أوقعت الولايات المتحدة صدام حسين في فخ الحرب الايرانية العراقية والذي قال كسينجر عنها: “في كل الحروب يكون هناك خاسر ورابح ولكن في هذه الحرب يجب أن يكون خاسران”.. كانت هذه الحرب كارثية على العراق والوطن العربي
د. عبد الحي زلوم
في 1980 أصدر الرئیس كارتر مبدأه والذي عملیّاً یعلن منطقة الخلیج بحیرة أمیركیة.
نص مبدأ كارتر أن:”أي محاولة من أي قوة خارجیّة لحیازة السیطرة على منطقة الخلیج الفارسي ، سوف تعتبر ھجوماً على المصالح الحیویة للولایات المتحدة الأمریكیة ، وإن مثل ھذا الھجوم سیتم صدّه بكافة الوسائل اللازمة ، بما فیھا القوة المسلّحة.”
كانت الحرب العراقية الايرانية هي بداية تنفيذ الخطط الامريكية للانتقال من مرحلة الهيمنة الى مرحلة الاحتلال لدول وحقول نفط الخليج .
شجّعت الولایات المتحدة وحلفاؤھا العراق على أن ینتھز الفرصة ویزعزع نظام الخمیني بعد نجاح ثورة1979 الإسلامیة، وكان الرئیس العراقي أحمد حسن البكر معارضاً لھذا المخطط بینما أیّده صدّام حسين، والذي أصبح رئیساً في 1979 عندما استقال البكر ، وتمّ إعدام أعضاء حزب البعث المعارضین بعد ذلك بوقتٍ قصیر.
جُر صدام لمعركة مع ایران.
كانت الولایات المتحدة متلھفة لتوجیه ضربة ضد ثورتها الإسلامیة . وكان دول النفط في الخلیج متخوفین من تھدید الثورة لھم ، في مصیر مماثل لمصیر المشاه .
كان صدّام حسین قد ألغى اتفاقیته حول شط العرب مع ايران ، فحرضت إیران على خلعه والانقلاب علیه. إلا أن ما رجح الكفة نحو حربٍ شاملة كان الموافقة الضمینة لواشنطن على أنشطة صدّام المعادیة لإیران ، والوعد الذي قطعه دول النفط والعربیة السعودیة لتمویل حربه ضدّ إیران .وجاء الإشعار الأخیر لبدء الحرب خلال الزیارة الرسمیة التي قام بھا صدّام في 1980 للعربیة السعودیة ، وھي أول زیارة من رئیس عراقي .
وطبقاً للمحقق الصحفي بوب باري في مقالته ” تاریخ أمیركي/عراقي مفقود”: أن القادة السعودیين أیضاً حثوا صدّام على نقل الحرب إلى النظام الإیراني المتشدّد، كما أبلغوه أن قولھم یتضمن ” ضوءاً أخضر ” لغزو من الرئیس كارتر.”
غزا صدّام إیران في 22 أیلول 1980 ، وبعد مضي ستة أسابیع – لا أكثر – على زیارته الرسمیة للعربیة السعودیة .ودارت رحى حرب طاحنة بین العراق وإیران على مدى ثماني سنوات ، وكان الخط الرسمي للولایات المتحدة ھو الحیاد لكن في الواقع كانت سياستهم وجوب خاسران في هذه الحرب .
قامت الولايات المتحدة عبر حلفائھا أولاً ، ثمّ بصورةٍ مباشرة ، بتزويد المعلومات الاستخباریة من الأقمار الصناعیة ومن مصادر أخرى للعراق لتمكينها من إیقاع افدح الخسائر بالإیرانیین ، ولكنھا في نفس الوقت كانت تزود إیران بقطع الغیار وبالأسلحة، كما تمّ الكشف عنه في فضیحة إیران/كونترا.
كذلك باعت الولايات المتحدة العراق تكنولوجیا ثنائیة الاستخدام( یمكن استخدامھا لأغراض عسكریة ومدنیة. وفي مقالةٍ نشرتھا مجلة نیوزویك في عددھا المؤرخ 23 أیلول 2002 كشفت عن أن الرئیس ریغان سمح ببیع قواعد بیانات حاسوبیة للعراق كان من الممكن استخدامھا في تتبع خصومه السیاسیین مع شحنات من المواد التي استخدمھا في إنتاج الجمرة الخبیثة (الأنثراكس ) وترسانات من الأسلحة الكیماویة والتي استعملت ضد الايرانيين في معركة الفاو .
ومن حیث الرقعة الأرضیة ، فإن الحرب الإیرانیة العراقیة تركت البلدین في ذات الاماكن التي كانوا فیھا عندما بدأت الحرب إلا أنھا تركت الاقتصاد العراقي ممزقاً غارقاً في الدیون ، في حین كان یملك فائضاً قدره 30 ملیار دولار عند بدء الحرب ، وزیادة على ذلك، قتل أو جرح اكثر من ملیون عراقي بینما قاست إیران خسائر مماثلة.
كلا البلدین خرجا من الحرب خاسرین، وكانت الولایات المتحدة تزید من وجودھا العلني في الخلیج في ذات الوقت. في حزیران 1982صاغ الرئیس ريغان كما جاء في شھادة تحت القسم محفوظة في محكمة فلوریدا من قبل ھوارد تیشر وھو موظف أمن قومي سابق في إدارة ریغان . وقد أدلى بشهادته اثناء محاكمته جنائیاً في میامي في عام . 1995 وطبقاً لتیشر فإن ھجوم إیران في عام 1982 أقلق واشنطن، فقرّرت أن تعطي من العون بما یكفي لمنع إیران من كسب الحرب . وفي إفادته تحت القسم كتب تیشر:” ولدي معرفة شخصیة بھذا التوجیه ورقمه الممیز یعتبر سرّاً مكتوما لأنني شاركت في صياغته مع عضو آخر لمجلس الأمن القومي ھو جیف كیمب.”
وقال تیشر” ان ھذا التوجیه الذي وقعه ریغان أجاز مساعدة الولایات الخفیة لقوات صدّام حسین . ” وكان على رأس الجھود الرامیة لتسلیح العراقیین مدیر المخابرات المركزیة ولیام كیسي ونائبه روبرت جیتس .وطبقاً لتیشر “. فقد عرفوا عن ، ووافقوا على ، وساعدوا في بیع أسلحة وذخائر و مركبات عسكریة من منشأ غیر امریكي للعراق.” وأضاف تیشر :
“وفي 1986 أرسل الرئیس ریغان رسالةً سرّیة إلى صدّام حسین یبلغه فیھا أن على العراق أن یصعد من حربه الجویة ومن قصف إیران.”
وقد ھاجمت إدارة كلینتون تیشر وشھادته ، ثم ما لبثت أن أعلنت شھادته وثیقة سریّة، وبذا حفظت تحت خاتم المحكمة.
بدءاً من العام 1983 تمّ توسعة قوات الولایات المتحدة في الخليج وعرضت أن تقوم بمرافقة ناقلات نفط الكویت خلال حرب العراق/إیران ، وحشدت الولایات المتحدة 24 سفینة حربیة رئیسیة و 16,000 جندي تحت ذریعة المرافقة والحمایة.
كان الإجراء الأول لشوارزكوف عند تسلم مهامه استعداداً لحرب الخليج الاولى أن قام بدراسة تاریخ الرئیس العراقي صدّام حسین ونمطه السیكولوجي ، وكذا دراسة الألة العسكریة العراقیة .
وفي 1990 أصبح لدى الولایات المتحدة بصفتھا القوة المطلقة الوحیدة في العالم أكثر من أي وقت مضى سبباً للسیطرة على النفط.
· ففي عام 1989 استوردت 45 بالمائة من نفطھا ، كما أشارت دراساتھا الى أنھا ربما كان علیھا أن تستورد أكثر من 65 بالمائة من نفطھا مع نھایة عقد التسعینات من القرن العشرین.
· حوالي 40 بالمائة من عجز المیزان التجاري للولایات المتحدة عام 1989 ناشيء عن وارداتھا النفطیة .
· من المرجح تماماً أن احتلال الكویت وحرب الخلیج في 1991 انما كانتا نتیجة للحرب الایرانیة العراقیة .
شعر صدّام بأن دول النفط مدینین له بالكثیر خلال الصراع مع إیران،ولاسترداد عافیة اقتصاده أراد منھم شطب دیون العراق ، إلا أنھم لم یكونوا راغبین في ذلك ، فطلب من الكویت قرضاً بقیمة عشرة بلایین دولار إلا أنھا رفضت. كان تحریك صدّام لقواتٍ جنوباً صوب الحدود الكویتیة ظاھرا، لیس فقط للأقمار الصناعیة الأمیركیة ، وانما حتى للمراسلین الغربیین. إلا أن صدّام كان قد تم تضلیله من قبل إبریل جلاسبي سفیرة الولایات المتحدة لدى بغداد ، حیث أبلغته أن الصراعات العربیة/العربیة لم تكن لتعني الولایات المتحدة . وعندما سئل أحد رسمیي الإدارة في الكونغرس عن رد فعل أمیركا فیما لو تم غزو الكویت أجاب : ” لا توجد لدینا اتفاقیة دفاعیة للدفاع عن الكویت .”.ووقع صدام بالمصیدة !!
وبعد أن أنهكت كل من ايران والعراق دفعت الولایات المتحدة صدام حسين الى احتلال الكويت للانتقال من مرحلة التدخل غير المباشر الى التدخل المباشر بحجة حماية انظمة الخليج . هذه الحجة بيّنَ تفاهتها آي. إم. روزنثال في مقاله في هيرالد تريبيون انترناشونال – عدد 27/8/1990 جاء فيه:” إن أي أميركي يعرف ألف باء السياسة يعلم أن الولايات المتحدة لا تحارب من أجل الديمقراطية (ضد العراق) لأنها غير موجودة في العالم العربي. وإنها لا تقاتل من أجل العائلة المالكة الكويتية والتي تعتبر الكويت مزرعة لها. لقد تحركت الولايات المتحدة نحو الحرب لتوقف العراق من السيطرة على مورد هو العصب الأساسي للصناعة والذي يعني الفرق ما بين الحياة أو الموت الاقتصادي”
كانت حرب الخليج الاولى سنة 1991 هي ايذاناً لبدء النظام العالم الجديد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي من الداخل . وكان أول افصاح علنيً عنه هو في ما سمي وثائق الدفاع التي نشرها وكيل وزارة الدفاع آنذاك وولفووتس والتي اعلن خلالها ان عصر الاحادية الامريكية قد جاء وأن الولايات المتحدة لن تسمح لاي قوة أو مجموعة قوى أن تتحدى هذه الهيمنة الاقتصادية او السياسية ومما تم تسمية ذلك بالعولمة . كانت حرب الخليح الثانية هي حرب حظر الطيران. حيث تمّ منع الطيران العراقي فوق الجنوب اي منطقة الشيعة و الشمال اي منطقة الاكراد تاركة الوسط للسنة وبذلك تمّ تدشين تقسيم العراق الى ثلاثة اقسام منذ ذلك الوقت الى أن جاء الغزو فالاحتلال سنة 2003 وبناء اكبر سفارة في العالم في بغداد وقواعد عسكرية
ضخمة في كافة ارجاء العراق بالاضافة الى بناء قواعد جوية وقواعد بحرية في جميع دول الخليج بتمويل خليجي واستعمال امريكي حيث اصبحت القوات الامريكية تقبع فوق كل الحقول العربية الكبرى.
جاء مع احداث 11 سبتمبر 2001 ما تمّ تسميته بالحرب على الارهاب والتي اسماها جيمس ولزلي رئيس المخابرات المركزية الامريكية الاسبق بانها حرب الاجيال على العالم الاسلامي وأعلن جورج دبليو بوش أن المبادئ الامريكية هي صالحة لكل مكان وزمان وأن على العالم أن يختار ان يكون معها أو ضدها .
بدأت الولايات المتحدة بحرب ارهابها والتي اسمته الحرب على الارهاب على دول المصادر الطبيعية وخصوصاً البترولية والتي كان في معظمها دول عربية واسلامية . ولبيان اكذوبة الحرب على الارهاب كتبت Asia Times
“كل ما تحتاجه هو نظرة واحدة على الخريطة ، فليس من المصادفة أن تكون خرائط الحرب على الإرهاب وخرائط دول النفط متطابقة تماماً .”
لقد بدأ مشروع الاحادية الامريكية بالتصدع عندما بدات العديد من الدول تقول لا للاحادية الامريكية . فنشأت مجموعة دول البريكس والتي تكاد تكون نصف سكان العالم. وتزداد مجموعة الرفض هذه قوة بعد قوة وذلك لتآلف دول عديدة معها وتحديداً في منطقتنا أكبر مؤثرتان دولتان هما ايران وتركيا واللتان بدأتا بالتنسيق لصيانة استقلالهما السياسي والاقتصادي . ومشروع الاحادية الأمريكية مصيره الفشل ولو بعد حين.
مستشار ومؤلف وباحث