وصل بن زايد لنيويورك بعد نجاح ترامب واجتمع سراً مع كوشنر وبطانته واخبرهم أنه بالاصالة عن نفسه و عن بن سلمان فإنهما ملتزمان بالتعاون التام لتطويع الفلسطينيين لقبول مقترحات ادارتهم و التحالف لصد النفوذ الايراني في المنطقة، وأن ايران وليست اسرائيل هي المشكلة.
يمكن القول بان المفاوضات السرية بين كيان الاحتلال والامارات العربية المتحدة قد انطلقت عبر اجتماعات متعددة بين الطرفين في واشنطن مباشرةً بعد اتفاقية اوسلو . وهذا يجيب بنعم على تساؤل الاخ السيد محمود الطحان إن كانت اوسلو عاملاً مساعداً في تعظيم الاتصالات بين دول الخليج والكيان الصهيوني .
في بداية فترة رئاسة كلينتون الاولى ارادت الامارات ان تشتري سرباً من الطائرات المقاتلةF16، الا ان الولايات المتحدة والامارات كانتا متخوفتان من معارضة دولة الاحتلال لمثل هذه الصفقة . اتصلت الادارة الامريكية بــJeremy Issacharoff من السفارة الاسرائيلية في واشنطن فكان جوابه بأن اسرائيل ترغب في بحث الموضوع مباشرةً مع دولة الامارات لمعرفة ضد من سيتم استعمال تلك المقاتلات . كانتSandra Charles أحدى العاملات في ادارة جورج بوش الاب قد أسست لها شركة تعمل كمستشارة لولي العهد الاماراتي محمد بن زايد . وكانت كجزءٍ من مهامها في الامارات مساعدة جمال السويدي وهو اكاديمي اماراتي في انشاء مركز رسمي حكومي للدراسات والابحاث الاستراتيجية وذلك سنة 1994 . واصبح هذا المركز هو الغطاء وقناة الاتصال مع الكيان الصهيوني. كانت ساندرا شارلز هي حلقة الوصل ورتبت الاجتماعات المتكررة بين السويدي وJeremy Issacharoff وكان موضوع البحث بينهما هو ديناميكية السياسة في الخليج. تم اللقاء بطريقة سرية في أحدى المكاتب في واشنطن . وتكررت الاجتماعات. بقي هناك خلاف حول القضية الفلسطينية بين الطرفين الا انه كان هناك تطابقاً بالنسبة لما تم تسميته بالخطر الايراني على الطرفين . عندها أخبر رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحاق رابين الادارة الامريكية بأنه لا يمانع من اتمام صفقة المقاتلات للامارات مما اصبح سبباً اساسياً في بناء الثقة بين الامارات والكيان الصهيوني .
اثناء المفاوضات تمّ اخبار بن زايد بأن الطائرات سيكون بها تكنولوجيا اسرائيلية وكان جوابه أنه لا يمانع بذلك بل هو يريد كل شيء اسرائيلي يساعد في بناء جيشه .
بمباركة من بن زايد بدأ السويدي بإحضار افواج من الصهاينة المتنفذين من الامريكان اليهود الى ابو ظبي للاجتماع مع كبار المسؤولين في الامارة . لم يصدق أحد تلك الوفود آذانهم حينما سمعوا أحد كبار المسؤولين في الامارة يقول لهم : "نتخيل أن يأتي اليوم الذي نكون فيه مع اسرائيل في خندق واحد ضد ايران ." ظن الوفد الصهيوني أن المسؤول الكبير يخبرهم ما يحبون سماعه مسايرة لهم، لكن المسؤول الاماراتي الكبير اضاف :" نحن نعمل بالمثل القائل أن عدو عدوي هو صديقي !"
نتج عن تلك الاتصالات تعاون أمني بين دولة الاحتلال والامارات . رأى الاسرائيليون في هذا التعاون الامني استثماراً للوصول الى حالة التطبيع الكاملة مع مرور الوقت .
مباشرةً بعد تنصيب اوباما رئيساً للولايات المتحدة سنة 2009 اتفقت الدولتان الصهيونية والاماراتية على توحيد جهودهما لثني اوباما عن الاتصال مع ايران لتخفيض التوتر بين ايران وبين بلده كما كان يصرح به اثناء حملته الانتخابية . نتيجة للتنسيق بين سفيري البلدين في واشنطن قررا ان يطلبا من دنيس روس مستشار اوباما للشرق الاوسط وهو (يهودي صهيوني متعصب) طلبا الاجتماع سراً معهم في احدى فنادق جورج تاون بواشنطن ، حيث قدما طلباً مشتركاً أن يغير اوباما سياسته نحو ايران . وهكذا تطورت علاقة
التطبيع لاكثر من التعاون الاستخباراتي ليصبح تعاونا سياسياً ايضاً. فاجئ هذا التعاون بين دولة عربية ودولة الاحتلال الكثيرين في البيت الابيض الا ان اوباما لم يغيّر موقفه .
في ايار (مايو 2009) واثناء مفاوضات شاقة وصعبة خصوصاً حول بناء المستوطنات في الضفة الغربية بين اوباما ونتنياهو طلب الاخير المساعدة في فك العزلة عن كيان الاحتلال . طلب نتنياهو من هيلاري كلينتون وزيرة خارجية اوباما أن يقوم حكام دول الخليج بلقاءه بإجتماعات علنية . بعد ذلك باسابيع زار اوباما السعودية حيث قابل الملك عبد الله والذي كان قد قدم المبادرة العربية سنة 2002 والتي عرض العرب فيها السلام مع دولة الاحتلال مقابل الانسحاب من جميع الاراضي المحتلة 1967. وعندما سأل اوباما الملك عبد الله إن كان مستعداً أن يقابل الاسرائيلين وجهاً لوجه لتفعيل مبادرته كان جواب الملك " هذا مستحيل" وأن تجميد المستوطنات لا يكفي بل المطلوب هو انسحاب كامل مقابل سلام وأن السعودية ستكون آخر دولة توقع سلاماً مع اسرائيل.
في ولاية اوباما الثانية حاول وزير خارجيته جون كيري لاحياء مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وبين دولة الاحتلال . ولكن حينما انهارت تلك المفاوضات سنة 2014 طلب نتنياهو من اكثر المقربين اليه وهو اسحاق ملخو على التركيز على استراتيجية زيادة الاتصالات السياسية مع دول العالم العربي. كان الهدف تطوير العلاقات بين السعودية والامارات من السرية الى العلنية . توفي الملك عبد الله في يناير 2015 فوجد الصهاينة ضالتهم في ابن التاسعة والعشرين من العمر محمد بن سلمان والذي قدم له جريد كوشنر المعلومات الاستخباراتية التي ساعدت انقلابه على محمد بن نايف ولي العهد ليحتل مكانه . وكان هذا الشاب يشارك بن زايد نظرته نحو الدولة العبرية . في اجتماعاته مع المسؤولين الامريكان في الرياض او في واشنطن كان الامير الشاب و الطموح دائما يردد "لم تهاجمنا اسرائيل ابداً " و يردد " لدينا نحن عدوا مشتركاً " . وكرر سراً أنه لا يمانع بإنشاء علاقات كاملة مع الدولة اليهودية . وتماماً مثله مثل بن زياد فقد اعرب في محادثات بينه وبين مسؤولين امريكان ويهود امريكان احتقاره للقيادة الفلسطينية ، وكأبن زايد فهو ايضاً كان يرغب في انهاء القضية الفلسطينية حتى لو لم يرضى بها الفلسطينيون .
في لقاء له مع رؤساء المنظمات اليهودية في نيويورك في 27 آذار/ 2018، قال:" في العقود الأخيرة، فقدت القيادة الفلسطينية الفرصة تلو الأخرى ورفضت مقترحات السلام التي قدمت لها، وقد حان الوقت لأن يأخذ الفلسطينيون هذه المقترحات ويوافقوا على المجيء إلى طاولة المفاوضات، أو عليهم أن يخرسوا ويتوقفوا عن الشكوى". كما قال في مناسبة اخرى اثناء زيارته تلك امام حشد صهيوني : "إن لليهود الحق في العيش في دولة على ارضهم في فلسطين ".
لست أدري أن اغضب أو أن اشفق على سمو الامير الشاب فلست ادري في اي كتاب تاريخ درس أن فلسطين هي ارض اليهود ولست ادري في اي كتاب شريعة أو سُنة قرأ بأنه يحق لاي مسلم أن يتنازل عن اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؟ وإذا كان الامير لا يهمه شأن القدس وفلسطين وأهلها )علماً بأن تحريرها هو فرض عين على كل مسلم(فذلك يعود له ولكني تأدباً لا اقول له ما قاله ان على الفلسطينين أن يخرسوا لكنني أقول له وأن لا شأن لك بفلسطين واهلها واتركها لمن يريد تحريرها .
سنة 2015 طالب نتنياهو في خطاب له مباشر للكونغرس بأن يعارض اعضاء الكونغرس رئيس دولتهم المنتخب اوباما ويستمع له ومعارضة التوقيع على الاتفاق النووي مع ايران . كان هذا الفجور ما قطع شعرة معاوية مع اوباما وادارته الوشيكة على الانتهاء.
لسنوات عديدة كانت الادارات الامريكية تنظر بشيء من السخرية على ادعاءات نتنياهو بإمكانه بناء تحالفات سياسية وعسكرية مع دول الخليج وخصوصاً في مواجهة ايران . الا أن المخابرات الامريكية رصدت مخابرات عديدة بين كبار المسؤولين الاماراتين مع نظرائهم الصهاينة في دولة الاحتلال بل ومع نتنياهو نفسه . كما رصدت المخابرات الامريكية اجتماعاً سرياً في قبرص بين كبار المسؤولين الاماراتين و الاسرائيلين كما و تعتقد المخابرات الامريكية أن نتنياهو كان حاضراً ذلك الاجتماع . ولقد استاءت الادارة الامريكية من أن الكيان الصهيوني والمفروض أن يكون حليفها الاستراتيجي بقيامه بمثل هذه التصرفات ومحاولة اخفاءها عن الادارة الامريكية بل وعدم اخبارها عن ما دار في تلك الاجتماعات السرية . ومنذ اقتراب نهاية فترة ولاية اوباما اصبح نتنياهو وخصوصاً بدءاً بسنة 2015 لا يبدي اهتماماً بل ويهمل اراء اوباما ويتصرف ضمن استراتجيته .فقد قرر نتنياهو بالتعاون مع بن زايد الشروع في تنفيذ استراتيجية سياسية جديدة في الشرق الاوسط .
لعب نتنياهو على الحزبين والمرشحين لخلافة اوباما . راهن على الحصانين المرشحين للرئاسة لكنه كان اميل الى دعم دونالد ترامب. فكما يعلم الجميع فقد كان ترامب جاهلاً في شؤون السياسة الداخلية والخارجية لكنه كان يهتم بشخصيات من يتعامل معهم. وقد كان ترامب شديد الاعجاب بنتنياهو وقدراته الخطابية واصراره على ان يكون من عظماء التاريخ بل واصراره على تحدي سياسات اوباما. في يناير 2013 طلب جوني دانيالس وهو رجل علاقات عامة من الكيان الصهيوني طلب ان كان ترامب يرغب بتسجيل فيديو تأيداً لنتنياهو في الانتخابات الاسرائيلية القادمة .
وافق ترامب وجاء في الفيديو:" اسمي دونالد ترامب وأنا من محبي اسرائيل الكبار . وبصراحة فوجود رئيس وزراء اسرائيلي قوي يعني اسرائيل القوية . وحقيقة فلديكم رئيس وزراء عظيم هو بنيامين نتنياهو . لا يوجد له شبيه . إنه رجلٌ رابحٌ دئماً ومحترم كثيراً من الجميع . لذلك صوتوا لبنيامين نتنياهو. انه "رجلٌ عظيم وعظيمٌ لاسرائيل ".
في يناير سنة 2016 حذر أحد كبار فريق كلينتون الانتخابي الاسرائيلين أن تدخل نتنياهو الواضح والمباشر لصالح المرشح الجمهوري ترامب سيكون كاللعب في النار بالنسبة لكيان الاحتلال . وبالرغم من ذلك بقي السفير الاسرائيلي دريمر على اتصال دائم ومباشر مع جريد كوشنر رئيس حملة ترامب لدرجة انه كان يكتب كل النقاط في اجندة ترامب المتعلقة بالشرق الاوسط والقضية الفلسطينية ! ولقد تأكد للمسؤولين في الادارة الامريكية أن الدعم الاسرائيلي لانجاح ترامب بقي مستمراً . كانت كلينتون تعلم بالاتصالات السرية بين الموساد والسعودية والامارات وكانت تعتقد أن ما طلبه منها نتنياهو ليس بالسهولة التي يظنها سواءً من رفع مستوى التعاون السري الى تعاون علني مع دول الخليج وانشاء حلف صهيوامريكي خليجي عربي ضد ايران.
وهكذا جاء ترامب مع فريق صهيوني يهودي ومسيحي اكثر تعصباً من حزب الليكود نفسه وبأجندة نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية ولانشاء حلف صهيوأمريكي مع عرب امريكا ضد ايران والقضية الفلسطينية.
في 15 ديسمبر 2016 توجه بن زايد سراً الى نيويورك ليجتمع مع جريد كوشنر وبطانته سراً ودون اخطار ادارة اوباما . تمّ الاجتماع في فندق فورسيزونز في نيويورك متجنبين الاجتماع في ترامب تَوَرْ لمرابطة الصحفيين باستمرار هناك . حضر المقابلة مستشار الامن القومي المنتظر في ادارة ترامب وكبار مستشاريه . كان ملخص ما قاله بن زايد هو انه وبن سلمان متفقان بالتعاون التام مع ادارة ترامب الجديدة في برامجها المعلنة المتعلقة بالقضية الفلسطينية وانهما يران ان المشكلة هي في ايران وليس لديهم مشكلة مع اسرائيل . فوجئ بعض الحضور وذلك لتطابق وجهة النظر هذه تماماً مع وجهة نظر نتنياهو.
المقال القادم : نص المحادثة الهاتفية بين ترامب ومحمود عباس يحثه على قبول (صفقة القرن )
مستشار ومؤلف وباحث