحرب التحريك في اكتوبر 1973 تمّ عقد اتفاقية بين وزارة المالية الامريكية في شهر ديسمبر 1974 وبين مؤسسة النقد السعودية (SAMA) يقضي بأن تشتري المملكة العربية السعودية الدين الامريكي ( سندات الخزينة ) والاسلحة بكافة فائض دخلها من النفط . وتم ارسال خبير من وول ستريت اسمه جيلفورد حيث تمركز في (SAMA) لمتابعة التقيد بالاتفاق . كان الاتفاق هو تجسيداً لما تمّ تسميته بتدوير البتردولارات حسب خطة هينري كسينجر

.كما تم الاتفاق ببيع النفط بالدولار فقط مما اجبر كافة الدول بالعالم على شراء الدولارات حتى بدون غطاء الذهب لسداد مشترياتها من النفط ! وما زال هذا النظام قائماً حتى يومنا هذا . وحتى فترة قريبة لم يخرج عن هذا النظام سوى صدام حسين ومعمر القذافي بإعتمادهما اليورو كوسيلة للدفع . إن محاولة التعرض لهذا النظام البترودولاري يهز عرش الامبراطورية الصهيوامريكية والتي جعلت من اوراق مطابعها (الدولار) عملة الاحتياط العالمي ومما يمكن وزارة المالية الامريكية من فرض العقوبات بل ومراقبة كل حركة دولار بالعالم . ويمكنها من فرض العقوبات والفرامانات على هذه المنظمة او تلك الدولة حسب ما تقتضيه مصالح امبراطوريتها .

تقوم روسيا بالتنسيق مع الصين اليوم بالتمرد على نظام البترودولار وذلك بخلق عملة البترويوان ( العملة الصينية) . كما أن وزارة المالية الروسية قد اصدرت أول سندات دين بالعملة الصينية بدلا من الدولار . ويتم بيع هذه السندات بواسطة بنك Gazprom Bank الحكومي في روسيا وبنك الصين وهو اكبر البنوك الحكومية الصينية .

إن تهديد المقاطعة الاقتصادية عجلت من التعاون الاقتصادي الروسي الصيني . وإن استعمال روسيا للعملة الصينية كتغطية لسنداتها بدل الدولار سيفتح باب استعمال العملة الصينية بالتوزاي مع الدولار عالمياً . ومن المهم هنا أن نبين ان هذا التحدي لنظام البترودولار بواسطة البترويوان يأخذ طابعاً جدياً عندما نعلم أن روسيا هي أكبر منتج للنفط والغاز في العالم وأن الصين هي اكبر مستورد للنفط بالعالم وعندما نعلم بان ايران وهي احدى اكبر منتجي ومصدري النفط في العالم ستنضم الى هذا النظام الجديد بالاضافة الى فنزويلا والتي تملك اكبر احتياطات النفط في العالم.

كذلك أنشأت الصين مؤسسات بديلة عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي .

والانكى من ذلك انه في 13/12/2017 انهى الصينيون تجاربهم استعداداً لاصدار اول اوراق بيع بترول مستقبلية (OIL FUTURES) بالعملة الصينية بدلاً من الدولار ومركز اصداره حالياً في نيويورك ولندن . وسيتم تعامل بيع هذه الاوراق في سوق شنغهاي للعقود الاجلة .

ومثل هذه الاصدارات سيضعف من مركز الدولار كقاعدة للتجارة المستقبلية للنفط . من المهم ايضاً بيان ان ايران قد اعلنت أنها ستنضم الى دول اتحاد يوراسيا الاقتصادي ” Eurasian Economic Union (EEU) ” ابتداء من شهر فبراير 2018.

العالم يتحرك ويتحرر من همينة الامبراطورية الصهيوامريكية و عليّنا أن نتحرك ايضاً و نتحرر من عقلية القديم يبقى على قدمه” ومن أن يقوم اعداءنا لتحديد من هم اعداءنا .

إن الانعتاق من كوابيس الهيمنة الصهيوأمريكية ليس امراً سهلاً وله مصاعبه لكن البقاء تحت تلك الهيمنة سيحدث اذىً واضراراً أكثر بكثير للانظمة التابعة ودولها والاردن ليس استثناءاً.

يبدو أن النظام الاردني يستشعر الخطر وجاءت أولى خطواته بتصريح لرئيس البرلمان صباح يوم 24/12/2017 حيث إفتتح جلسة البرلمان قائلاً أن على الاردن توسيع قاعدة الخيارات والتحالفات للاردن

وذلك بعد اجتماعه مع سفراء إيران وسوريا ولبنان. أن تبدأ متأخراً خير من أن لا تبدأ ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.

إن للاردن ميزات جغرافية وجيوسياسية تستطيع تغيير الخارطة السياسية في المنطقة كلها لو تم التحرر من الدور الوظيفي الذي حدده الاستعمار الأنجلوامريكي مما سيقلب الطاولة فوق رأس الامبراطورية الصهيوامريكية و من غير الممكن أن يتم ذلك دون التعاون مع المعسكر المعادي للهيمنة الصهيوامريكية وأن نتحرر من الاشباح التي حددها الاستعمار لنا وكأنها هي العدو.

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل