"الخلايا النائمة " التي لا تنام ! عباس لياسر عرفات والسادات لبعد الناصر
د. عبد الحي زلوم
تقول دراسة جديدة لمركز ابحاث الامن القومي الاسرائيلي أن :" مستقبل عباس السياسي والاقتصادي، ومثله بقية مسؤولي منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ، مرتبط بكونه جزءأ من بقاء السلطة والمنظمة ، هذا الارتباط هو سبب كافٍ لمنع هؤلاء المسؤولين من المناورة لحل السلطة."
اذا كان الحل هو في حل السلطة ، وهو كذلك ، بما فيها من تنسيق أمني اصبحت السلطة ومنظمة تحريرها مقاولين لحراسة المستعمرات في الضفة الغربية والمستعمرين الذين يعيثون فيها فساداً في الضفة الغربية، واذا كان التنسيق الامني يعني التجسس لمصلحة العدو على افراد الشعب الفلسطيني ، وإذا كانت هذه الطبقة الفاسدة على رأس السلطة تفضل مصالحها الاقتصادية قبل مصالح القضية الفلسطينية وثوابتها، واذا كان هؤلاء المتسلقون للوصول الى السلطة على اشلاء شرفاء المقاومة، اذن اصبح النضال ضد هؤلاء الفاسدين المتسلقين هو الاولوية قبل التصدي للاحتلال لانهم هم خط الدفاع الاول عنه ، وهي اول الخطوات اللازمة لاعادة حركة التحرير الفلسطينية لتصبح حركة تحرير لا حركة " تأجير" للخدمات الامنية لحماية الاحتلال .
ولكن ، إذا كان محمود عباس يفخر أنه لم يطلق رصاصة واحدة في حياته، وإذا كان طوال حياته يدعو " للنضال" عبر التفاوض مع الاحتلال دون مقاومة على الارض وإذا كان مثل هذا اللامنطق يتناقض مع كل حركات التحرير في العالم ، واذا كان الواجب على النبيه أن يتعلم من غيره فكيف يمكن حتى للغبي الذي لا يتعلم حتى من نفسه الاستمرار في مسار المفاوضات العبثية والابدية وفي سلطة هدفها تثبيت الاحتلال عبر تقديم الخدمات المخجلة له ولمستوطنيه؟
في علم الادارة شاع ما اسموه بالانجليزية process re-engineering مختصره أن في عمليات المراجعة الادارية فإن أي سؤال يجب اعتباره مشروعاً للوصول الى الحقيقة وإعادة الهيكلة . لذلك فلن اتحرج في السؤال عن ياسر عرفات وكيف انه اتخذ من مثل محمود عباس ملازماً أولاً وثانياً وثالثاً له طوال عشرات السنين ، وكيف أنه قام بتسليمه مفاصل القضية بمفاوضات اوسلو التي فرطت بثوابت القضية الفلسطينية ؟ وعلى أي اسس قام بإختياره من كل عباد الله الصالحين ؟ ولماذا أجهد المفاوضات العلنية التي كان يقودها رجال وطنيون بإمتياز أمثال الدكتور حيدر عبد الشافي بينما كان عباس وبطانته يفاوضون من وراء ظهورهم في الظلام ؟ هل كانت وظيفة عرفات وبطانته اجهاض الثورة الشعبية الاولى للإحتلال ، تلك الثورة التي اجتمعت فيها كل القوى الامنية العسكرية والمخابراتية لدولة الاحتلال لاكثر من خمس سنوات ولم تزدها الا اشتعالاً! الحقيقة المرة أن ديناصورات المنظمة لم يسَُرهم أن يروا ثوار حقيقين لا ثوار خمسة نجوم .اذا كنا نُعيب على عباس وديناصوراته التنسيق الامني مع الاحتلال ، فماذا يا ترى يمكننا أن نقول حين نعلم أن ياسر عرفات كان المنسق الامني الاول مع الاحتلال؟ وان ياسر عرفات قد عيّن محمد دحلان قائداً لفرقة الامن الوقائي والمكونة من 15000 فرد ، كما كانت أول أعماله عند دخوله فلسطين هو ارسال محمد دحلان للتنسيق الامني مع وكالة المخابرات الامريكية في تل ابيب وبالتالي مع الشين بت والموساد ؟ وهل كانت صدفةً أن مركز هذا الأمن الوقائي كان في غزة والتي كانت هي مركز الشراره التي انطلقت منها قيادة الثورة "الانتفاضة " الاولى ؟ ألم يعتقل الأمن الوقائي الأف مؤلفة من
المقاومين الشرفاء وكلهم من شباب الثورة الانتفاضة و الذين عجز الكيان الصهيوني من الوصول اليهم فوصلهم ابطال أوسلو ؟ ولصالح من تم ؟
ولكي لا اتهم بأني حماس أقول أني لم انتسب في أي يوم في حياتي الى أي حركة او حزب فلسطيني أو عربي أو دولي مع ان مثل ذلك الانتساب يجب أن لا يكون تُهمة.
لم تكون نتائج اوسلو صفراً ولكنها دون الصفر و كارثية . بعد اوسلو اعترف العالم باكثره بدولة الكيان الصهيوني . نصف العالم ( الهند والصين) أصبح لديهم علاقات استراتيجية مع هذا الكيان الذي لم يعترفوا به قبل اوسلو . قالوا لانفسهم ؟ لماذا نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين انفسهم .
دع الارقام تتكلم ودعنا من النثر والشعر والمديح والهجاء . هذه بعض نتائج أوسلو من 1994 حتى سنة 2013:
قام الاحتلال بتوسيع المستوطنات في كافة ارجاء الضفة الغربية بما فيها القدس وتضاعف عدد المستوطنين من 262,599 إلى أكثر من 520،000 مستوطن.
إستحوذ الاحتلال على 80% من المصادر المائية ويستهلك المستوطنون 6 أضعاف ما يستهلكه 2.6 مليون فلسطيني في الضفة!
في الوقت الذي يقوم الاحتلال ببناء المستوطنات دمر أكثر من 15000 بيتاً وعمارة في الضفة.
تحت عنوان توسيع المستوطنات تم الاستيلاء على 42% من مساحة الضفة الغربية والتي هي أصلا لا تشكل إل 22% من الأراضي الفلسطينية ! وعباس ومشاركوه ما زالو يفاوضون!
يوجد في الضفة بالاضافة للمستوطنات المرخصة من الاحتلال 100 مستوطنة غير مرخصة.
في سنة 2011 وحدها تم خلع أكثر من 10,000 شجرة زيتون لعائلات فلسطينية.
في القدس تم هدم أكثر من 1600 منزل و 86000 مقدسي مهددون بهدم بيوتهم . تم تقييد حركة سكان الضفة بواسطة 550 نقطة تفتيش
تم بناء السور بطول 708 كيلومتر مما جعل أو سيجعل 9.4% من أراضي الضفة والقدس في غير متناول اصحابها . 55000 مقدسي تم فصلهم عن مركز المدينة بواسطة الجدار. كما قام الاحتلال بنزع الاقامة عن 11200 مقدسي.
والأنكى من ذلك كله إن ناتج نظام الضرائب والجمارك تمول بل وتزيد عن كلفة الاحتلال مما يجعله أول إحتلال مربح في التاريج. والشكر طبعاً لأوسلو وابطال أوسلو. وهل أنا بحاجة إلى تعليق بعد هذا كله؟
لكن أتسأل ما الذي يجب أن يفعله الشعب الفلسطيني في من تسبب في كل هذه الجرائم؟
الفرق بين عرفات وعباس ان الاول اتعظ بنفسه ولو بعد فوات الاوان، فأراد أن يراجع حساباته الارتجالية والانفرادية التي ادت الى تراجع القضية فتم تصفيته . جاء من بعده بطانته وكلهم من رجالاته وعلى رأسهم عباس وأصبحوا جاهزين للنزول في مناقصة مع الاحتلال على من هو الاكثر تفريطاً لثوابت القضية الفلسطينية الى أن وصلنا الى ما نحن فيه.
ولكن هل ظاهرة فشل الثورة الفلسطينية هي ظاهرة فلسطينية أم انها ظاهرة عربية بإمتياز تدل على عدم وضوح الرؤية والارتجال وانعدام ALMUA'ASASIYAH ؟ لذلك سنأخذ ظاهرة الانقلاب المصري في 23 يوليو 1952 والذي حاول قائده ان يحوله الى ثورة ولكن أيضاً بعد فوات الاوان . ودعنا نرى أوجه التشابه في الفشل بين الحركتين.
كان جمال عبد الناصر وطنيا بإمتياز ، وكان وهو ابن الثانية والثلاثين حين نجاح الانقلاب قليل الخبرة في الشؤون الدولية لكي لا أقول ساذجاً . رأى أمامه الانجليز في أكبر قاعدة بريطانية في العالم على ضفاف السويس. عندما اتصلت به وكالة المخابرات المركزية قبل قيام الانقلاب وجد فيها قوّة قد تكون له عوناً على التخلص من الانجليز وكأن الــCIA جمعية خيرية تجوب العالم تفتش عن حركات التحرر الوطني لمساعدتها . منذ سنة 1951 كانت الــCIA تبحث عن قائد له كازيزما ليقاوم التفوذ الشيوعي في المنطقة. كان اسم المشروع داخل الــCIA " البحث عن بيلي غراهام المسلم ." ظن عبد الناصر والـــCIA كل ضالته بالاخر . كان الاجتماع الاول لعميد وكالة المخابرات الامريكية في الشرق الاوسط كيرمت روزفيلت في مارس سنة 1952 أي قبل 4 شهور من القيام بالانقلاب . لعل هذا كان نفس منطق ياسرعرفات حين ارسل رجله دحلان ( والذي وصفه جورج بوش الابن بأنه – رجلنا - ) الى تل ابيب . كانت ثقة الشاب الوطني الثائر جمال عبد الناصر في الولايات المتحدة لدرجة أنه أوكلها عملية إعادة هيكلة المخابرات المصرية ووزارة الداخلية. كانت الاتصالات تجرى على مستوى CIA وكذلك السفارة الامريكية في القاهرة وكان محمد حسنين هكيل أحد حلقات الاتصال . ارسل رئيس المخابرات المصرية زكريا محي الدين الظابط حسن التهامي الذي كان يحمل رتبة رئيس آنذاك الى واشنطن كظابط ارتباط حيث تم تعريفه بالخدمات المخابراتية التي يمكن للولايات المتحدة تقديمها عبر وكالة المخابرات المركزية CIA ومكتب التحقيقات الفيدرالي FBI . كما ارسلت الـــCIA العميل Paul Lineburger مستشاراً لوزير الاعلام لتقديم المشورة لادارة الاعلام في راديو القاهرة والصحف المصرية . من المعقول الافتراض أن الــCIA قد زرعت عناصرها في اجهزة المخابرات المصرية مما سهل قراءة عبد الناصر وافكاره وخططه ، مما سهل عمليات الانفصال وتفكيك الجمهورية العربية المتحدة ، وجره للانزلاق الى حرب اليمن بل جرّه ايضاً الى حرب 1967 دون تخطيط لها ونتائجها الكارثية الني نقاسي منها حتى يومنا هذا.
كان لجمال عبد الناصر ( عبّاسه) وكان ذلك العباس هو أنور السادات . إدعى رجل كل الرؤساء والعصور محمد حسنين هيكل أنه هو من اوصى جمال عبد الناصر بإعتماد أنور السادات نائباً له قبل وفاته بقليل . توفي عبد الناصر وترك وراءه السادات وهيكل الناصري الاصيل والذي تعاون مع السادات في القضاء على كافة رجالات عبد الناصر ، وكافة برامجه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، فجاءوا بالانفتاح فالانبطاح . في الحالتين المصرية والفلسطينية جاء نواب الرئيسين ليمحوا ما قام به رئيسهما السابقان.
مع احترامي لوطنية عبد الناصر وعرفات ، فإذا كانت الامور بخواتيمها ، جاء عبد الناصر ومصر بها قاعدة محتلة في السويس ، وكانت مصر والسودان دولة واحدة ، كانت بعض فلسطين محتلة فتم احتلالها كاملةً من البحر الى النهر . و توفي رحمه الله وقد انفكت السودان عن مصر، وسيناء محتلة . جاء ياسر عرفات بثورة كانت كل شعوب العالم العربي والاسلامي وحكوماتها تساندها وترك رحمه الله من ورائه ديناصورات يقومون جهاراً نهاراً بخدمة الاحتلال و مصلحتهم الشخصية ، ومن بعد ذلك الطوفان .
الشعب الفلسطيني بحاجة الى قيادة شعبية تخرج من تحت رماد وركام هؤلاء المتسلقين على اجساد شهداء الثورة ، الى قيادة كما في ثورة الانتفاضة الاولى! ونحن بحاجة إلى تكنيس أوسلو وسلطتها إلى مزبلة التاريخ. من هنا تكون بداية التحرير !
ترك عبد الناصر لمصر انور السادات والاستاذ الناصري الكبير محمد حسنين هيكل ، وترك لنا عرفات محمود عباس .
ما المشكلة؟ هل ترك لنا نزار قباني الجواب في بعض أبيات قصيدة كتبها بعد نكبة 1967 حين قال:
خلاصةُ القضيّهْ ...
توجزُ في عبارهْ ...
لقد لبسنا قشرةَ الحضارهْ ..
والروحُ جاهليّهْ...
بالنّايِ والمزمار.. .
لا يحدثُ انتصار ...
نجعلُ من أقزامنا أبطالا.. .
نجعلُ من أشرافنا أنذالا.. .
مستشار ومؤلف وباحث