عن " عاصفة الحزم " ومقالات د. محي الدين عميمور مهمة "الجيش العربي الجديد" إحياء حلف بغداد القديم

د. عبد الحي زلوم

لم أعلق أبداً على كتابة الأخرين الا أنني عملت استثناءً لذلك هنا ، أولاً لاهمية الموضوع وثانياً لتقديري للكاتب الدكتور محي الدين عميمور . ولا يمتلك احد منا الحقيقة وإن كان من الممكن أن يمتلك جزءاً منها ففي الاضافة في البحث في هذا الموضوع المهم فائدةً نرجو أن تثري صاحب القرار والقارئ على حد سواء . وآمل من الله أن يلهمنا الصواب لما فيه الخير لمصلحة هذه الامة المغلوب على امرها.

لعل اهم نقاط الاختلاف بين ما ورد في مقالات الاخ محي الدين عميمور هو :

- اعتبار عاصفة الحزم غضبة خليجية على الممارسات الامريكية منذ 1990 الى يومنا هذا .

- وغضبتهم على استعمالهم كمخلب قط في محاربة روسيا اقتصادياً بخسارات جسيمةً ً لثروتهم النفطية والمالية .

- ولقد ظننت وكأنه يقبل بأن الصراع القائم هو سني شيعي وأن مشاكل المنطقة تاتي من التدخلات الايرانية . وهنا أقول أن الرئيس الامريكي اوباما صرح لجريدة نيويورك تايمز بتاريخ 5/4/2015 (بأن اسباب مشاكل حلفائنا العرب السنة اغلبها من استياء شعوبها بالغالب وليس من ايران عدوانية)

فلنبدأ بالغضبة الخليجية . ومع تقديرنا وتمنياتنا لو كانت هناك غضبة بل غضبات على ما مارسته الولايات المتحدة من ظلم ونهبً لاخواننا في الجزيرة العربية واخوانهم في المشرق والمغرب العربيين الا أن الامر ليس كذلك . فالولايات المتحدة هي في قلب هذه العملية المسماه عاصفة الحزم وهي في غرفة عملياتها. وبإعتراف الناطق بإسم البيت الابيض فإن الولايات المتحدة تساند هذه العملية من الفها الى يائها وإنها تقدم المعلومات الاستخبارية من اجهزتها التجسسية الــ16 في الارض وفي السماء بما في ذلك بنك الاهداف والذي بدون هذا الدعم الاستخباراتي تكون الطائرات كالاعمى في منتصف الطريق وهي معلومات قد تم تجميعها من تلك الاجهزة طوال حكم علي عبد الله صالح المدعوم من طرفها وطرف (حلفائها) لاكثر من 30سنة . كما أن الولايات المتحدة لا تسمح بالقيام بعملية استراتيجية ضد بلد يتحكم في باب المندب وهو ذو أهمية تقارب اهمية مضيق هرمز وكلاهما اساسيان لمرور أكثر من ربع النفط العالمي الى العالم الغربي والشرقي على حد سواء. وأود هنا أن اسمي هذه الحرب بالحرب العربية العربية اوبالحرب العربية السعودية اليمنية ذلك بان لدي حساسية بأن كافة العواصف التي هبت لتدمير بلادنا منذ عاصفة الصحراء الى الحروب الاهلية في العراق و سوريا ولبنان وليبيا والسودان بل ومصر بالاضافة الى هذه الحرب جميعها حروبٌ امريكية الهوى والتخطيط . فبالنسبةالى الحرب العربية السعودية اليمنية كان بمقدور الولايات المتحدة أن تُعَبِرَ عن "حزمها " اثناء الاقتتال في اليمن الشمالي فيبدو أنها كانت ترغب في انفصال اليمن الى يمنيين شمالي وجنوبي كما كان سابقاً . وعندما بدأ ثوار الشمال ورجعييهم الحلفاء السابقيين بالهجوم على عدن وصلت الى الخطوط الحمر وخصوصاً بالاقتراب من باب المندب . إن هذه الحروب في اليمن وغيره من بلاد العرب ما هي الا جزء من حروب بالوكالة تحركها القوى العالمية شرقاً وغرباً . فالولايات المتحدة تحاول تثبيت هيمنتها على الشرق الاوسط والذي هو قلب وروح قطاع النفط

العالمي والذي هو بدوره اساس الحضارة الغربية والذي يقول عنه الاستراتيجي العالمي ماكندر أن من يسيطر عليه يسيطر على العالم . ولعل اهم اقتباس واضح وصريح عن تأثيره على السياسات الامريكية والغربية هو ما قاله وزير الطاقة بل ريتشاردسون سنة 1999 ايام رئاسة الرئيس كلينتون حيث قال بالحرف الواحد :

" لقد كان البترول محور القرارات الأمنية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال القرن العشرين، والنفط كان وراء تقسيمات الشرق الأوسط إلى دويلات بعد الحرب العالمية الأولى ". فنبدأ من هنا:

قسم الاستعماريون العالم العربي الى دول ودويلات تكون فيها الدول ذا كثافة سكانية كبيرة وموارد اقتصادية محدودة, ودول ذات موارد اقتصادية هائلة "كالنفط" و بكثافة سكانية ضئيلة بحيث يتم استلاب ما يسمونه بالفائض من بترودلاراتهم الى بنوكهم واقتصاداتهم بإدعاء حمايتهم من اشقائهم ويقوموا بإنفاق القليل القليل منه الى الدول الغنية بالموارد البشرية والفقيرة بالموارد الطبيعية مقابل تسليم سيادتها الاقتصادية والسياسية .

دعنا الان ننظر الى الجغرافيا كما صممها الاستعماريون بعد فكفكة الدولة العثمانية . تمّ خلق المشاكل الحدودية بين كل دولة وجارتها وذلك لابقاء الشقاق ما بين الاشقاء ابدياً . كذلك قاموا بالتفتيت الاستراتيجي الى كافة النقاط الاستراتيجية في الوطن العربي . تمّ زرع دول طائفية في شرق الابيض المتوسط بسلخ الاسكندرونة عن بلاد الشام وحاول الفرنسيون تشكيل دول طائفية في سوريا بما فيها دولة علوية في منطقة اللاذقية , وكذلك دولة مسيحية في لبنان والذي تمّ سلخه عن بلاد الشام , ودولة يهودية في فلسطين ليصبح عزل شرق ابيض المتوسط عن اوروبا كاملاً و لتصبح اسرائيل وتد جحا الذي يفصل المشرق العربي عن مغربه . كما قاموا بتفتيت كافة النقاط الاستراتيجية بين عدد من الدول بحيث لا تكون السيادة فيها عملياً الى أحد . تم تقسيم منطقة العقبة الى ايلات (ام الرشاش الفلسطينية في الدولة اليهودية) ومدينة العقبة الاردنية كمنفذ وحيد على البحر شاطئه لا يتعدى عدة كيلو مترات ومنطقة سعودية وأخرى مصرية . تمّ تقسيم باب المندب وهو السبب المباشر للحرب العربية السعودية اليمنية الى يمنيين على الشاطئ الشرقي والى دولة جيبوتي والصومال وارتيريا على الجانب الغربي . وتمّ سلخ الجزء الغربي من مضيق هرمز ليتبع سلطنة عُمان دون اي رابط بري بين السلطنة وهذا الجزء المسلوخ وبينهما احدى امارات دولة الامارات العربية المتحدة . وتمّ تقسيم رأس الخليج الشمالي بين ايران والكويت والعراق والتي اعطيت مياه ضحلةً وعدد من الكيلومترات القليلة على الشاطئ . هذه التقسيمات لم تأتي عفواً ولكنها كانت نتيجة اعمال سايكس بيكو والشيطان ثالثهما . أصبحت تلك الخطوط من الحدود في الصحاري وفي الجبال مقدسة يقتل الاخ اخيه بإدعاء الدفاع عنها ، والقاتل والمقتول في النار.

إن ما يجري في عالمنا العربي ليس غضبة خليجية وليتها كانت . بل صراع عالمي بين الولايات المتحدة التي قررت منذ الحرب العالمية الثانية أن تصبح مديرة للعولمة في دراسات سرّية كان على رأسها "ابن العم " ايزيا بومن والتي حددت اهداف الولايات المتحدة ما بعد الحرب لترث الامبراطورية البريطانية ولتسيطر كقوة وحيدة على العالم بدءا بمحاربة الشيوعية أو اي ايدولوجية مغايرة لا تقبل بالايدولوجية الرأسمالية على الطريقة الانغلوساكسونية الامريكية. قبل سفر الرئيس الامريكي روزفيليت الى مالطا للاجتماع بشرشل وستالين كتب جيمس بيرنهام James Burnham أحد اركان مكتب الخدمات الاستراتيجية OSS الذي سبق تأسيس وكالة المخابرات المركزية الامريكية الـCIA مذكرة موجهة الى الوفد الامريكي المتوجه الى اجتماع قادة الحلفاء الثلاثة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (روزفيلت، تشرشل وستالين ) والذي عقد في مالطا جاء فيها :" لا تستطيع الولايات المتحدة بالوصول

الى ما تريد كمدير للسياسة العالمية بمجرد الاقناع . يجب أن تكون القوة متوفرة سواء بطريقة غير مباشرة مثل فرض حظر اقتصادي مدمر أو بواسطة انفجارات القنابل" .

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي جاهر الامريكيون عبر رئيسهم جورج بوش الاب بأن نظاماً عالمياً جديداً قد بدء وتمّ بدءه بإخضاع أكبر منطقة هامة من الناحية الاستراتيجية والنفطية وهي منطقتنا . وتفاصيل ما حدث معروف بحيث تمّ جر صدام حسين لاحتلال العراق لتبرير اسباب احضار 500000 جندي امريكي الى الجزيرة العربية . كان ما يسمى بمبدأ بوش "الابن" سنة 2002 أكثر وضوحاً حيث قال : إن على العالم أن يقبل بالمُثُل والهيمنة الامريكية ومن لا يقبل بها فهو ليس معنا ومن ليس معنا فهو ليس منا ويحق للولايات المتحدة أن تشن الحروب الاستباقية عليه سواء بتفويض من الامم المتحدة او بدونه . كان غزو العراق واحتلاله هو أول تطبيق لهذا المبدأ .

إن ما يحصل من اقتتال وفتن في العالم العربي ما هو الا محاولة من الولايات المتحدة للحفاظ على احادية قطبها في منطقتنا وفي العالم و التي بدات تتحداه بلدان اخرى جوهرها الصين وروسيا من دول البركس . ولا يفوتنا أن نذكر أن الصهيونية هي الحاضر الغائب دوماً في هذه المصائب. لذلك فهذه الحروب هي حروب بالوكالة تديرها هذه القوى ويدفع ثمنها الغلابة والمساكين من الشعوب العربية التي تمّ تدمير البشر والحجر فيها لعشرات السنين . كما أن محاولة احياء قوة عربية مشتركة ما هي الا تكرار لمحاولة احياء حلف بغداد القديم .

إن اشعال الفتن المذهبية والطائفية والقومية هي احدى الوسائل اللاخلاقية التي يشعلها المتآمرون على الأمة العربية والاسلامية وآخرها الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة . كانت الولايات المتحدة هي من ادخلت النظام الطائفي في العراق بعد احتلاله مباشرة سنة 2003 . كان التحالف العلوي الايراني قائماً منذ ايام حافظ الاسد وشاه ايران ولقد حارب حافظ الاسد مع القوات الامريكية ضد عراق صدّام حسين ، ولم تكن ايران الثورة الاسلامية هي من بدأت هذا الحلف وإن استعملته في مقاومة خصومها هذه الايام . اما احداث اليمن الاخيرة فالتحالف اليمني لم يكن شيعياً حوثياً كما يردد الاعلام الغربي واتباعه بل شيعياً سنياً ركنه الاساس علي عبد الله صالح اللاشيعي والذي كان رجل الخليج وامريكا في اليمن لاكثر من ثلاثين سنة ولم يكن " ابو الشرعية" اليوم المسمى بالرئيس هادي سوى " طرطوره " ونائبه . افحلال على اسرائيل أن تحتل مقدساتنا وتتدخل في شؤوننا وحرام على بلد مسلم ان يتدخل كرد فعل على حصاره وغباء اعدائه ؟!.

واتسائل هنا ، وانا بالطبع لست شيعياً ولم أكن حزبياً الان او في أي يوم من الايام : اتسائل : بالله عليكم أين كانت ايران قبل الثورة سنة 1979 واين كانت مصر سنة 1970 وهي اكثر عدداً وعدّه ؟ تحالفت مصر مع الولايات المتحدة واصبحت تتلقى ثاني اكبر منحة سنوية منها بعد اسرائيل. وجاءها جيش من المدنيين والعسكريين زادوا عن (30) الفاً من الامريكان رواتبهم تأكل نصف مساعداتهم بإدعاء شراكة استراتيجية معها ، فأين هي الان بعد هذه السنوات ومليارات الدولارات والبترودولارات من اخوتنا في الخليج ؟ اين ذلك من ايران المحاصرة والمجمدة اموالها والتي تقدم هي المساعدات لحلفاءها الاخرين ، والتي طورت برامجها النووية وعلوم الفضاء ، وصناعاتها وبنيتها التحية التي يشهد لها الغريب قبل القريب . اللهم لا شماته ، فمصر عزيزة علينا جميعاً هي واهلها فمنها انطلق صلاح الدين لتحرير بلاد الشام و فلسطين من الصليبين . لكن المقارنة تستحق شيئاً من التامل والتعقل واستخلاص النتائج والعبر .

بالنسبة الى ما تبقى من نقاط فإلى حلقات قادمة قريباً إن شاء الله .

ولعزيزي الدكتور محي الدين عميمور كل المحبة والتقدير .

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل