ما أهمية اوبك اليوم؟ وهل اصبحت شيئاً من الماضي؟ من الذي انشأ اوبك.. كيف.. ولماذا؟

د. عبد الحي زلوم

ما زال بعض اعضاء اوبك الكبار يعيشون في اوهام الماضي دون ادراكهم الى تدني دورهم داخل اوبك بل وتدني دور اوبك كلها في صناعة النفط العالمية. ولقد كان الغاء موافقة وزير النفط السعودي السابق النعيمي على ابقاء حصة ايران دون تغيير ثمّ موافقة السعودية واوبك بعد اشهر ليس فقط على قبول سقف انتاج ايران بل وزيادته في الوقت الذي تمّ فيه تخفيض سقوف الاخرين. كما أن القرار الاخير لاوبك ما كان ليصمد دون موافقة روسيا والتي هي خارج تلك المنظمة .

فقدت اوبك أهميتها حيث كان اعضاؤها عند تأسيسها يمثلون 80% من الانتاج العالمي . أما اليوم فإنتاجها هو حوالي الثلث فقط، كما أن إثنان من أكبر المنتجين الثلاث “وهم الولايات المتحدة وروسيا ” هم من خارج اوبك . لذلك فإن دور روسيا محوري ولا يقل عن دور السعودية . لذلك اصبح التوافق على سقوف الانتاج مع روسيا أمراً لا يقل أهميةً عن الدور السعودي ناهيك عن امتلاكها الى اسنان نووية!

الهدف من انشاء اوبك قد تغير :

برهن تاريخ صناعة النفط بأن اسعارها تتذبذب بشدة كلما تم اكتشاف أبار أو مواقع أو تكنولوجيا نفطية جديدة . وفي كل مرة كان يحدث فيها مثل هذا الأمر ، كانت قوى السوق الرأسمالية عاجزة بمفردها عن السيطرة على دورات الأسعار هذه دون أحداث نتائج كارثية على العاملين بالنفط . فبعد عام من إكمال دريك Drake حفر بئره النفطية الأولى عام 1859 ارتفع سعر النفط ليصل إلى 20 دولاراً للبرميل الواحد عام 1860 وفي العام 1861 ، ونتيجة للإنتاج المفرط تردى السعر إلى 10 سنتات للبرميل الواحد ! وقد استمر هذا الهبوط مع دورة بعد أخرى إلى أن تولى روكفيلر عام 1883 زمام السيطرة على نقل النفط بواسطة السكك الحديدية اولاً ثم بدأ باستعمال الأنابيب ، واسس شركته التي اسماهاً “ستاندارد اويل تراست Standard Oil Trust ” .

وعندما اكتشف نفط الشرق الأوسط باحتياطياته الضخمة وانتاجه الهائل ، قامت مجموعة الشركات النفطية الكبرى التي كانت تُسمى بالشقيقات السبع Seven Sisters بالدخول في اتفاقية سرية فيما بينها خلال عامي 1928و 1929 لتمارس من خلالها وبصورة سرية لعشرات السنين ، ودون علم الدول المنتجة احكام السيطرة على النفط بتوزيع الحصص بينها والسيطرة على السعر . ولكن هذه الاتفاقية السرية قد افتضح أمرها ونشرت على الملأ من قبل وزارة العدل الاميركية التي أرادت ان توجه تهماً جرمية ضد تلك الشركات وفقاً لقانون مكافحة الاحتكار . بعد إفصاح وزارة العدل المذكور بدأت فكرة نقل مهمة تحديد حصص الانتاج وتسعير النفط لمنظمة الاوبك التي كان لزاما إنشاؤها بعد القضية التي اثارتها وزارة العدل الاميركية .

وعودةً الى تاريخ مشاكل الانتاج الزائد على الاسعار فلنا مثال مع الاكتشافات النفطية الجديدة في كل من ولايتي تكساس واوكلاهوما والتي تزامنت مع الكساد العظيم . تلقى وزير الداخلية هارولد ايكيس Harold

Ickes برقية يوم 5/5/1933 ورد فيها ان سعر النفط قد انحط إلى 4 سنتات للبرميل الواحد من نفط شرق تكساس . وتلقى وزير الداخلية في اليوم نفسه برقية أخرى من حاكم ولاية تكساس ان الوضع قد تفاقم إلى درجة انه خرج عن نطاق سلطات الولاية وسيطرتها . كادت صناعة النفط ان تنهار محدثة نتائج كارثية . وفي الرابع عشر من يوليو تموز 1933 وقع الرئيس الاميركي امراً تنفيذياً منع بموجبه أية شحنات نفطية من عبور حدود الولايات إذا كانت أعلى من حدود الحصص المقررة للولاية حيث تم تخصيص حصة لكل ولاية.

مثل تخصيص حصص للانتاج للولايات داخل الولايات المتحدة جاءت فكرة تخصيص سقوف الانتاج للدول المنتجة في ما اصبح اوبك لاحقاً .

وقد توصّل الجميع لادراك أن النفط سلعة لم يعد لسعرها أي تأثير كبير على الطلب . وما دمت لا تستطيع بيع كميات اكثر كثيراً بسعر 10 سنتات للبرميل الواحد مما يمكن أن تبيعه بسعر 2 دولار أو مئة للبرميل فما هو أذن مسوغ فرط الانتاج والانتحار الذاتي ؟! سؤال يجب سؤاله اليوم لمن ينتج أكثر من حاجته و حاجات السوق والنتيجة معروفة سلفاً هو تدهور الأسعار بل و الانتحار الاقتصادي.

اذا تبين لهؤلاء لاحقاً ان مثل هذا التنسيق على النطاق بين الدول يجب ان يكون الوظيفة التي تؤديها منظمة من الدول المنتجة تشبه الأمريكية (Interstate Oil Compact) وهو السبب الذي أوجدت من اجله منظمة أوبك لاحقاً !

لماذا اوبك ولماذا انشأت في اواخر الخمسينيات ؟

قلنا في الفقرة الاولى أن فوضى الاسعار تتزايد عند الاكتشافات النفطية الجديدة. فقد تم اكتشاف كميات ضخمة من النفط في ليبيا ، وشحنت باكورة الانتاج النفطي الليبـي من زيلتين Zelten في ابريل نيسان عام 1959 . واكتشفت فرنسا أيضا النفط في الغابون Gabon والجزائر عام 1956 ، وتم تصديره لأول مرة عام 1958 . واكتشفت شركتا شل Shell وبي بي BP النفط في نيجيريا Nigeria عام 1956 في منطقة المستنقعات السبخة في دلتا النيجر. وكانت شركة مشتركة بين كل من شركتي ايكسون Exxon وشل قد اكتشفت الغاز في منطقة غروننغين Groningen على السواحل الهولندية عام 1959 . وبفضل هذه الاكتشافات النفطية الضخمة ، باتت احتمالية ان يتكرر على المسرح النفطي الدولي ما شهدته الساحة النفطية الاميركية من فرط الانتاج خلال الثلاثينات قائمة ، وان الحاجة اضحت ماسة إلى ايجاد منظمة تتولى تنسيق وتنظيم الانتاج والتسعير على الفور .

وهكذا ولدت منظمة الأقطار المصدرة للنفط أوبك : Organization of Petroleum Exporting Countries (OPEC) . وكان ذلك في الرابع عشر من أيلول سبتمبر 1960 في العاصمة العراقية بغداد . وكان الموقعون بالحروف الأولى كُلاًّ من المملكة العربية السعودية ، العراق ، الكويت ، إيران ، وفنزويلا . وتشكل هذه الدول مجتمعة آنئذٍ مصدراً لتصدير 80% من النفط الخام في السوق العالمية . وعند توقيع اتفاقية منظمة الاوبك لم تكن دولة الكويت قد اعلنت استقلالها بعد وما كان لها أن توقع دون موافقة بريطانية انذاك . كانت شركة نفط الكويت عندها مملوكةً من شركة جالف الامريكية و بريتش بتروليوم البريطانية وما كان بمقدور امارة الكويت التوقيع دون موافقة دولة الحماية البريطانية آنذاك مما يدل على الاقل على قبول شركات النفط وحكومتي الولايات المتحدة وبريطانية على انشاء منظمة الاوبك . هذا لا

يعني ان منظمة أوبك كانت فكرة سيئة ، لكنها كانت وسيلة يتم الحكم على حسناتها وسيئاتها بناء على كيفية استعمالها وادارتها . وكانت كل قراراتها موجهة عن بعد كبقية القرارات السياسية والاقتصادية لدول المنطقة لكن تمّ اسناد كل مساوئ تلك القرارات الى منظمة الاوبك عموماً والدول العربية بل والعرب خصوصاً ، وخصوصاً إبان السنوات التي أعقبت عام 1973 الذي شهد ارتفاعات في اسعار النفط .

هل كان انشاء اوبك ( صناعة امريكية)؟

تلقى وزير النفط الفنزويلي بيريز الفونسو Perez Alfonzo علومه في الطب من جامعة جونز هوبكنـز الاميركية Johns Hopkins University في مدينة بلتيمـور ، ودرس الحقوق بعد ان قفل عائداً إلى بلاده فنـزويلا . وتقلد حقيبة وزارة التنمية. وكانت علاقته بسفارة الولايات المتحدة في بلده وثيقة إلى درجة انه تلقى تحذيراً من السفارة الاميركية في كاراكاس ذات يوم من ايام شهر نوفمبر تشرين الثاني عام 1948 ، تبلغه السفارة بأنه طبقاً للمعلومات المتوفرة لدى الاستخبارات الاميركية فان انقلاباً في بلاده سيقع في وقت وشيك وانهم يدعونه للجوء إلى السفارة الاميركية اذا ما رغب في ذلك . وقد حصل الانقلاب فعلاً قبل تمكنه من اللجوء للسفارة وزج به في السجن ثم نفي إلى واشنطن دي. سي. حيث كرس الكثير من وقته في واشنطن في مكتبة الكونغرس عاكفاً على دراسة وضع تطبيقات مؤسسية مماثلة لما تم تطبيقه بالولايات المتحدة في الثلاثينات لضبط كمية الانتاج وتنظيمه . وعندما وقع انقلاب آخر في كاراكاس العاصمة الفنـزويلية عام 1958 ، عاد بيريز إلى بلاده وأسند اليه منصب وزير النفط والمعادن. واستحضر على الفور إلى وزارته مستشاراً اميركياً متمكنا في طريقة أعمال وتشريعات ما يلزم لعمل منظمة للدول المنتجة للنفط . وقد رغب في لقاء وزراء نفط دول الشرق الاوسط وعُهد إلى واندا جابلونسكي القيام بهذه المهمة . فمن هي واندا جابلونسكي هذه ؟.

كانت الاستخبارات من صميم عملها ومهنتها المعلنة كمحررة في صحيفة بتروليوم انتليجانس ويكلي Petroleum Intelligence Weekly . وبفضل هذه الوظيفة تعرفت إلى المهمين من صناع القرار في دول الشرق الاوسط النفطية وكافه المسؤولين الذين لهم شأن في الصناعة النفطية . وقد تم افتتاح مؤتمرعربي نفطي في القاهرة في ابريل نيسان 1959 وكانت واندا جابلونسكي بين الحضور وكذلك بيريز الفونسو كمراقب . وقد دعته إلى الفندق الذي كانت تقييم فيه في مدينة القاهرة حيث اجتمع بيريز إلى الشيخ عبد الله الطريقي وزير البترول السعودي وممثلين نفطيين اخرين . وقد اتفقوا على الالتقاء سراً في نادي يخت المعادي . واتفق المؤتمرون سرّاً على ان يشكلوا ما اسموه “اللجنة الاستشارية النفطية ” “The Oil Consultative Commission”. وبعد عام من ذلك التاريخ شهدت الساحة النفطية العالمية ولادة منظمة الاوبك .

والامانة تقتضي أن انوه أن وزير النفط السعودي عبدالله الطريقي الذي جمعته واندا مع ألفونسو بريز كان من أشرف وانظف من دخل وزارة في عالم النفط واكثرهم تأهيلاً وعلما حيث تخرج من جامعة تكساس وعمل هناك في اربعينيات القرن الماضي وعرف عدم عدالة اتفاقيات شركات النفط مع حكومات الدول العربية والتي وقعت تلك الاتفاقيات بدون ما يلزم من خبرات فنية وقانونية . فكان له برامج وطنية فسماه اصحاب شركات النفط بالشيخ الاحمر و استعملت شركات النفط كل دسائسها لعزله من منصبه وقد اجتمعتُ معه اثناء لجوءه الى الكويت في بداية سبعينات القرن الماضي مما اعطاني انطباعي المذكور عنه .

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل