من يحكم أمريكا: اوباما أم نتنياهو؟

د. عبد الحي زلوم

تساءلت الاعلامية الامريكية Paula Gordon في مقال لها بتاريخ 18/8/2015 من هي الدولة التي تهيمن على الاخرى : امريكا أم اسرائيل . جاء في مقالها أن 22 عضو من الحزب الديمقراطي ( حزب اوباما) و36 من الحزب الجمهوري من اعضاء الكونغرس الامريكي قد امضوا اسبوعاً كاملاً من شهر اغسطس الحالي في اسرائيل بدل ان يتواجدوا بين رعايا مناطقهم ليتحسسوا مشاكلهم وأراءهم بشأن حروب الولايات المتحدة لصالح آخرين. أنهم يفضلون مصالح اسرائيل على مصالح من قام بإنتخابهم في ولايتهم . وتقول السيدة جوردن أن من قام بدفع فاتورة سفر هؤلاء الاعضاء هي احدى مؤسسات اللوبي الاسرائيلي التابعة لـــ AIPAC ايباك واسمها AIEF أيThe American Israel Education Foundation وهي مؤسسة تُعفي التبرعات لها من الضرائب بإعتبارها مؤسسة خيرية . أي أن محاربة سياسة الولايات المتحدة ورئيسها تتم بواسطة اموال دافعي الضرائب الامريكان لمصلحة دولة أجنبية وضد معاهدة وقعتها الولايات المتحدة .

لكني وجدت في التعليقات على ذلك المقال أهمية لا تقل عن المقال نفسه وأوجز بعضها :

- تعليق : إن الولايات المتحدة قد اصبحت اراضي اسرائيلية محتلة وذلك منذ عشرات السنين. كذلك فإن بريطانيا ، استراليا وكندا جميهم جزءٌ من ارض " اسرائيل الكبرى".

- تعليق : هؤلاء الــ22 +36 هم لا شيء أقل من خونة ، يقومون بخدمة اسيادهم الاسرائيليين وربما يعودون ومعم ظروف مليئة بالكاش. لا مشكلة لدي لو تم ايقاف هؤلاء القمامة عند رجوعهم وسؤالهم أسالة مهينة .... وليس لدي أي شعور نحوهم سوى الاحتقار الشديد .

- تعليق : أتمنى لو يقوم اوباما بحشر هؤلاء الــ58 في غرفة وان يخبرهم بأن عليهم الموافقة على الاتفاقية وأنه أذا تبين أن اي منهم قد أخذ دولاراً واحداً من اسرائيل فسيودع السجن بتهمة الخيانة .

- تعليق : لماذا لا نطلب بالمقابل ان تقوم اسرائيل بالتفاوض على سلاحها النووي وسلاح الدمار الشامل ؟

- تعليق : علينا أن نمنع اليهود من مزدوجي الجنسية الامريكية والاسرائلية من الوصول الى المراكز العامة والهامة وعلينا كذلك منع الدول الاجنبية من القيام بأعمال اللوبي في بلدنا .

- تعليق : قد عمل الصهاينة من الولايات المتحدة وحشاً شريراً يقوم بخدمة سيده. لكن النتيجة ستكون تدمير الذات وتدمير السيد الصهيوني أيضاً. يجب سحب هؤلاء حين رجوعهم من الطائرة الى السجن. هذه هي الطريقة لقتل هذا السرطان قبل أن يقتل امريكا .

- تعليق : لوكان لاوباما قدر من الشجاعة لطلب من وزارة الخارجية (دائرة الجوازات) سحب جوازات هؤلاء لعدم تمكينهم من الرجوع الى الولايات المتحدة .

- تعليق : يستطيع أن يفعل اوباما ما يشاء فإذا لم يقم بالرد على هؤلاء الخونة فسيسجله التاريخ بانه اضعف رؤساء الولايات المتحدة. كم سيكون عظيماً لو أن هؤلاء المشرعين اعضاء الكونغرس الخونة لو اخذوا وقتاً لزيارة غزّة ليروا كيف يتم استعمال مساعداتنا ودولاراتنا في تدمير الحياة والبنية التحتية والمستقبل لاهلها . عليهم زيارة الستة الاف معتقل فلسطيني بدون تهمة وعليهم بعد ذلك زيارة سور الفصل العنصري الذي تم بناءؤه بدولاراتنا ، والمستعمرات الغير شرعية والتي اهلت اسرائيل لتصبح دولة فصل عنصري . فليبقوا يوماً اخر لعلهم يشاهدون مقتل فلسطيني من الخلف وفي مساحة قريبة ، ولربما يشاهدون منظر هدم بيت فلسطيني بأمر من دولة الاحتلال .

إن هؤلاء الشرفاء الامريكان اشرف بالف مرة من الصهاينة العرب وما أكثرهم ، وأشرف الف مرة من صهاينة "اللاسلطة الفلسطينية" الذين اصبحوا حراساً ومقاولين للدفاع عن امن الاحتلال بل ومستعمراته ، وباعوا الاوطان وانفسهم بثمن بخس فدخلوا مزبلة التاريخ في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب آليم لو كانوا يعقلون . هؤلاء الذين حوّلوا أشرف مقاومين الى عصابة مافيا ومقاولين للمحتلين.

من تجربتي لاكثر من 55 سنة مع أمريكا والأمريكان استطيع القول أنه في حالة وجود إعلام حر هناك فسيكون معظم الشعب الأمريكي كهؤلاء المعلقين عدا قلةٍ من المهوسين الصهاينة المسيحين واليهود . إن المشكلة في الولايات المتحدة ان شعبها مغلوب على امره كبقية الشعوب. فواحد بالمئة من الامريكين، وأكثرهم من الصهاينة اليهود ، يمتلكون 50% من ثروة امريكا . كما ان هذه الفئة تمتلك الاعلام المقروء والمسموع والمرئي بكامله ولا يتاح للمواطن الامريكي سوى ما يريد اصحاب هذا الاعلام الصهيوني نفسه . لو ان هناك حرية اعلام حقيقية لانقلب الناس على حكامهم تماماً كما قال الرئيس الامريكي أندروا جاكسون : "لو عرف الناس مقدار الظلم الذي يعتري نظامنا المالي والبنكي لثاروا قبل أن يأتي صباح اليوم التالي ."

كتب عضو الكنيست الاسبق وعضو حركة السلام الاسرائيلية Yuri Avnery مقالاً في 14/02/2015 كان عنوانه : “من هو حاكم اسرائيل : نتنياهو ؟ خطأ”. الحاكم الحقيقي هو Sheldon Adelson اليهودي الامريكي البالغ من العمر 81 سنة وملك القمار في الولايات المتحدة وعاشر اغنى رجل في العالم تزيد ثروته عن 37 مليار دولار . كتب أفنيري:" بالاضافة الى الكازينوهات في لاس فيغاس وبنسلفانيا ، وسنغافورة فهو ايضاً يمتلك الكونغرس الامريكي ، وهو أيضاً يمتلك نتنياهو" . يقول افنيري أن زوجة ادلسون الاسرائيلية والتي خدمت في الجيش وفي المعهد الخاص بالحرب البكتيرولوجية هي من اعتى عتاة المتعصبين الى دولة اسرائيل الكبرى التوسعية والمتعجرفة وغير المساومة ولقد وجدت هي وزوجها ضالتهما في نتنياهو . أسسوا لدعمه جريدة "اسرائيل اليوم" والتي هي الان الاكثر توزيعاً وتأثيراً في اسرائيل وتوزع مجاناً في كافة انحاء البلاد .

يقول افنيري أن ادلسون هو وزوجته من اختار السفير الاسرائيلي في واشنطن Ron Dermer رون ديرمر وهو من "طراطير" ادلسون .لكن الغريب أن ديرمر المولود في فلوريدا كان امريكي حزبي وعضو في الحزب الجمهوري المنافس لحزب اوباما الديمقراطي حتى سنة 2005 ، وهو الذي طلب من الكونغرس دعوة نتنياهو للخطابة في الكونغرس في شهر مارس 2015 ، وبدون اعلام وزير الخارجية الامريكي ولا إعلام الرئيس الامريكي اوباما عن الموضوع .

يقوم ادلسون بالتحضير لانتخاب رئيس جمهوري في الانتخابات القادمة . وبدأ هذه العملية بدعوة جميع المتطلعين لترشيح انفسهم لزيارته في مقره في لاس فيغاس . وجاؤا جميعا صاغرين مطأطئين الرؤوس للمقابلة لوظيفة " رئيس الولايات المتحدة " ولم يتخلف منهم أحدا.ً فكيف لهم أن يتخلفوا عن "ملك قمار امريكا" ، وصانع رؤسائها فاتحين بطونهم وجيبوهم لتبرعاته لحملات من يختار منهم لخوض المعركة الانتخابية ، وكما هو الحال في ساحات سباق الخيل ، فكل الخيل تابعة الى المافيا ، أيها يربح ، ربحت المافيا .

في رد على الافتراءات والهجمات الشرسة التي تعرض لها الرئيس الامريكي الاسبق كارتر نشر مقالاً في لوس أنجلوس تايمز جاء فيه: “عايشت وخبرت وعلى مدى الثلاثين عاماً الماضية الكثير من القيود التي تمارس على المناقشة الحرة والمتوازنة للحقائق لدرجة يصبح معها أي تجرؤ من قبل أي عضو كونغرس على اتخاذ موقف متوازن بين إسرائيل وفلسطين أو مطالبة إسرائيل الالتزام بالقانون الدولي، أو الدفاع عن حق الفلسطينيين بالعدالة وحقوق الإنسان، بمثابة الإقدام على الانتحار السياسي”.

الصحفي مايكل ماسنغ ينقل عن أحد موظفي الكونغرس من مؤيدي إسرائيل القول:” نستطيع الاعتماد على أكثر من نصف أعضاء المجلس ( ما بين 250-300 عضو) في فعل ما تريده إيباك”. ويوضح مسؤول إيباك السابق ستيفن روزين، الذي تم تجريمه بتهمة تسريب وثائق حكومية سرية لإسرائيل، مدى ما تتمتع به لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية إيباك من قوة، أمام مراسل النيويوركر: جيفري غولدبيرغ، بوضع فوطة مطعم على الطاولة أمامه وهو يقول:” باستطاعتنا الحصول على تواقيع 70 سيناتوراً على هذه الفوطة في أقل من 24 ساعة”.

لكن لا يوجد أكثر وضوحا مما قاله ارائيل شارون في 3 اكتوبر 2001 عندما قرر اعادة احتلال الضفة الغربية وهدم معالم الدولة كمطار غزة مثلاً كما نقله صوت إسرائيل ISRAEL KOL عن شارون قوله لشمعون بيريز:” في كل مرة نريد أن نفعل شيئاً تقل لي : أمريكا ستفعل كذا أو أمريكا ستعمل ذاك…” اريد أن أقول لك شيئاً واضحاً جداً: لا تقلق على ضغط أمريكا على اسرائيل . نحن الشعب اليهودي نسيطر على أمريكا والأمريكان يعلمون ذلك.”

هذه هي حال الدولة العظمى أيامنا هذه . وهي ستتهاوى الى مزبلة التاريخ ليس لعدم وجود الاكفاء بين مواطنيها ، وهم كثيرون . ولكن النظام الرأسمالي هو الحاكم وشعاره المثل الامريكي : من يملك الذهب يمتلك الحكم. (The Golden Rule: He who Owns the Gold Riles)

ليس الحاكم بأمره نتنياهو ولا اوباما ولا ملك القمار لكن الحاكم في النظام الرأسمالي هو راس المال الذي اعطى اسمه الى النظام والذي تمّ تفصيل النظام لخدمة اصحابه سواءٌ كانوا ملوك قمار أم مرابين في وول ستريت وهؤلاء جميعاً هم ملوك كازينو اقتصاد العولمة ( كما جاء في كتابي : مستقبل البترول العربي في كازينو العولمة )

ان التناقض بين المصالح الأنانية الضيقة لهذه الفئة الجشعة الضالة القابضة على مفاصل السلطة وبين مصالح الشعب الأميركي وبقية شعوب العالم هي التي أدت وستؤدي الى تراجع النفوذ ثم الانهيار الكامل لهذا النظام الظالم لأهله والناس اجمعين. ان الانهيارات السريعة لامبراطوريات هذا الزمان هي من صفات هذا العصر وليس مثال انهيار الاتحاد السوفيتي ببعيد!

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل