ما قصده مقالي الساخر والذي لم يأخذه البعض بصفته تلك أن الرأسمالية الانغلوساكسونيية بطبعتها الاميركية والفساد توأمان ملتصقان أينما وجدا

د. عبد الحي زلوم

لم تكن مفاجأتي أقل من مفاجاة بعض الاخوة والاخوات الذين يقرأون مقالاتي خصوصاً في تعليقاتهم على مقالي الاخير يوم الثلاثاء الموافق 6/9/2016 الذي ظننتُ أنه كان بأسلوب ساخر.ولكن يبدو انني لم اكن موفقا في ايصال الرسالة بأسلوبي الساخر للبعض وان كان واضحا للبعض الاخر. أحدهم تأسف ان ذلك المقال كان ذا مستوى مختلف تماماً عما كنت أكتبه وأخر علق انه يحب قراءة مقالاتي لكن بصراحة فهو لم يفهم القصد من مقالتي تلك. لذلك الخص للجميع مقصد المقالة بجدية وبجملة واحدة:

اذا كان من غير الممكن للاناء ان ينضح الا بما فيه فلا يمكن للراسمالية الانغلوساكسونيية بطبعتها الاميركية التي يتم تسويقها تحت منظومة العولمة والديمقراطية الا ان يصاحبها الفساد والتفاوت الطبقي البشع والازمات الاقتصادية سواء تم تطبيق ذلك النظام في دول نامية كالولايات المتحدة او دول نائمة كدولنا فالحلول لن تاتي الا من خارج ذلك النظام.

قارئ آخر كان غاضبا كيف يمكن ان ادافع عن الفساد والمديونية التي اثقلت كاهل البلاد والعباد وطلب ان ارجع الى مقال لي في راي اليوم قبل شهر وانا اهاجم تلك السياسة التي ادت اليها باسلوب يكاد يكون (تحريضيا)كما يقول. اطمئن الاخ العزيز اني اليوم كما كنت قبل شهر بل ومنذ ان بدات الكتابة وتجدني اُعري اسبابها ونتائجها في عشرة من كتبي بالعربية وخمسة بالانجليزية نشرت في الولايات المتحدة.

لو اردت ان اعيد رسالة مقال اول امس باسلوبي المعهود ودون سخرية لكان آخر جزء من كتابي " نذر العولمة" افضل تعبير له. جاء في ذلك الجزء:

قال ويليس هارمن (Willis Harman): "ان التناقض في مجتمعنا الحديث يزداد وضوحاً … ومع ان الادعاء بأن بروز التجارة الحرة في اقتصاد العولمة مفيد للجميع، الا انها زادت الهوّة بين الدول الغنية والفقيرة. وبدلاً من ان يطال الخير وينتقل من الدول الغنية الى الدول الفقيرة، فالذي حصل كان عكس ذلك تماماً. ولقد امتلأت مدن العالم بهؤلاء الذين اتوها طلباً للفرصة الافضل، لكنهم انضموا الى الجيش الكبير من المشردين، والعاطلين، والاميين، والمدمنين على المخدرات… وبالاضافة الى ذلك، فلقد بدأ الشك يساورنا ان وهمنا الكبير يتمثل في حلول مقترحة كانت هي بادئ ذي بدء اساس الداء". ويضيف ويليس هارمن Willis Harman ان النظام الحالي شأنه شأن المريض الذي يذهب الى الطبيب فيقول للطبيب انه يقاس ، لكنه يحب ما يتعاطاه من الكحول في المساء فهي تنسيه هموم النهار، وهو يدخن ثلاث علب سجاير في اليوم وهو يطلب العلاج ولكن دونما أي تغيير في عمله او شربه او دخانه! ويبدو ان مجرد الترقيع في النظام الرأسمالي المعلومالي لم يعد كافياً. ويضيف "ويتعمق شعور الشعوب في العالم الحالي بأنهم أصبحوا بلا حول ولا قوة.. وهم في أكثر الاحيان يعزون تلك المشاعر لاخفاق سياسات قوى النفوذ او الى اليساريين المتعصبين، أو الى الرأسماليين الجشعين. ولكن حقيقة الامر هي أعمق من ذلك وتتطلب تغييراً عميقاً أساسياً في المفاهيم والافتراضات (للنظام نفسه)".

وهكذا وصف رؤساء النظام الرأسمالي الانجلوأميركي نظامهم منذ أيام الرئيس الامريكي روذر فورد بي هيز Rutherford B. Hays : "ان مقولة: هذه حكومة الشعب، ومن الشعب وللشعب، لم تعد قائمة… انها حكومة الشركات، ومن الشركات وللشركات…" … ولقد صدق

الرئيس روذر فورد بي هيز…! ، ولقد قال الرئيس الامريكي جيمي كارتر Jimmy Carter: "في دولة كانت تباهي بالعمل الجاد، والعائلات المترابطة، والمجتمعات المتينة في بنيانها، وايمانها، اصبحت اليوم تميل الى عبادة الانغماس الذاتي والاستهلاك. ولم يعد تعريف الهوية الانسانية بما يفعله الانسان بل يما يملكه. ولكننا اكتشفنا ان امتلاك الاشياء واستهلاكها لا يشبع حاجتنا الى الامور المعنوية والروحية، وقد تعلمنا ان تكديس السلع المادية لا يكفي لملء الفراغ الذي يكتنف الحياة عندما لا يكون لديها ايمان او غرض". وقد صدق الرئيس كارتر..! ، ، فإذا كان أهل مكة أدرى بشعابها، فما علينا الا ان نوافق رؤساء نظام المعلومالية –تآلف وشنطن وول ستريت- بأنه نظام فاسد ومفسد.

يقول روجر تري (Roger Terry) في كتابه (جنون الاقتصاد – Economic Insanity): "يعرف الامريكيون ان هناك خطأ ما في اميركا، ولكنهم لا يعرفون ما هو، ولا يعرفون لماذا ذاك الخطأ، والاهم من كل ذلك فهم لا يعرفون كيف يصلحون ذلك الخطأ.. وكل ما بإمكانهم هو الاشارة الى اعراض المرض فقط… وفي الحقيقة فإن بعض مما يسمى حلولاً يزيد الطين بلّه، ذلك ان تلك الحلول تحاول ان تغير نتائج النظام دون تغيير النظام الذي افرز تلك النتائج… ان المشكلة لا تكمن في كيف نطبق نظامنا الاقتصادي، فنظامنا الاقتصادي بعينه هو المشكلة. ان الخطأ هو في التركيبة الاساسية لنظامنا الاقتصادي، ولن تكون الحلول الجزئية وتضميد النتائج حلاً يذهب بالمشاكل. اذا اردنا الوصول الى ‘مثلنا فيجب اقتلاع المشاكل من جذورها لا بقصقصة بعض الاوراق، وعلينا ان نحاكم كل الاسس والافتراضات التي تُسيّر نظامنا، وكشفها كما هي على حقيقتها".

ان الاقيصاد المفروض على دول العالم الثالث بطبيعته يفرز المديونيات لتصبح تلك الدول دول جباية من الشعب لسداد الفوائد والاصول وهذا هو الاستعمار الجديد. لعل اول حقيقة يجب ان نواجهها ان واجب الاقتصاد هو خدمة المجتمع، لا أن ‘يسخّر المجتمع كله لخدمة النمو الاقتصادي، والذي ‘يجيّر بكله وجلّه الى فئة الواحد بالمائة في النظام المالي المعلومالي الحالي. ولقد تم الارتقاء بالنمو الاقتصادي ليصبح ديناً ما أنزل الله به من سلطان.

هناك اوجه متعددة للرأسمالية . قبلت الولايات المتحدة برأسمالية ذات بعد اجتماعي خصوصا في دول اوروبا القريبة من الاتحاد السوفيتي واليابان القريبة من الصين أيام الحرب الباردة ما دامت انظمة غير شيوعية . وما ان توارى الاتحاد السوفيتي عن الانظار حتى خرجت علينا الولايات المتحدة باحاديتها وعولمتها وأصبحت تفرض رأسماليتها المفترسة حتى على الديمقراطياب الاوروبية بل وحاربت رأسمالية الدولة كما كانت في اليابان ووصفتها الوول ستريت جورنال بأنها الشيوعية الوحيدة التي كانت كفوءة.

ما أراد المقال السابق ان يقوله هو ان التشبه بالنظام الاميركي ليس هو الحل لخروج الاردن او غيره من مشاكله الاقتصادية والاجتماعية .

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل