هل المشكلة في الأنظمة أم الشعوب أم الاستعمارماذا عن الربيع العربي ؟
د. عبد الحي زلوم
بينما كان الربيع العربي عقد منتدى قناة الجزيرة ندوة بعنوان "القوة الجديدة في الشرق الاوسط والقوى العالمية الصاعدة " ، بتاريخ 16/3/2013 حضرها أغلب الصف الأول من قيادات دول الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا . كان هناك بعض المدعوين من خارج دول الربيع من كتاب ومفكرين وباحثين وأنا منهم. كان جو الحركات الاسلامية التي وصلت لتوها للحكم مفعماً بالتفاؤل لكن لم أكن كذلك. كان قد عُهَدَ إلي أن ألقي كلمة عن الاقتصاد المرجو لحركات الربيع العربي. كنت قبل الندوة بقليل قد انهيت كتابي بعنوان: “الربيع العربي: ثورة أم فوضى غير خلاقة؟” كان محمد مرسي قد إنتخب رئيساً لمصر وكان خيرت الشاطر من قدم برامجه الاقتصادية في الندوة. كان راشد الغنوشي من تكلم عن تونس وهكذا . كان عنوان كتابي صادماً لبعض من أعطيتهم نسخاً منه خصوصاً المتحمسين منهم. وهذا نبذه عن ما جاء في الكتاب من أفكار أو مقولات كانت صادمةً لبعضهم.
سوأل: هل ما حدث كان صفقة بين الاسلاميين والولايات المتحدة؟
إجابة الكتاب كانت:
"كثير من الباحثين الغربيين عموماً والامريكيين خصوصا يرُوجّون بأن الاسلاميين يؤمنون بامكانية عمل صفقة (او انها قد تمت فعلاً ) بحيث يقوم الاسلاميون بالمحافظة على المصالح الغربية الامنية والاقتصادية والسياسية كما هي ، مقابل تركهم يقومون بخلق مجتمعات إسلامية و حصولهم على مساعدات اقتصادية وسياسية .فإن صح مثل هذا التحليل فذلك يدل على سذاجة ما بعدها سذاجة لأن صلب الانظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الاسلامية يتناقض بشكل صارخ مع مبادئ العولمة والتي تقوم بنشر المبادئ الرأسمالية دونما هواده وبذلك فإن مثل هذه الصفقات ما هي الا زواج متعة لا تدوم طويلاً."
سوأل: هل حركات الربيع العربي ثورات أم فوضى غير خلاقة؟ كانت الاجابة في الكتاب"؟
هناك الان مزيج عجيب من الطاقة الثورية الكامنة في نفوس الجماهير بين قيادات لم ترق الى طموح تلك الجماهير، وبرامج ضبابية لمن اصبحوا في السلطة والمعارضة على حد سواء، وضيق افق استراتيجي، وتركات ثقيلة من انظمة الاستبداد من كافة النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتنظيمية، وقوى (ثورات مضادة) وجماهير جائعة تنتظر السماء أن تمطر خبزا وذهباً في يوم او بعض يوم ، وفوضى منظمة تديرها غرف سوداء في الداخل والخارج مما ينتج عن ذلك جميعاً مزيج كوكتيل يجعل الشعوب كالسمكة في المثل الصيني المذكور اعلاه ، تنتفض لا تدري الى اين ستذهب بها انتفاضتها، لكن ما تعلمه يقينا ان وضعها الحاضر غير قابل للاستمرار.” كان الكتاب قد ذكر أن” اصدق وصف لحالة العالم العربي هو مثل صيني يشبه الاوضاع السيئة التي نعيشها (كسمكة كبيرة أُخرجت لتوها من الماء تتحرك بعنف علها تستطيع استعادة مكانها ومحيطها. وفي هذه الحالة لاتسأل السمكة إلى أين تذهب بها حركتها التالية لأنها تشعر فقط ان وضعها الحالي لا يمكن احتماله، وهو أصلاً غير قابل للاستمرار). هذه هي حال الشعوب العربية هذه الأيام والتي سُميت بأيام الربيع العربي.”
لكن ما لبث الكتاب أن قال صراحة أن ما حدث كان انتفاضات لا ثورات. جاء في الكتاب:
انتفاضات لا ثورات : وضع القائد الشيوعي فلاديمير لينين LENIN)) ثلاثة شروط لانجاح أي ثورة : أولها، حزب سياسي منظم ومتين ، وقيادة قوية الشكيمة والعزيمة، وبرنامج واضح. ولوقبلنا بهذه النظرية فلم يتوفر لأي من الانتفاضة المصرية، ولا التونسية من قبلها تلك العناصر. لم يكن للانتفاضة اهداف واضحة حيث أن الأهداف كان يصوغها الشارع ساعة بساعة و بطريقة عفوية، كما لم يكن لها قيادة
محددة باعتراف الجميع ، ولم يكن يقودها تنظيم أو حزب مُحدد في بداياتها. هذه الهبّة الشعبية العارمة أطاحت برأس النظام ولكنها أبقت على النظام برموزه ومؤسساته، فبقيت المباركية دونما مبارك والذي تم استبداله بمجلس عسكري تم تعيين كافة اعضائه من مبارك. بقيت هياكل الأجهزة الأمنية كما كانت، اللهم عدا إفراغها من أي مستندات قد تدين رموزها. سلطة القضاء بكاملها من النائب العام إلى كافة المراكز القيادية فيه بقيت كما كانت عليه. التعاون الامني والاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة و اسرائيل بقي كما كان عليه .
أصبح الحاكم بأمره الجديد، رئيس المجلس العسكري محمد حسين طنطاوي يتمتع ليس بسلطات كونه قائدا عاما للجيش ورئيسا للدولة فقط، بل بسلطات مجلس الشعب أيضاً، وبقى ذلك الحكم العسكري قرابة السنة والنصف ترّص فيها (الفلول) صفوفها الى انتخابات كان المطلوب والمأمول منها شرعنة عودة الفلول الى الحكم عبر صناديق الاقتراع، وقد كادت” كان هذا بعد إنتخاب مرسي وقبل استلامه الرئاسة
سوأل: رايي في نضوج الاخوان المسلمين السياسي . ابديت هذا الراي في بداية عهد مرسي:
"عمل العسكر في المجلس العسكري الاعلى ثمانية عشر شهراً كل ما بوسعهم للإبقاء على ثوابت نظام مبارك مستعملين أجهزة مبارك القضائية والأمنية والإعلامية. حتى ان رئيسي الوزراء في عهد المجلس العسكري كانا من عهد حسني مبارك. جيئ اولا بعصام شرف بعد مسرحية ذهابه الى ميدان التحرير يوماً او بعض يوم وروج المجلس العسكري وإعلامه بان عصام شرف هو اختيار الثوار علماً انه ولاخر ساعة كان عضواً في لجنة السياسات التي يرأسها جمال مبارك ! وحين كُشف امره جيئ بالجنزوري وهو ايضاً رئيس وزراء سابق من عهد حسني مبارك.
وحيث أن التنظيم الوحيد الذي كان على الأرض قادراً على التنظيم هو جماعة الاخوان المسلمين، فقد تعاون العسكر معهم تكتيكياً لا استراتيجياً حيث أن سياساتهم المعلنة لا تتماشى مع عقيدة القوات المسلحة العلمانية. لكنه (أي المجلس العسكري الأعلى) اراد أن يكسب وقتا يلتقط فيه فلول النظام القديم أنفاسهم مستخدمين اعلام مبارك وفلوله والذي بدأ يكشف عن هويته خصوصاً، أيام الانتخابات الرئاسية والتي كادت أن تأتي بأحمد شفيق ممثلاً للمباركية على رأس النظام من جديد، فكانت نتيجة الانتخابات هي بفارق بسيط جداً (49 الى 51 بالمئة)فتم حل البرلمان ذي الاغلبية الاسلامية بعد أيام من ذلك ، ثم (شرّع المجلس) ذلك الاعلان الدستوري المكمل الذي سلب رئيس الجمهورية عمليا كافة سلطاته ,ثم التأهب لحل اللجنة ذات الاغلبية الاسلامية لكتابة الدستور الى ان قام الرئيس مرسي بحركته الاستباقية بإقالة الطنطاوي وأغلب أعضاء مجلسه العسكري.
ما الذي يستطيع ان يفعله أي رئيس يقف على رأس نظام معادٍ في جوهره لأي اصلاح، ذي اقتصاد منهار وفاسد ورثه بما فيه من تعفنات، وجماهير جائعة تظن أن السماء ستمطر خبزاً وذهباً بكبسة زر، واعلام فاجر كان يخشى حتى ان يكتب عن صحة الرئيس مبارك لأنه إذا كتب فسيذهب الى غياهب السجون. وإذا بنفس هؤلاء الذين سجنوا قد استأسدوا حتى بتجريح الرئيس المنتخب الجديد في أوركسترا إعلامية منسقة من غرف سوداء الله اعلم من يديرها. ولو اردت ان ابدي رأيا لجماعة الاخوان المسلمين لسألتهم ان يقوموا بتحليل لتاريخهم من حيث تكرار استعمالهم واستخدامهم من قبل الانظمة ثمّ تخلي هذه الأنظمة عنهم، لا بل والتنكيل بهم أحياناً، وقد حدث مثل ذلك ثلاث مرات عبر تاريخهم في السنوات الثمانين الماضية :
· ساعدوا جمال عبد الناصر وجماعته من الضباط في ثورة 1952 تم نكل بهم أيّما تنكيل.
· ساعدوا أنور السادات في التخلص من نظام عبد الناصر وتغيير المنهج الاقتصادي إلى الانفتاح على الراسمالية بأعلى وأوسخ مراتبها ثم تمّ التخلي عنهم ، وبقوا معه ومع خليفته مبارك بين مدّ وجزر، كجماعة غير قانونية يتم استعمالها متى كان للنظام فائدة بذلك ، ويتم التخلي عنها متى وجد النظام في ذلك مصلحه له.
· ساعدوا النظام العسكري اخيراً بل وتحالفوا معه، إلى أن تمكّن العسكر، فكادوا ان ينقلبوا عليهم .
في الحالات الثلاث كان تنظيم الاخوان المسلمين ليس فاعلاً بل مفعول به. فهل تستحق هذه المقاربة شيئاً من التحليل؟!"
كتبت هذا بينما كان مرسي في الحكم وقبل إنقلاب الجيش عليه.
سوأل : من هو المسؤول؟ الأنظمة أم الشعوب أم الاستعمار ؟ جاء في الكتاب: “
"بعد أن قسم حلفاؤنا بلادنا إلى نيف وعشرين دولة ودويلة ، تغير اسمنا من العالم العربي أو بلاد العرب أو الوطن العربي فأصبحنا الشرق الأدنى. ثم لما جاءت أيام الحرب الباردة والأحلاف ، تم ضم تركيا وباكستان وإيران إلينا فأصبحنا (الشرق الأوسط). وبعد انتهاء الحرب الباردة وضع حليف حلفائنا خريطة ومواصفات (الشرق الأوسط الجديد). وعندما تم توسيع القيادة العسكرية المركزية الأمريكية Central Command وأصبحت تشمل (الشرق الأوسط) وشمال أفريقيا ، أصبح اسمنا مينا MENA (Middle East & North Africa). غاب ذكر هويتنا العربية أو الإسلامية عن كل تلك الأسماء الجميلة والتي تم تصديرها إلينا ونحن ردّدناها كالببغاوات . نحن نستورد كل شيء ، القمح ، والشعير ، والحذاء والدواء ، وكذلك الأفكار والمصطلحات.
"ليست المشكلة بالآخرين وحدهم ، فنحن ما بين فئة قليلة تطابقت مصالحها مع من هم خارج أوطانها أو ممن شغفهم الغرب حباً ، وهؤلاء قال عنهم ابن خلدون قبل بضع مئات من السنين بأن "عبودية العقل هي أقسى أنواع العبوديات"، وبين فئة جمدت حضارتنا العظيمة في ثلاجة الزمن البعيد ، دون الأخذ بأدوات التحديث والعصر في حضارة حثت على الأخذ بالعلم حتى ولو في الصين. "
مستشار ومؤلف وباحث