من الذي يقرر سعر البترول ؟ ولمصلحة من ؟النفط سلاح دمار شامل ... العرب أول ضحاياه
في "دراسة سرية جداً " لوزارة الطاقة الامريكية وجهته الى وزارة الخارجية في 24/10/1984 جاء فيها " سياستنا يجب أن تنحوا نحو هبوط أسعار النفط 30-40 بالمئة وذلك لمعافاة الاقتصاد الامريكي."
وفي برقية عاجلة من وزارة الخارجية الى سفارتها في لندن مشفّرَة سري جداً جاء فيها إن :
" وزير الخارجية مهتم جداً بدراسة سريعة عن تأثير هبوط كبير في اسعار البترول ". كان ذلك في البرقية رقم 081715 المرسلة في شهر مارس 1985
هبطت الاسعار من معدل 26 دولار للبرميل في شتاء 1985 الى اقل من (10) دولار للبرميل 1986.
الله يحيي ويميت ، والرب اخد واعطى ، والولايات المتحدة تدبر امر رفع اسعار البترول أو هبوطها بما يتوافق مع مصلحة اقتصادها لا اقتصاد الاخرين من منتجين او مستهلكين .بهبوط الاسعار عندئذٍ ضربت الولايات المتحدة ضربت عصفورين بحجر : معافاة بإقتصادها ومعاقبة اعدائها. واليوم يعيد التاريخ نفسه بتخفيض اسعار النفط حوالي 50% للاسباب نفسها وهي معافاة بإقتصاد الامريكي ومعاقبة اعدائها روسيا وفنزويلا وايران.
كانت الضحية اولاً المنتجين العرب وروسيا التي تدهور سعر عمليتها الروبل وفنزويلا التي زادت ازمتها الاقتصادية تفاقماً وكانت ايران من أقل المتضررين . خسر منتجوا الخليج العربي ما يعادل أو يزيد عن 280 مليار دولار بالسنة ، وربح الاقتصاد الامريكي الذي ما زال حتى اليوم يستورد أكثر من مجموع انتاج الكويت والامارات العربية المتحدة ما لا يقل عن 325 مليون دولار في اليوم الواحد أي حوالي 120 مليار دولار في السنة عن مستورداته النفطية مما ساعد على تحفيز اقتصاده . كما ساعد في ضخ 210 مليار دولار في السنة تقريباً الى المستهلكين المستفيدين من تخفيض الانتاج الامريكي بحدود 12مليون برميل في اليوم أي تم تحفيز الاقتصاد الامريكي بحوالي 330 مليار دولار .
في نهاية الثمانيات من القرن العشرين أوعزت الولايات المتحدة الى " حلفائها العرب" النفطيين بزيادة انتاجهم ثانية مما هوى بأسعار النفط في خطة محكمة لجر صدام حسين لاحتلال الكويت تمكنها من احضار 500 000 جندي امريكي الى الجزيرة العربية . كانت نتيجة هبوط اسعار النفط خسارة العراق المنهك و الخارج لتوه من حرب الثماني سنوات ضد ايران ، في حرب قال عنها مصمموها أنه لو كان في كل الحروب خاسر ورابح ، ففي هذه الحرب العراقية الايرانية يجب ان يكون هناك خاسران . وهكذا كان . قال صدام أن انتاج " اخوته " العرب زيادة عن حصصهم في اوبك سَبَّبَ تدهور الاسعار وإن كل دولار يهبط فيه سعر برميل النفط يهبط دخل العراق مليار دولار في السنة ، وان قطع الارزاق مثل قطع الاعناق ، وتم جره الى احتلال الكويت والتي كانت بداية نهايته وبداية الاحتلال المباشر لمكامن النفط وجلوس القوات الامريكية فوقها حتى يومنا هذا .
ما يعرفه القليل من شعوبنا أن حرب التحريك لسنة 1973 أو ما تم تسميته حرب اكتوبر أو حرب تشرين كان تخطيطها امريكياً بامتياز وأحد اهم اهدافها رفع اسعار النفط 400 بالمئة . كانت هناك حقول نفط هائلة مكتشفة في بحر الشمال وفي الاسكا . كان سعر البترول آنذاك 2 دولار للبرميل في حين كانت كلفة الانتاج في الاسكا 5 دولارات / البرميل وكلفة نفط بحر الشمال 7 دولارات للبرميل . كانت هذه الحقول النفطية غير
مجدية من الناحية الاقتصادية ما لم يتم رفع سعر البترول 400% فكانت مسرحية حرب اكتوبر 1973 لصيد أكثر من عصفور في حجر واحد ومنها زيادة سعر النفط وبداية دراما مسلسل التنازلات العربية بدءاً من الكيلو 101 في مصر وانتهاء بكامب ديفيد .
لم يكن جميع المشاركين في هذه المسرحية على علم بنوايا الولايات المتحدة الامريكية الحقيقية وأولهم المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز الذي كان قد عمل صفقة مع الرئيس الامريكي نيكسون بانه سيقنع السادات بطرد السوفييت مقابل أن تضغط الولايات المتحدة على اسرائيل للانسحاب من كافة الاراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس . كان الرجل صادقاً في ما ذهب اليه .
دهاليز السياسة ومسارحها وتمثيلياتها تحتاج الى مخرجين من هوليود وهم كثر وأغلبهم من "اولاد العم" . كان السادات يتفاوص سراً من وراء ظهر الملك فيصل مع هنري كسينجر لبدء سلسلة التنازلات قبل حرب اكتوبر .
عندما طرد السادات عشرات الآلاف مع المستشارين السوﭭيات من مصر كجزء من خطة بلاده للابتعاد عن الاتحاد السوﭭياتي ، حث ميلفـن ليرد وزير الدفاع نيكسون على بدء مفاوضاتٍ سرّية مع السادات ، غير مدركٍ أن القنوات كانت مفتوحة– أصلا - على وسعها منذ بعض الوقت . وفي هذه الأثناء ارتقى كيسنجر بمستوى صلته المصرية الخاصة ، ففي زيارة لحافظ اسماعيل – مبعوث السادات- الى الولايات المتحدة في شهر شباط 1973 ، قام بوضع برنامج يمكنه من الاجتماع خفيةُ بكيسنجر بعد انتهاء واجباته الرسمية ، فتالياً لاجتماعاته بنيكسون وممثلي الخارجية - كان اسماعيل - كما كتب كيسنجر في كتابه " سنوات الهياج" ... سوف ينسلّ بنفسه في 25 شباط إلى نيويورك ، ومن هناك يتوجه إلى موقع اجتماع سري في الضواحي .. بيت خاص استؤجر لهذا لغرض– حيث هو وأنا نتباحث ليومين في مراجعة كاملة وخاصة للعلاقات المصرية الأميركية".
وأضاف كيسنجر : " لا أنا ، ولا أي عضو من معاونيّ ، كان ضمن مناقشات إدارة الخارجية ، بينما إدارة الخارجية حتى لم تعرف بلقائي السرّي مع اسماعيل" .
وقبل وصول اسماعيل إلى واشنطن كتب نيكسون إلى كيسنجر:" لقد حان الوقت للتخلّي عن الانصياع لموقف اسرائيل المتصلّب ، فقد قادتهم تصرّفاتنا في الماضي إلى الاعتقاد بأننا سنقف إلى جانبهم بغض النظر عن مدى لا معقوليتهم."
ومع ذلك فإن خطة كيسنجر كانت -والى حدًّ كبير - متمشيّةً مع قرار اسرائيل، والذي نصّ في حزيران 1967 ، على أنه يمكن بحث جبهتي مصر وسوريا والتفاوض حولهما ، اما الضفة الغربية وغزّة فلا، والتي كان مجلس الوزراء الإسرائيلي قد أصرّ على ضمهّا الى اسرائيل ، وحيث أن الضفة الغربية كانت جزءاً من الأردن قبل حرب 1967 ، فقد عمد كيسنجر إلى استبعاد الأردن من مفاوضات الخطوة خطوة ، وخطط للسادات وللعرب الآخرين من " أصدقاء " الولايات المتحدة المعروفين ، باستبعاد الأردن كلية عن مسألة مفاوضات الضفة الغربية الفلسطينية .. وكما تم تنفيذه فعلاً في الرباط في مراكش في وقت لاحق.
وفي 6 آذار 1973 ، تم تزويد السعوديين بإيجاز عن اجتماع كيسنجر مع اسماعيل ، وذلك على أساس " العلم بالشيء في حدود ما يلزم فقط"، حيث أن العربية السعودية - البلد النفطي الرائد - سوف يكون لها دور في حظر النفط وزيادة سعره مستقبلاً .
وفي ذلك الشهر زارت جولدامائير رئيسة وزراء إسرائيل الولايات المتحدة ، وعارضت وبشكل مطلق موقف نيكسون ، ورفضت أية ضغوط لتعديل موقف اسرائيل المتشدّد ، كما أبلغت نيكسون بأنه ليس لدى العرب خيارعسكري ، وأن الأمور لم تكن بأفضل مما هي عليه الآن بالنسبة لإسرائيل.
وفي 11 نيسان انعقد اجتماع آخر بين اسماعيل وكيسنجر ، وكانت القوات العربية وفي معظمها من البلدان الأشد تحالفاً مع الولايات المتحدة قد بدأت في شباط 1973 التحرك ، بما في ذلك طائرات سعودية إلى مصر وقوات مراكشية إلى سوريا . وتوافق المصادر العليمة على أن مثل هذه القرارات لم. يكن لها لتتخذ دون موافقة – ضمنية على الأقل - من طرف الولايات المتحدة .
تم عقد اجتماع بيلدربرغ السري في أيار 1973 المنعقد في سالتس جو بادن قبالة ساحل السويد في ﭭيلا أسرة والينبرغ اليهودية الواسعة الثراء، كان كيسنـﭽر حاضراً مع كبار مدراء شركات النفط الكبرى والمؤسسات المالية متعددة الجنسيات والبنوك للتخطيط للحرب المصرية السورية الاسرائيلية ليقوم مدراء النفط والمال للعمل على تنفيذ المخطط المالي من تدوير البترودولارات التي ستنهال على الدول المنتجة الى اقتصادات الامريكية والغربية .
ومن بين الحضور كان روبرت أندرسون رئيس شركة أتلانتك ريتشفيلد للنفط ، وزملاؤه الأقطاب سيرإريك دريك من بريتش بتروليوم ، وباي .جي.كولادو نائب رئيس إكسون ، ورينيه جرينردي ليلياك من سي.إف.بي ، والمصرفيون البارون إدموند دي روتشايلد ، وماركوس وولنبيرغ ، وكريستر ويكمان ، ومن السياسيين أولاف بالمه رئيس وزراء السويد، ودئيس هيلي من المملكة المتحدة ، وهيلموت شميت وزير مالية ألمانيا الغربية في ذلك الوقت . ومثل رجال النفط جميع الشركات التي حققت كشوفاً وطورت حقول النفط في ألاسكا وفي بحر الشمال ، أما البيت الأبيض فمثّله هنري كيسنجر وجيمس إيكنز.
وكان كيسنجر قد أمضى ردحاً من الوقت في التحضير لهذا الاجتماع ، وفي كانون ثاني من تلك السنة عين نيكسون جورج شولتز وزير الخزانة الأميركية مساعداً للرئيس للشؤون الاقتصادية، وكنتيجة لهذا التعيين أصبح جورج شولتز- والذي كان فيما سبق تاجر صكوك في وول ستريت - رئيساً للجنة سياسات النفط . وفي شباط شكلت اللجنة الخاصة لشؤون الطاقة التابعة للبيت الأبيض من كلّ من هنري كيسنجر وشولتز وجون إيهرليخمان ، وكان لهذه اللجنة شأن كبير في التحضير لاجتماع بيلدربيرغ وهكذا تمت مسرحية حرب 1973 وتم رفع سعر البترول 400% وتم اغتيال الملك فيصل رحمه الله عندما طلب من كسينجر أن ينفذ تعهدات رئيسه نيكسون بالضغط على اسرائيل للانسحاب من الاراضي العربية المحتلة . وهكذا اصابت لعنة النفط بعض ملوكه الطيبين.
ملاحظة : قد يكون مفيدا للقارئ أن يعلم أن كاتب هذا المقال عمل أكثر من خمسين عاماً مهندساً ثم مديراً ثم مستشاراً في الولايات المتحدة (في اول مشروع للتحطيم الهيدروجيني للنفط الثقيل وقام بإدارة عملياته) وكذلك في الخليج العربي وفي اوروبا (مستشاراً لمعهد البترول الفرنسي لمنطقة الشرق الاوسط) "و مستشاراً مع كبرى شركات الهندسة الهندية " ومستشاراً لشركة البترول الوطنية الصينية الحكومية .
يتبع ←
مستشار ومؤلف وباحث