في عالم يُعاد تشكيلة :أما انت فاعل أو مفعول به هل أصبحت الهيمنة الأمريكية قضاءً وقدر؟

د. عبد الحي زلوم

عند سؤاله إن كان التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ودول الخليج الذي تم التحدث عنه في كامب ديفيد مؤخراً مكتوباً، قال السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي: " ليس لدي مشكلة فيما اذا كان اتفاقاً مكتوباً او غير مكتوب . ايماننا بكلمة امريكا كامل ". لست ادري اي امريكا التي يعنيها السيد جبير: هل هي امريكا الادارة والرئيس أم امريكا الكونغرس وقوى الضغط؟ بينما كانت الادارة الامريكية تقول " كلمتها " عن اتفاق محتمل مع ايران كانت " كلمة " الكونغرس مغايرة لدرجة أن كتب اعضاء الكونغرس الى ايران ودول اجنبية اخرى أن الاتفاق (المكتوب) مع الرئيس الامريكي غير ملزم ويمكن تغييره ، فمن أين جاء هذا الايمان الكامل في" كلمة"دولة قد تكون كلمتين أو أكثر ؟! كنت أظن أن الإيمان الكامل لا يكون إلا إلى رب العالمين!

اعلنت الولايات المتحدة في عهد الرئيس الامريكي ريغن حينما كان الكساندر هيغ وزير خارجيته ان شريك الولايات المتحدة الاستراتيجي في الشرق الاوسط هي اسرائيل . والشراكة الاستراتيجية تعني توافق الاهداف السياسية والجيوسياسية . وأترك للقارئ أن يُخَمِن السؤال الذي يطرح نفسه اذا كان ممكناً للولايات المتحدة ان تكون لها الاهداف الاستراتيجية نفسها بين شركائها القدامى والجدد ونحن نؤمن بتطابق الأهداف الاسرائيلية والأمريكية الإستراتيجية لكننا لا نريد أن نصدق أن تتطابق إستراتيجية أية دولة عربية مع الإستراتيجية الأميركية الاسرائيلية حتى ولو إلى حين . وعذراً لسذاجتنا!

إن مسالة الدفاع الامريكي عن دول الخليج في حال اعتداء ايراني أو غير ايراني هو امر محسوم ليس حباً بدول الخليج ولكن دفاعاً عن المصالح الأمريكية وهي مستعدة للقيام بهذا الدفاع سواء اشترت دول الخليج انظمة صاروخية او لم تشتري . حينما كانت بريطانيا هي القوة الامبريالية العالمية العظمى التي ترعى مصالح شركات النفط والمصالح الاقتصادية والسياسية الاخرى وعندما بدت بشائر النفط في اعمال الحفر في حقول ايران النفطية ، صرح وزير الخارجية البريطاني سنة 1906 مبدأ جاء بأسمه – مبداً لانسداون Lansdowne جاء فيه: " يعتبر إنشاء أي ميناء بحري محصّن في الخليج الفارسي من قبل أي قوة أخرى ، تهديداً بالغ الخطورة للمصالح البريطانية ، وأننا بالتأكيد سنتصدى له ونقاومه بكل الوسائل المتاحة لنا." وحيثما ورثت الولايات المتحدة حراسة المصالح الامبريالية للغرب بعدما شابت بريطانيا وهرمت ، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية أخذت الولايات المتحدة دورها بحراسة المصالح النفطية في الخليج . حلت امريكا بقواعدها العسكرية بدلاً من القواعد العسكرية البريطانية . حلت مدمراتها وغواصاتها وحاملات طائراتها محل قطع الادمرالية البحرية البريطانية – بل استلمت مركز الادمرالية البريطانية في البحرين ليصبح مركز الاسطول الخامس الامريكي اليوم . ولتضع امريكا النقاط على الحروف اعلنت " مبدأ كارتر" سنة 1980 والذي يكاد يكون نصاً حرفياً لمبداً لانسداون البريطاني والذي كان نصه" أي محاولة من أي قوة خارجيّة لحيازة السيطرة على منطقة الخليج الفارسي ، سوف تعتبر هجوماً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأميركية ، وإن مثل هذا الهجوم سيتم صدّه بكافة الوسائل اللازمة ، بما فيها القوة المسلّحة."

لكن ما على دول الخليج معرفته أن الولايات المتحدة ستدافع عن مصالحها النفطية في دول الخليج وليس على انظمتها. ولعل ما حدث لشاه ايران الذي خدم الولايات المتحدة كشرطي لها في الخليج عبرة لمن يعتبر. حتى ان الولايات المتحدة رفضت طلبه وهو في نزعه الاخير أن يدفن بالولايات المتحدة – ولعل في

حسني مبارك مثالاً آخر بالامس القريب . ليس هذا الكلام من باب التخمينات وإنما يستند الى اقوال الرئيس الامريكي صراحة كما جاء في مقابلته المصورة مع توماس فريدمان من جريدة النيويورك تايمز وذلك في 5 ابريل سنة 2015.

بعض ما جاء في هذه المقابلة :

- قال انه سيحاول ان يطمئن دول الخليج في قمة كامب ديفيد عن استعداد الولايات المتحدة للدفاع عنها من اخطار خارجية وسيرى كيف يمكن أن تكون هذه التنظيمات بشكل اكثر وضوحاً .

- لكنه استأنف قائلاً : ليس الخطر على هذه الدول من خارجها وإنما الخطر قادم من الداخل ، خصوصاً زيادة عدد السكان ، والبطالة وتذمر الشباب من أسلوب الحكم وبعض الايدولوجيات التي يجب تغييرها وليس الخطر من الخارج أو ايران . قالها اوباما هكذا وبالقلم العريض .

- كما أنه قال أن ايران تمتلك كل الامكانيات لتصبح قوة اقليمية فاعلة بدون حاجتها لقنبلة ذرية نتيجة ديناميكية ومبادرة شعبها وما عليها سوى التخلي عن معاداة اسرائيل .

- كما قال أن عملية الاصلاح الداخلي في دول الخليج عملية طويلة تستغرق اجيالاً خصوصاً بالنسبة لبعض الأفكار الايدولوجية الواجب التخلي عنها.

وكان من المثير أنه حدد صراحة مهمة القوة العربية المشتركة حين قال : اراد اصدقاؤنا التقليديون في المنطقة أن تحارب الولايات المتحدة ما يقولون عن مساوئ الاسد . لماذا لا يكون هذا شأن العرب انفسهم ليحاربوا بدل من قيامنا بذلك ؟ وهكذا فهذه القوة هي تكرار الى حلف بغداد (Meto) اي منظمة حلف الشرق الاوسط في منتصف الخمسينات من القرن الماضي والتي كانت مربوطة مع ناتو كما ستكون جيوش القوة العربية المشتركة مرتبطة مع الولايات المتحدة سواء بنجم ساطع أو اسد متأهب أو اي اسماء براقة اخرى . كان حلف بغداد موجهاً ضد الاتحاد السوفييتي بتمويل من الغرب بينما حلف القوة المشتركة ( العربية) هي موجهة لحروب اهلية عربية وبتمويل عربي !

والخلاصة لا يستطيع حكام الخليج الاعتماد على صداقة الولايات المتحدة . انها ستحافظ على دولهم ومصالحها وليس على انظمتهم.

المشكلة في الكثير من النخبة خصوصاً في العالم العربي والاسلامي انها تظن ان الهيمنة الامريكية هي قضاء وقدر . أما ان الولايات المتحدة هي قوة خرافية عظمى لا ينكره الا البلهاء لكن هل أصبحت قضاءً وقدراً ؟ يعتقد المؤرخ العالمي المشهور Eric Haubsawm كما جاء في محاضرة ألقاها بجامعة هارفارد بتاريخ 20 أكتوبر 2006 ، بأن الجواب – لا – وهذا ملخص ما جاء بمحاضرته : "لربما تسبب الإمبراطورية الأمريكية الفوضى والبربرية بدلاً من حفظ النظام والسلام". وقال "إن هذه الإمبراطورية سوف تفشل حتماً"، ثم أضاف "هل ستتعلم الولايات المتحدة الدروس من الإمبراطورية البريطانية ، أم أنها ستحاول المحافظة على وضعها العالمي المتآكل، بالاعتماد على نظام سياسي فاشل وقوة عسكرية لا تكفي لتنفيذ البرامج التي تدّعي الحكومة الأمريكية بأنها قد صممت من أجلها ؟".

عندما انهار الاتحاد السوفييتي أصبحت كافة مفاتيح السياسة والاقتصاد الروسية في يد الولايات المتحدة وأعوانها . تعاونت اجهزة مخابراتها مع يلتسن ليصبح أكثر رئيس مخمور في العالم وانتقت هي ويلتسن خليفته بوتين وظنوا انه سائر على خطى سلفه لا محاله . والنتيجة ! هذا البوتين بدأ يتحدى احادية الهيمنة الامريكية الكونية . كَوّنَ بوتين جبهة مضادة هي جبهة البركس . كان مشهد العرض العسكري في موسكو مؤخراً بمناسبة نصر روسيا على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية لافتاً للانتباه فبينما رفضت الولايات المتحدة وملحقاتها الاوروبيات الحضور كان على منصة العرض بوتين وعلى يمينه ويساره رئيس الصين

ورئيس وزراء الهند واللذان شاركا بقوات رمزية في العرض. كان هؤلاء الثلاثة يمتلكون نصف سكان الكرة الارضية ، وقالوا لا للاحادية الامريكية . إن ما لدى اهلنا في الخليج من الموارد ما يمكنها في المساعدة في تشكيل هذه القوة العالمية الناشئة والمُقاوِمة للهمينة الامريكية لتستطيع عندئذٍ ان تملك قرارها لتصبح فاعلاً وليس مفعولاً به . ليس ذلك امراً سهلاً لكن البديل الحالي سيقود الى الهاوية.

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل