عِش رجباً ترى عجباً مقابلتي مع الجنرال عبد الفتاح السيسي

د. عبد الحي زلوم

كان الرجل يجلس بجانبي في رحلة بين باريس وكازبلانكا . رياضي الجسم ، اسمر اللون ، في مرحلة متقدمة من العمر ، منهمكاً بكتابة تقرير . وكنت أقرأ كتابا للبروفيسور الاسرائيلي شلومو ساند من جامعة تل ابيب الذي برهن فيه ان يهود اوروبا وامريكا اصلهم من بلاد الخزر وليس لهم علاقة بفلسطين ، وأن الفلسطينيين هم اصحاب البلاد من اليهود الذين تنصروا ثم اصبحوا مسلمين. فتذكرت أن هذا الاستاذ قد ضربه احد المستوطنين اثناء محاضرة له في تل ابيب .

جاء الفطور وتبادلنا الحديث . سألني من اين انا وعن اسمي وعملي . سألته الشيء نفسه . قال اسمي عبد الفتاح السيسي جنرال من السنغال كنت رئيس اركان الجيش ، وعزلت الرئيس عبده ضيوف ، ثمّ اصبحت وزيراً للداخلية ثم تقاعدت الى ما أعمل الان، قلت له : أكيد أنك تمزح. أخرج من جيبه كرتاً فوجدت الاسم صحيح... نظرت الى الكرت وكان مكتوباً عليه بالانجليزية . Centre for Civic Collaboration لتصبح مركز التعاون لشؤون مؤسسات المجتمع المدني: اي مركز التعاون للشؤون المدنية وفروعه في دول الاتحاد السوفيتي المنفصلة عن روسيا بالاضافة الى اليمن والاردن وأندونيسيا. قلت له إذن انت تعمل مع الامريكان لنشر الحرية والديمقراطية في العالم وقمت بإنقلاب على رئيس منتخب ؟ جميل: فهمت الان شيئاً عن الديمقراطية الأمريكية!

*****

حفتر والحفترة

سامحونا ، فأنا اليوم معجب بالجنرالات، هذه المرة بالجنرال خليفة حفتر . جاء فجأة بالبراشوت بعد غياب عشرين سنة في الولايات المتحدة وأصبح بقدرة قادر فريقاً وقائداً للجيش الليبي . جميل جداً . انا أحب الكفاءات . فأصابني الفضول . وهي صفة تلازمني طويلاً فأنا أحب أن أقراً ما وراء السطور. فبدأت ابحث عن خلفية هذا الرجل العظيم .

تبين لي أن خليفة بلقاسم حفتر كان قائد القوات الليبية المحاربة في تشاد . وانه هُزم وتم أسره . قلت لنفسي : وما علينا، اروني جنرالاً عربياً واحداً ربح حرباً الا على شعبه ؟ بالعكس في العالم العربي ، هذه ميزة . وماذا كمان ؟ وجدت انه وهو في السجن قرر النضال ضد العقيد القذافي وأنشأ ما سمّاه الجيش الوطني الليبي مع بعض المساجين من الضباط والجنود المأسورين واصبح معارضاً لنظام العقيد. لم أدري كيف إستطاع ذلك وهو في السجن لأني ظننت أن عصر المعجزات قد ولى منذ الاف السنين؟ لكن الرجل فشل في مهمته. لكني دهشت أُيما اندهاش عندما قرات في الانسايكلوبيديا ويكي بيديا ما جاء بالحرف الواحد :" وتم ترحيل اعضاء الجيش الوطني الليبي ( بتاع حفتر) بمروحيات امريكية الى داخل الولايات المتحدة حيث أقام حفتر في امريكا مدّة عشرين سنة واستمر معارضاً لنظام القذافي." طبعاً عاد حفتر من امريكا في مارس 2011 لكني لا اعلم إن كان ذلك بواسطة هيليوكبتر امريكية أو خلافها. وما المشكلة ؟ ألم يرجع حكام العراق في عراق امريكا الجديد على ظهور دبابات امريكية ؟ ما المشكلة ؟ دبابات... هيليوكبتر.... المهم امريكية . أكيد جاء هو أيضاً ليبني الديمقراطية في ليبيا سيساعده في ذلك

اشقاؤه ( وزملاؤه) وجيرانه الديمقراطيون . وسنجد كثيراً من وعاظ السلاطين يذكرونا بأن الله قد أوصى على سابع جار.

أثار اهتمامي وانا اقرأ عن الطقوس اليهودية ، اثناء بلوغ اليهودي سن الثالثة عشر ليصبح رجلاً 100% عليه واجبات اليهودي الكاملة ، أن هذه الطقوس تبدأ بقراءة الحفتره وهي بالانجليزية Haftarah – وهي مقاطع معينة من التوارة. قلت يا لطيف ، اكيد أن حفتر والحفترة شيئان لا شك مختلفان . سأسأل أول أخ ليبي أصادفه ماذا تعني كلمة حفتر في ليبيا!

*****

الرفيق كمال أمين ثابت وزيراً للدفاع في سوريا.

ولد الياهو شاؤول كوهين في 26 ديسمبر 1924 في الاسكندرية وانضم الى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني وهو في العشرين من عمره. عمل مع المخابرات الاسرائيلية في اعمال التفجير فيما تم تسميته فضيحة لافون حيث قامت المخابرات الاسرائيلية بتفجير بعض المصالح الامريكية في مصر بهدف تخريب العلاقات بين الولايات المتحدة وضباط " الثورة المصرية " التي جاءت بإعتراف الجميع في بداياتها بمباركة امريكية. لم ترد اسرائيل أن ترى لها " ضُرّة" وان تكون امريكا متعددة الزوجات . إسرائيل تريد أمريكا لها وحدها!

هاجر ايلي كوهين الى اسرائيل سنة 1957 لاحقاً بعائلته التي هاجرت لها سنة 1949 ، ثم التحق بالموساد التي قررت أن تجعل منه عميلاً في سوريا ، فأرسلته الى الارجنتين لينتحل شخصية تاجر سوري مهاجر اسمه كمال أمين ثابت المسلم، وعلمه شيخ الصلوات الخمس وبعض ايات القران ، وتعلم اللهجة السورية. تعرف على الجالية السورية والعربية في الارجنتين ورجع الى سوريا ومعه أحسن التوصيات من السوريين الى اهاليهم بل ومن اعضاء السلك الدبلوماسي السوري بالارجنتين . خلال 3 سنوات استطاع الجاسوس كوهين أن يخترق حزب البعث ليصبح عضواً رفيعاً مرموقاً ، و يخترق الجيش السوري ووزارة الدفاع وضباط الجيش السوري بحيث كاد أن يصبح وزيراً للدفاع لولا ان الموساد طلبوا منه عدم قبول ذلك لانه سيعرضه الى اضواء الاعلام مما سيعرضه الى الخطر . انكشف امر كوهين بالصدفة والصدفة فقط بعد أن سرب كل المعلومات بل والاهم بعد ان بنى لشبكات التجسس والتي ساهمت كثيراً في احتلال الجولان سنة 1967 . حدثني ضابط أعرفه من زمن بعيد أنه كان في جبهة الجولان اثناء تلك الحرب . سمع من راديو دمشق الرسمي بأن مدينة القنيطرة التي تبعد عشرات الكيلومترات خلف الجبهة قد سقطت بإيدي القوات الاسرائيلية. قال لي : لم يكن حينها أمامنا ولا خلفنا جندي يهودي واحد. لكن حين سماع النبأ أندبت الفوضى في الصفوف وتم الانسحاب على غير هدى وبعدها جاء اليهود واحتلوا الجولان دونما قتال .

قال النظام السوري حينها مبرراً الهزيمة : انها معركة خسرناها لكن المهم أننا حافظنا على بقاء النظام .

لتعيش الوحدة ، والحرية ، والاشتراكية ..... والنظام !

*****

دور المخابرات في الهزائم العربية

في يونيو 1963 وبعد توليه رئاسة الحكومة مباشرة، سارع ليفي إشكول لطرح قضية توسيع حدود إسرائيل على بساط البحث مع رئيس أركان الجيش زفي توور ونائبه إسحق رابين. وقتها قال الجنرال توور لرئيس الحكومة بأن الحدود المثالية لإسرائيل ستكون نهر الأردن شرقاً ونهر الليطاني شمالاً وقناة السويس كحد فاصل مع مصر. ومن جانبه علق رابين بأن هذه الحدود ستكون مثالية إذا سنحت الفرصة لفرضها. بعدها بأسابيع قليلة عرضت القيادة العسكرية على رئيس الوزراء خطة حملت اسم: السوط، لاحتلال الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. وفي خطة ثانية حملت اسم: "بناي أور"، تحدث القادة العسكريون بالتفصيل عن إعادة رسم الحدود الجديدة مع كل من مصر وسوريا، وكيفية البقاء فيها إلى أن توافق البلدان على توقيع اتفاقيات سلام نهائية مع إسرائيل، تتضمن إجراء تعديلات على الحدود الحالية وصولاً لخلق حدود آمنة جديدة.

الواقع أنه يصعب تصور حقيقة ما حدث ليلة الخامس من يونيو 1967 .. فقد قضى معظم الطيارين المصريين تلك الليلة في سهرة نظمتها القيادة العامة للقوات المسلحة، مستمتعين بوقتهم حتى ساعات الفجر والفجور الأولى، كذلك من تكون تلك "الأيدي الخفية" التي خططت لوجود رئيس أركان القوات المسلحة المصرية في الجو ومعه معظم كبار قادته العسكريين، في وقت كانت فيه المطارات والطائرات المصرية تتعرض للتدمير، والاتصالات مع مقر القيادة معطلة. وقتها لم يجد رئيس الأركان مطاراً للهبوط فيه.

ومن الأمور الأخرى التي يصعب تصورها ما حدث مع موقع الرادار الأردني في عجلون. فقد استطاع رصد الطائرات الإسرائيلية وهي تنطلق في أول مهمة لها في مصر، وأرسل إشارة بذلك إلى القيادة المصرية. غير أن الشيفرة المصرية كانت قد تغيرت في اليوم السابق ولم يتم إبلاغ أحد بالأمر.

كم ايلي كوهين كان في كل قطر عربي وما زال وفي أعلى المراتب؟

*****

واخيراً

كنت سنة 1970 مديراً لعمليات إحدى شركات النفط الخليجية وأدير عمليات أحدث مصفاة للتكرير في العالم حينها ساهمت في أعمال تصاميم المشروع في لوس انجلوس ثم البناء والتشغيل . وكنت اول عربي يتبؤا مثل هذا المنصب في شركات النفط في الخليج العربي . وكان عندي موظفون من 36 جنسية. كان علي حين استلام وظيفتي أن استغني عن بعض المدراء السيئين . كان احدهم امريكي الجنسية ، وحين حضوره لمكتبي بعد اعلامه من دائرة التوظيف عن الاستغناء عن خدماته فوجئت أنه جاء مبتسماً. سألته وما الذي تنوي أن تعمله بعد الان . قال لي : لا تقلق . لقد تعلمت أني استطيع ان أحكم العالم العربي بواسطة خمس عاهرات شقراوات!... يا لطيف!!!

هل عرفنا من هذه الخواطر اين تكمن مصيبتنا ، ومن اين البداية ؟!

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل