ما هو الحل لمشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية في عصر العولمة

د. عبد الحي زلوم

أهمية التاريخ انه ضروري لاستقراء الحاضر والمستقبل لذلك نجد أن كليات ادارة الاعمال تدرس تاريخ الشركات (case Studies) ويبدأ الطبيب بالسؤال عن تاريخ المريض ليعرف كيف يعالجه في المستقبل ويبدأ اي عمل استشاري بدراسة تاريخ الموضوع لاستقراء حاضره ومستقبله . فلذا ليس التاريخ ترفاً بل ضرورةً لتحديد المشاكل والفرص وذلك يساهم في وضع الحلول .

ولقد كتبت عن الاقتصاد السياسي والتاريخ بحيث سأل البعض لماذا لا اكتب عن المستقبل. وهنا أقول أني لا أملك عصا سحرية وأني أجد الكثير من الأخوة القراء أصحاب فكر وثقافة وأن بمقدورهم أن يدلو بدلوهم بجدارة في هذا الموضوع ويثروا النقاش فلا يمتلك الحقيقة أحد دون غيره. سأقول ما عندي من مبادئ عامة لعل بما يضيفه القراء يصبح خريطة طريق. وانا أبدي رأيي المستقل غير المرتبط بأي إطار حزبي، حيث لا انتمي إلى أي حزب وإن تقاطع بعض الفكر مع هذا التيار أو ذاك.

وأرى من المفيد أن أبدأ بالقول أن الحلول يجب أن تبدأ بالاعتراف أن مشاكل العالم اليوم سببها نظام رأسمالي مفترس لا أخلاقي يعيش على الحروب لنهب ثروات الاخرين مباشرةً أو عبر وكلائه المحليين . (هذا منظر جوي لتدمير مدينة عربية اصيلة وهي حمص كمثال لتدمير بلدان بأكملها كسوريا والعراق وليبيا ومصر والصومال .. الخ -us-hate-they-http://fktv.is/andquot 27549-freedomandquot-our-for ) . وأن ظلم هذا النظام قد طال شعوب العالم كلها بما فيه 99% من شعوب النظام نفسه الذين تقوم باستغلالهم طبقة الــ 1% من أصحاب النظام الرأسمالي نفسه. وأني أجد أفضل تعبير عن ضرورة تغيير النظام وضرورة أن تشارك الشعوب كلها بذلك ما قاله بابا الفاتيكان الحالي فرنسيس في خطاب بتاريخ 9/7/2015 في سانتا كروز ، بوليفيا، حيث أعلن البابا الحرب على النظام الرأسمالي المتوحش وعربته التي تقوده باسم العولمة وأعلن أن هذا النظام لم يعد يعمل وعلينا تغييره. تساءل البابا فرنسيس في بداية خطابه:"هل نحن نشعر أن هناك خطأ ما بحيث نجد مزارعين بلا أراضٍ يمتلكونها، وعمال بلا حقوق، وعائلات بلا مسكن ، وكرامة الناس والشعوب تداس بإستمرار؟ هل نجد خطأً ما في أن هناك حروب عديدة بلا معنى وحالات العنف قد وصلت إلى عقر دارنا ؟ … إذا كان الأمر كذلك ونجد أن هناك اخطاء وخطايا ، فنحن بحاجة إلى التغيير، بل نحن نريد التغيير بل أنا أصر أن نقولها بدون خوف وبأعلى صوت: نريد تغييراً حقيقياً في هيكلية النظام الحالي . إن النظام الحالي أصبح لا يطاق . نحن بحاجة إلى تغيير النظام على مستوى العالم حيث أن الترابط بين الشعوب في عصر العولمة بحاجة إلى حلول عالمية".

ولعل بيت القصيد للخروج من خطايا النظام الحالي هو:" نحن بحاجة إلى تغيير النظام على مستوى العالم حيث أن الترابط بين الشعوب في عصر العولمة بحاجة إلى حلول عالمية" . إن

المواجهات بين دول البريكس بقيادة روسيا والصين ما هي سوى بداية للخروج من هذا النظام الجائر .

لست أنا ولا بابا الفاتيكان وحدنا من ينادي بتغير النظام. هذا روجر تري (Roger Terry) في كتابه (جنون الاقتصاد – Economic Insanity): "يعرف الامريكيون ان هناك خطأ ما في اميركا، ولكنهم لا يعرفون ما هو، ولا يعرفون لماذا ذاك الخطأ، والاهم من كل ذلك فهم لا يعرفون كيف يصلحون ذلك الخطأ.. وكل ما بإمكانهم هو الاشارة الى اعراض المرض فقط… وفي الحقيقة فإن بعض مما يسمى حلولاً يزيد الطين بلّه، ذلك ان تلك الحلول تحاول ان تغير نتائج النظام دون تغيير النظام الذي افرز تلك النتائج… ان المشكلة لا تكمن في كيف نطبق نظامنا الاقتصادي، فنظامنا الاقتصادي بعينه هو المشكلة "

إن النسخة الامريكية في النظام الرأسمالي المعتمدة على الديون debt – based Economy ) تعتمد على البنوك ومبدأ الربا. اذا اردت نسف النظام الرأسمالي فإنسف الربا سواء كنت من المؤمنين بالاديان أو لم تكن،سواء كنت مسلما أم مسيحياً . وهنا نقطة تلاقي بين الاديان لو تم استخدامها . فالاديان الثلاثة تحرم الربا مع ان اليهود يحللونه على غير اليهود فقط .

لو تم التلاقي بين الاسلام والكاثوليكية على هذه النقطة فقط لكان ممكناً تقويض النظام الظالم لشعوب الأرض فهما يمثلان نصف البشرية. هناك بابا ينادي بذلك فهل لنا من أحد وعاظ السلاطين ليترك انشغاله بحرب طائفة من المسلمين ويتحالف مع أهل كتاب أوصى بهم رسولنا الكريم خيراً؟ اضف الى ذلك أكثر من مليار ونصف من شعوب دول البريكس العاملة بإجتهاد للانعتاق من الهيمنة الاقتصادية الامريكية وما يتبعها من هيمنة سياسية .

هناك عوامل تؤثر على منطقتنا يجب أن نكون عالمين بها .. في آخر كتبي بعوامل خمسة تبدأ كلها باللغة الانجليزية بالحرف G وهي :

- God الاديان

- Geography الجغرافيا

- Geopolitics الجيوسياسية

- Geology الجولوجيا ) المصادر الطبيعية)

- Globalization العولمة

God الاديان

فالمعروف أن الاديان الابراهيمية السماوية الثلاثة جاءت من هنا. إن من عاش في الغرب بعرف تماماً إن الاسلامفوبيا ليست وليدة الساعة التي أوجد الغرب هذا المصطلح للتغيير عن شعورهم .

ويستعمل اصحاب النظام الرأسمالي " الحرب على الارهاب " كذريعة اساساً لتحقيق هدفين اساسين أولهما نهب الثروات خصوصاً النفطية ومعظمها تحت اراضي المسلمين ، وثانيها محاربة نظام فكري

اقتصادي مختلف جداً في الاسلام عن الرأسمالية. ذلك أن تحريم الربا هو مقتل النظام الرأسمالي . بعد 11 أيلول ، قال هنري كيسنجر في خطابٍ ألقاه في لندن ، إن قليلين هم الذين يدركون كم يختلف الإسلام عن الغرب ، وهذا الاختلاف هو السبب الحقيقي للهجوم الذي تشنه الرأسمالية حالياً ضد الإسلام ، والذي تم تمويهه على نحوٍ ملائم كحربٍ ضد الإرهاب .

اذا كان العدل والاخلاق اساسين للنظم في أي مجتمع يحترم الاديان كالاسلام والمسيحية الكاثوليكية فالنظام الرأسمالي الذي انشأته البروتستانتيه هو نقيض لجوهر تلك الاديان . وهنا نقتبس ما كتبه أحد كبار أكاديمي واقتصادي النظام الرأسمالي البروفيسور ليستر سي ثورو(Lester C. Thurow) أستاذ الاقتصاد وعميد سابق بكلية الإدارة في جامعة MIT عن أيدلوجية وأخلاق الرأسمالية في كتابه "مستقبل الرأسمالية" بقوله:

"من سوء الحظ أن أيا من الرأسمالية والديمقراطية ليست أيديولوجية قادرة على الدمج والتوحد، إذ أن كليهما أيديولوجية عملية تقول بأن الإنسان سيكون في وضع أفضل إذا اتبع الإجراءات التي توصي بها ... وفي أدق التعبيرات عن المبادئ والأخلاقيات الرأسمالية، تُعْتَبر الجريمة نشاطاً اقتصادياً آخر يمكن مقارفته مقابل ثمن باهظ، إذا ما وقع صاحبه في قبضة رجال الأمن" .

Geography الجغرافيا

لم يحتاج العالم الى عالم مثل Mckinder ليقول لنا ان من يستولي على منطقتنا Eurasia يتحكم في العالم . فبلادنا تقع على مفترق طرق الثلاث قارات الاكبر في العالم فهي هامة بالنسبة للقاصي والداني . حتى كانت بلادنا هي قلب " طريق الحرير" بالنسبة الى الصين وتسعى الصين اليوم لاقامة " طريق حرير جديد" وذلك سبب اهتمامها بالمحور الايراني – العراقي – السوري فالبحر الابيض المتوسط .

Geopolitics الجيوسياسية

منطقتنا كانت وما زالت مسرح تصفية الحسابات والاقتتال بين امبراطوريات العصر ولعل ما يحدث اليوم مثلاً في سوريا هو مثال ناصع على ذلك فالامبراطورية الامريكية المهيمنة الساعية للمحافظة على احادديتها يتم تحديها على الاراضي العربية لاعادة تشكيل نظام عالمي متعدد الاقطاب. اما اللاعبون المحليون فلا أكثر من احجار شطرنج سيقال لهم في النهاية ( كش يا ملك ) .

Geology الجولوجيا

من المعلوم أن حوالي ثلثي احتياط النفط العالمي يقبع تحت اراضي المنطقة ، ومن يتحكم فيه (كالولايات المتحدة اليوم) لا من يملكه ، يتحكم في الاقتصاد العالمي .. لذلك لا تسيطر الولايات المتحدة على حقوله بطريقة الريموت كونترول فقط وإنما بعسكرة قواتها فوق حقول النفط نفسها .

Globalization العولمة

بداية يجب أن نبين أن العولمة هي تطور طبيعي وعلى انها ليست أكثر من اداة يمكن استعمالها خيراً أو شراً فهي كالعربة تتوقف على من يقودها الى مسجد أو الى صالة قمار. مشكلة العولمة الان هي في من يقودها وهي الرأسمالية الغربية اللاخلاقية المتوحشة. لذلك نشأ ترابط بين الدول من مصالح ومشاكل تؤثر الواحدة منها على الاخرى وهو ما يسمى بــinterdependence وهذا يعني أن الحلول يجب أن تكون انسانية عالمية ليتمتع كل شعب واقليم بخصوصيته.

المشكلة اليوم هو تآلف الاعلام والمال والتسويق الذي توحد لغسل دماغ الجمهور بطريقة منهجية علمية تستعملُ كافة وسائل العلوم الانسانية من السيكولوجيا والانتروبولوجيا وغيرها لتحقيق ما اسماه وولتر ليبتمان سنة 1922 (بفبركة الرأي العام) manufacturing of consent وتطور ذلك العلم بحيث أصبح بالامكان فبركة الدول. كانت حدود الدول تتكون عبر التاريخ عبر حدود طبيعية مثل الجبال والبحار والانهار فأصبح من الممكن ان تصبح الحدود خطوطاً عمياء في صحراء مجردة وأن تصبح القبيلة دولة بل وأن تصبح دولة قبلية امبراطورية افتراضية تستطيع أن تقارع دول تزيد عنها عشرات بل مئات المرات عدداً والاف السنين تاريخاً . كانت الشعوب ضمن الحدود التاريخية والجغرافيا تُكَوّن لغة وثقافة وتاريخاً مشتركاً فاصبحت هذه العوامل القومية هامشية.

ولكن ما هو النظام البديل ؟

يجب أن يكون النظام البديل نظاماً يعتمد على العدل والاخلاق وأن يُسَّخر ثروات المجتمع لخدمته لا لتسخير المجتمع لخدمة فئة الواحد في المئة صاحبة النظام الرأسمالي . ان النظام الاقتصادي لا يأتي معزولاً عن غيره من الانظمة، كمفهوم الحياة وغرضها ولا يمكن لنا شراء النظام الاقتصادي الغربي دونما شراء المُثل الغربية ايضاً.

أجرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) دراسة عن النظام الاقتصادي في الاسلام وكيف يتميز عن الرأسمالية والشيوعية . وجاء في التقرير : (ان التعاليم الاسلامية تختلف عن الرأسمالية لمعارضتها تراكم الثروات الفاحش ، وتختلف عن الاشتراكية لانها تحافظ على حقوق التملك لوسائل الانتاج . ففي مجتمع حقيقي يتبع تعاليم الاسلام يجب الاّ تتعارض مصالح طبقات المجتمع ، بل يجب ان تتعايش بالتواصل والتراحم عبر المشاركة المسؤولية الواعية . كما يجب مراعاة حقوق الفرد ولكن بطريقة عادلة تتوازن مع مصلحة المجتمع بأكمله) . المطلوب اذن نظام انساني يعتمد العدل والاخلاق جزءاً من منظومته . ولذلك تحارب الرأسمالية اي نظام يغايرها فهي ( تعتبر الجريمة نشاطاً اقتصادياً آخر يمكن مقارفته مقابل ثمن باهظ ، إذا ما وقع صاحبه في قبضة رجال الأمن). اذا كانت العولمة واساسها الرأسمالية المعتمدة على اليهومسيحية البروتستانتيه وتحريفاتها تسعى الى عالم واحد بالرغم من تشعب اديانه واذا كانت المبادئ العامة كما جاءت في هذه الدراسة مقبولة كمبادئ انسانية لا تتناقض حتى مع ما يقوله البابا مع احتفاظ كل صاحب دين بدينه كما يدعو اليه الاسلام ( لكم دينكم ولي دين ) فما المشكلة في اعتماد هذا النظام ؟ ولكن تعطيل باب الاجتهاد منذ قديم الزمان كان تعطيلاً للعقل ودوره …. فبدأت الهوّة تتسع بين مبادئ الفكر السامي ووسائل العصر اللازمة لتطبيقه فنشأ عن ذلك شيزوفرانيا بين علوّ الفكر وانحطاط الاساليب.

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل