النفط العربي في مهب الريح خطوة فخطوة: من السيطرة إلى الاحتـلال عــقـد الثمانينات بناء بنية عســـكريــة وتواجد خجول (2)
د. عبد الحي زلوم
اليوم كالأمس وأخشى أن يكون غد العرب كاليوم .
في 1980 أصدر الرئيس كارتر مبدأه - مبدأ كارتر- والذي اعلن عمليّاً منطقة الخليج بحيرة أمريكية ، تماماً كما فعل البريطانيون من قبله . أعلن كارتر مبدأه : " أي محاولة من أي قوة خارجيّة لحيازة السيطرة على منطقة الخليج الفارسي ، سوف تعتبر هجوماً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية ، وإن مثل هذا الهجوم سيتم صدّه بكافة الوسائل اللازمة ، بما فيها القوة المسلّحة . " أليس هذا بالضبط هو ما قاله وزير الخارجية البريطاني لانزداون ، الذي أصدر تحذيراً مماثلاً قبل 77 عاماً من كارتر ، حيث أعلن في 9031 فور بدء الحفر لاستخراج النفط في إيران أن الحكومة البريطانية :" تعتبر إنشاء أي ميناء بحري محصّن في الخليج الفارسي من قبل أي قوة أخرى ، تهديداً بالغ الخطورة للمصالح البريطانية ، وأننا بالتأكيد سنتصدى له ونقاومه بكل الوسائل المتاحة لنا." وكما كانت البحرين مركزاً لقيادة الاسطول الملكي البريطاني في الخليج سابقاً أصبحت مركزاً لقيادة الاسطول الخامس الامريكي لاحقاً. وهذا برهانٌ دامغ على أن الولايات المتحدة قد عهد اليها بارونات المال العالمي لتكون حصان طراودتهم بدلاً من الامبراطورية البريطانية المتهالكة والتي فقدت دورها.
وبعد ثورة 1979 الإسلامية بقيادة آية الله الخميني وخلع الشاه ، شجّعت الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب العراق على أن ينتهز الفرصة ويزعزع نظام الخميني ، وكانت الفكرة تتلخص في أن شطّ العرب يمكن له أن يصبح ممرّاً مائياً عراقيّاً خالصّاً ، وكان الرئيس العراقي احمد حسن البكر معارضاً لهذا المخطط بينما أيّده صدّام ، وأصبح صدّام رئيساً في 1979 عندما استقال البكر ، وتمّ إعدام أعضاء حزب البعث المعارضين بعد ذلك بوقتٍ قصير.
كانت الخطوة التالية جر صدام لمعركة مع ايران . ففي 1980 ، وبوجود رعايا أمريكيين محتجزين كرهائن في السفارة الأمريكية في طهران ، كانت الولايات المتحدة متلهفة لتوجيه ضربة ضد الثورة الإسلامية، إلا أن محاولة الرئيس كارتر لتحرير الرهائن بعملية خاصة انتهت بكارثه ، وفي هذه الاثناء كانت دول النفط في الخليج متخوفة من تهديد الثورة لهم ، ومن مصير مماثل لمصير المشاه .
كان صدّام حسين الآن قد ألغى اتفاقيته حول شط العرب التي وقعها هو بنفسه مع شاه إيران والتي بموجبها تمّ الاتفاق على تقاسم شط العرب بين الدولتين، فحرضت إيران على خلعه والانقلاب عليه. كذلك راجت ادعاءات حول قيام إيرانيين بمحاولات اغتيال لمسؤولين عراقيين . إلا أن ما رجح الكفة نحو حربٍ شاملة انما كان الموافقة الضمينة لواشنطن على أنشطة صدّام المعادية لإيران ، والوعد الذي قطعته دول النفط بما فيها العربية السعودية لتمويل حربه ضدّ إيران . وجاء الإشعار الأخير لبدء الحرب خلال الزيارة الرسمية التي قام بها صدّام في 1980 للعربية السعودية ، وهي أول زيارة– إطلاقاً - من رئيس عراقي ، وطبقاً للمحقق الصحفي بوب باري في مقالته " تاريخ أميركي/عراقي مفقود:" .. ويقول القادة السعوديون أيضاً انهم حثوا صدّام على نقل الحرب إلى النظام الإيراني المتشدّد، كما أبلغوه أن قولهم يتضمن " ضوءاً أخضر " للغزو من الرئيس كارتر."
وهكذا غزا صدّام إيران في 22 أيلول 1980 ، وبعد مضي ستة أسابيع - لا أكثر - على زيارته الرسمية للعربية السعودية . ودارت رحى حرب طاحنة بين العراق وإيران على مدى ثماني سنوات ، وكان الخط الرسمي للولايات المتحدة هو الحياد ، إلا أنه في الواقع بقي وفيّاً لمقولة كسينجر المأثورة والمشهورة بأنه في الحروب يكون هناك - في العادة - رابح وخاسر ، أما في الحرب العراقية الايرانية فيجب أن يكون هناك خاسران .
عِبْرَ حلفائها أولاً ، ثمّ بصورةٍ مباشرة ، زودت الولايات المتحدة العراق بالمعلومات الاستخبارية من الأقمار الصناعية ومن مصادر أخرى لتمكينه من إيقاع افدح الخسائر بالإيرانيين ؛ ولكنها وفي نفس الوقت كانت تزود إيران بقطع الغيار وبالأسلحة ، كما تمّ الكشف عنه في فضيحة إيران/كونترا. وكان على رأس الجهود الرامية لتسليح العراقيين مدير المخابرات المركزية وليام كيسي ونائبه روبرت جيتس .
كذلك باعت الولايات المتحدة العراق تكنولوجيا ثنائية الاستخدام ( يمكن استخدامها لأغراض عسكرية ومدنية) وتمّ دفع فواتيرها من دول النفط . وفي مقالةٍ نشرتها نيوزويك في عددها المؤرخ 23 أيلول 2002 كشفت عن أن الرئيس ريغان سمح ببيع قواعد بيانات حاسوبية للعراق كان من الممكن استخدامها في تتبع خصومه السياسيين مع شحنات من المواد التي استخدمها في إنتاج الجمرة الخبيثة (الأنثراكس ) ، وترسانات من الأسلحة الكيماوية .
بعد حرب دامت 8 سنوات ، تركت البلدين في ذات الاماكن التي كانوا فيها عندما بدأت الحرب في 1980 , إلا أنها تركت الاقتصاد العراقي ممزقاً غارقاً في الديون ، ففي حين كان العراق يملك فائضاً قدره 30 مليار دولار عند بدء الحرب أصبح مديناً بــ100مليار دولار عند انتهائها، وزيادة على ذلك، قتل أو جرح اكثر من مليون عراقي بينما قاست إيران خسائر مماثلة . وهكذا يبدو أن عبارة كسينجر قد تحققت : كلا البلدين خرجا من الحرب خاسرين.
وبخصوص زيارة رمسفيلد لبغداد في 1984 كتب تيشرأحد مرافقيه : " سافرت مع رمسفيلد إلى بغداد ، وكنت حاضراً في الاجتماع الذي أخبر فيه رمسفيلد وزير الخارجية العراقي عزيز عن عرض اسرائيل بالمساعدة . وقد رفض عزيز حتى قبول الرسالة الاسرائيلية لصدام حسين بغرض المساعدة لأن عزيز أعلمنا بأنه سيعدم على الفور من قبل صدام فيما لو فعل ذلك .
وأضاف تيشر : وفي 1986 أرسل الرئيس ريغان رسالةً سرّية إلى صدّام حسين يبلغه فيها أن على العراق أن يصعد من حربه الجوية ومن قصف إيران ؛ وقد سلّمت هذه الرسالة من قبل بوش نائب الرئيس ، والذي أبلغها للرئيس المصري حسني مبارك ، والذي بدوره مرّر الرسالة إلى صدام حسين .
توسعة قوات الولايات المتحدة في الخليج
وبدءاً من العام 1983 تمّ توسعة قوات الولايات المتحدة ، وعرضت أن تقوم بمرافقة ناقلات نفط الكويت خلال حرب العراق/إيران ، وحشدت الولايات المتحدة 24 سفينة حربية رئيسية و 16,000 جندي تحت ذريعة المرافقة والحماية هذه ، وبالاسم الرمزي إيرنست ويل . وبعد التحاقه بمهمته الجديدة التحق شوارزكوف بمدرسة الخدمة الأجنبية في آرلنجتون بفرجينيا ، وكان الإجراء الأول لشوارزكوف هو دراسة تاريخ الرئيس العراقي صدّام حسين ونمطه السيكولوجي ، وكذا دراسة الألة العسكرية العراقية .
وأصبح لدى الولايات المتحدة الآن - بصفتها القوة المطلقة الوحيدة - سبب أكثر من أي وقت مضى للسيطرة على النفط.
· ففي عام 1989 استوردت 45 بالمائة من نفطها ، كما أشارت دراساتها الى أنه ربما كان عليها أن تستورد أكثر من 65 بالمائة من نفطها مع نهاية عقد التسعينات من القرن العشرين.
· حوالي 40 بالمائة من عجز الميزان التجاري للولايات المتحدة عام 1989 ناشيء عن وارداتها النفطية
· جورج بوش ، لا يفهم النفط فقط ، وإنما ملك - في وقت ما - شركة نفط ؛ وهو على دراية بهذا العمل ، ولذا فهو مؤهل للغاية لوظيفة مدير عمليات السيطرة على نفط العالم ، إلى جانب أنه – في وقت ما ايضا - كان مسؤولاً عن إدارة وكالة الاستخبارات المركزية ، ولذا يعتبر واحدا من أيقونات ورموز مؤسسة الأمن القومي الأميركي.
· وكذلك كان ديك تشيني وزير الدفاع ، أحد شخصيات المؤسسة لوقت طويل ، ومما يدعو للسخرية أنه بعد مغادرته واشنطن أصبح رئيساً تنفيذيا لشركة خدمات نفطية مقرها تكساس..
· كولن باول - رئيس الأركان - كان عضواً في مؤسسة الأمن القومي ، كما سبق له وعمل مستشارا للأمن القومي أيضاً .
· برنت سكوكروفت ، مستشار الأمن القومي .. كان نائباً لهنري كيسنجر في سنوات نيكسون ، وحتى عندما كان خارج الحكومة .. كان يعمل لحساب مشاركي كيسنجر.
· وهؤلاء الناس المؤهلون .. بمقدورهم الاسهام في سرٍّ مشترك، وكان هذا السرّ هو إقامة نظام عالمي جديد لفترة ما بعد الحرب الباردة .. مؤداه جعل سيطرة الولايات المتحدة على النفط العالمي في قمة أولوياته.
شعر صدّام بأن دول النفط مدينين له بالكثير خلال الصراع مع إيران، ولاسترداد عافية اقتصاده أراد منهم شطب ديون العراق ، إلا أنهم لم يكونوا راغبين في عمل ذلك ، فطلب من الكويت قرضاً بقيمة عشرة بلايين دولار إلا أنها رفضت ولقد كان تحريك صدّام لقواتٍ جنوباً صوب الحدود الكويتية ظاهرا، ليس فقط للأقمار الصناعية الأميركية ، وانما حتى للمراسلين الغربيين. إلا أن صدّام كان قد تم تضليله من قبل إبريل جلاسبي سفيرة الولايات المتحدة لدى بغداد ، حيث أبلغته أن الصراعات العربية/العربية لم تكن لتعنى الولايات المتحدة . وعندما سئل أحد رسميي الإدارة في الكونـﭽرس عن رد فعل أميركا فيما لو تم غزو الكويت أجاب : " لا توجد لدينا اتفاقية دفاعية للدفاع عن الكويت ."لم يكذب هذا المسؤول لكنه قال نصف الحقيقة.
وفي 1990 وجدت الولايات المتحدة نفسها في وضع فريد : لقد كانت القوة المطلقة الوحيدة في العالم بعد الانفجارالذاتي للاتحاد السوفيتي، وأضحى الوقت ناضجا لخلق العولمة الاقتصادية والسياسية لتشمل العالم بأكمله . وهكذا أعلن الرئيس جورج بوش أن نظاماً عاليماً جديداً قد بدأ.
ووقع صدام بالمصيدة !!