الحلقة الرابعة: نتائج حرب اكتوبر ماذا قال الملك فيصل لكسينجر قبل اغتياله ؟ احتلال منابع النفط ؟

د. عبد الحي زلوم

بعد انتهاء مسرحية حرب اكتوبر طار كيسنجر إلى الرياض لمناقشة إمكانية رفع الحظر النفطي مع الملك فيصل. عقد كيسنجر مع الملك فيصل اجتماعاً منفرداً دام ساعتين ، بدأها الوزير الأميركي بعبارات مجاملة في محاولة للتأثير على الملك ، عندما قال له بأنه اطلع على مراسلات الملك مع الرؤساء كيندي وجونسون ونيكسون . وأضاف أنه واستناداً إلى هذه الخلفية يعتقد بأن " للملك ما يبرره في الشعور بخيبة الأمل تجاه السياسة الأمريكية" ، وكان الملك فيصل قد حصل على وعود من جونسون ومن نيكسون من بعده بأن إسرائيل ستنسحب من الأراضي المحتلة. تحدث كيسنجر بشكل عام عندما قال بأنه يشعر بالتفاؤل حيال إمكانية التوصل لاتفاقية ، وبأن انسحاباً إسرائيلياً من نوع ما متوقع قريباً .

ويوثق كتاب " النفط ، الله والذهب " ، لمؤلفه انطوني كيف براون Anthony Cave Brown ، ما دار في اجتماع الملك فيصل وكيسنجر بالقول " استهل الملك الحديث بينما كان كيسنجر يستمع باهتمام، حيث وصف الملك فيصل نفسه بأنه مناهض شرس للشيوعية والصهيونية ، حيث اتهم اليهود بالعدوان والتوسع ، مشيراً إلى أنه على يقين بأن اليهود هم وراء الثورة الشيوعية في روسيا ... كان الملك فيصل يؤمن بأن على اليهود (يعني إسرائيل) التخلي عن الأرض العربية بما فيها القدس. كان فيصل شخصياً يتمنى الصلاة في المسجد الأقصى قبل أن يموت ، وأن يتجول في باحة الصخرة في القدس دون أن يطأ أرضاً تقع تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي . ومما قاله الملك لكيسنجر بأنه يريد عودة القدس عربية إسلامية من جديد . وعندما أشار كيسنجر إلى أن اليهود يعتبرون حائط المبكى مكاناً مقدساً لديهم ، استنكر الملك مثل هذا القول ، مضيفاً بأن بالإمكان إقامة حائط آخر لهم في مكان آخر حتى يمكنهم البكاء أمامه". وفي ظل مثل هذا الموقف المتصلب من ملك يجلس فوق أكبر احتياطات نفطية في العالم ، وصاحب أجندة تتعارض كلياً مع أجندة كيسنجر ، فقد كان لا بد من الإقدام على شيء ما ، فهل كانت مصادفة أن تم اغتيال الملك فيصل بعد ذلك بفترة قصيرة ؟

احتلال حقول النفط

ينطلق الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً من مفهوم أنهم هم من إكتشف النفط وأنهم هم من يستعمله في مدينتهم التي أصبحت لا تستطيع العيش بدونه وأنه كان صدفة جيولوجية تحت أراضي العرب والمسلمين بل وانهم لا يستحقونه . وقليل جدا ممن يجب أن يهمهم الأمر يعرفون أن الإستيلاء على المصادر النفطية العربية كان في صميم التفكير الاستراتيجي الأمريكي حتى حينما كانت امريكا متخمتةً بالنفط فما بالكم حينما اصبحت مستوردةً له ؟

ففي30 يونيو 1943 ، أصدر الرئيس روزفلت قراراً بتشكيل شركة الاحتياط البترولي المملوك من الدولة ، التي ستتملك كامل حصص امتياز أرامكو في السعودية . وجاء القرار المذكور بناء على توصية رفعها للرئيس روزفلت نائب وزير البحرية الأمريكية ، اقترح فيها استملاك الحكومة الأمريكية لشركة أرامكو بعد أن أصبح من الأهمية بمكان أن يصبح للولايات المتحدة احتياطات نفطية كافية خارج الأراضي الأمريكية ، وذلك بالطريقة نفسها التي تملكت فيها الحكومة البريطانية بترول إيران عبر شركة بريتش بتروليوم. بعدها تم تسمية وزير الداخلية هارولد آيكس رئيساً للشركة الجديدة ، في حين تم تعيين آيب فورتاس Abe Fortas (وهو يهودي) سكرتيراً للشركة ، وتم عقد أول اجتماع لإدارة هذه الشركة بتاريخ

19 أغسطس 1943 ، بحضور وزير الحرب بالوكالة جون مكلوي John McCloy وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ومعارضة اللوبي النفطي لمبدأ تملك الحكومة لشركات القطاع الخاص تم تجميد المشروع.

عندما قرّرت شبكة تلفزيون الجزيرة المعروفة عمل حلقتين وثائقيتين مدة كل منهما ساعة حول كتابي "حروب البترول الصليبية – أميركا بعيون عربيةً" ، قمت و مخرج الحلقات بوضع قائمة بالشخصيات التي سيتم مقابلتها ، استناداً إلى من تم الاستشهاد بأقوالهم من تلك الشخصيات في كتابي .. ومن بين هؤلاء كان جيمس إيكنز ، وهو سفير سابق للولايات المتحده لدى العربية السعوديه أوائل سبعينيات القرن الماضي ، وفي كتابي ذاك ذكرت قصة كان رواها إيكنز حول نفس موضوع احتلال حقول النفط.

قابلت الجزيرة إيكنز لعرض المسلسل الوثائقي ، وفيما يلي النص الحرفي لما قاله وكما بثته قناة الجزيرة :

" عندما طلع علينا كيسنجر بخطته لاحتلال حقول نفط الشرق الأوسط ، سُئلتُ عمّا كان قد نُشر في مقالة بمجلّة " هاربر " كُتبت من قبل كاتب مجهول دعا نفسه " الجندي المجهول" ولم يعرف أحد حقيقة هويته إلا بعد ردح من الزمن.

وكان كاتب المقالة اقترح على الولايات المتحده احتلال حقول النفط العربية من الكويت وحتى دبي، مع إحضار موظفين من تكساس وأوكلاهوما لتشغيل هذه الحقول وترحيل جميع مواطني هذه البلدان إلى نجد (في العربية السعودية) ، بحيث تخلو المنطقة بكاملها من مواطنيها العرب ، ونقوم نحن بإنتاج النفط لمدة الخمسين أو السبعين سنة القادمة إلى أن تجف حقول النفط . بحثت الخطة مع أرامكو ( شركة النفط السعودية الأميركية) فارتعبوا، إذ من السذاجة بمكان أن يجول بخاطر المرء مثل هذا الحلم، وقد سألتني وسائل الاعلام الأميركية عن هذه الخطة ، وكنت حينها سفير أميركا لدى العربية السعودية ، فأبلغت وسائل الإعلام الأميركية بأن من يفكر بحل أزمة الطاقة الأميركية بهذه الطريقة إما أن يكون مجنوناً أو مجرماً أو عميلاً للاتحاد السوفيتي ، ويبدو ان هذه الكلمات لم تسّر ذاك الذي كتب مقالة "هاربر" ، وكنت أعتقده أحد حمقى وكالة الاستخبارات المركزية أوالبنتاﭽون ، حيث لم أكن أعرف بعد من قد يكون ، وأخيراً عرفت : لقد كان رئيسي كيسنجر، حيث لم ألبث بعدها أن طُردتُ "

أمّا أن مثل هذا الخيار كان تمّ اعتباره جديّاً، فقد ورد ذكر ذلك في دراسة لكلية الدراسات العليا للأعمال في هارﭭﺎرد تحت عنوان : السيطرة على النفط العالمي . وعلى الأغلب ونظراً للمخاطر التي ينطوي عليها مثل هذا التصرف في عالم ثنائي القطبية فقد تم تبني نهج الخطوة خطوة ، كما أطلقت الولايات المتحدة العنان لنظامٍ مالي عالمي جديد بعد إلغاء قابلية تحويل الدولار إلى ذهب في 1971، مما أدى إلى إحداث متغيرات اقتصادية ومالية كثيرة في الولايات المتحدة وعبر العالم .

انشغلت الدوائر العليا في واشنطن طوال عام 1973 بمناقشة الخطط الحربية الخاصة بالاحتلال الفعلي لحقول النفط في الشرق الأوسط ، إلاّ أن انطباعًا غلب في النهاية مؤداه بأن الوقت لا يزال مبكرًا للإقدام على هذه الخطوة. بدأ العد التنازلي لاحتلال منابع النفط في الخليج خطوة خطوة.

في سنة 1977 صرح وزير الدفاع الأمريكي هارولد براون Harold Brown أن مشكلة النفط"هي أكبر تهديد للأمن القومي الأمريكي على المدى البعيد".

ثم نشرت مجلة فورتشن في عددها الصادر في 7/5/1979 السيناريو المتوقع للعبة الحرب هذه في الخليج العربي، حيث وصفت الكيفية التي سيكون عليها رد الفعل الأميريكي في حال قيام العراق بغزو الكويت بسبب النزاعات الحدودية وغيرها. وفي الصفحة 158، وتحت عنوان "إذا قام العراق بغزو الكويت والسعودية..."، قالت المجلة: "تتمكن القوات المدرعة العراقية مستخدمة في معظمها معدات سوفيتية، من اجتياح اي من الدولتين بكل سرعة. وفي حال طلبها، فإن المساعدة الأميركية ستكون في البداية عبارة عن ضربات جوية تكتيكية أميركية ضد القوات المدرعة العراقية وقواتها الجوية – وربما بعض التهديدات بتدمير المنشآت النفطية العراقية. ولطرد القوات البرية العراقية، فستكون هناك حاجة إلى قوات المارينز من الأسطولين السادس والسابع، ولقوات المشاة من الفرقتين الـ 82 والــ101 " وصوّرت هذه الخطة "جيشاً في السماء" لتحريك القوات واستخدام الجسر الجوي الاستراتيجي لقوات سلاح الجو الأميركي – المكون من 70 من طائرات C-5A العملاقة و234 طائرة C-141 الأصغر حجماً، إلى جانب 700 من طائرات KC-135 المستخدمة في تزويد الطائرات بالوقود أثناء تحليقها في الجو." رأت تلك الدراسة نفسها بأن عرب الشمال (خصوصاً الفلسطينيين) في الخليج ، واليمنيين في الجزيرة العربية يشكلون عناصر عدم استقرار ، ويفضل العيش دون وجودهم في أول فرصة سانحة. وكانت هذه الفرصة هي حرب الخليج الأولى.

تم تكوين قيادة للتدخل السريع في الخليج العربي، وكذلك تكوين القيادة المركزية Central Command . في "الرسالة للأمة" لسنة 1980 أعلن كارتر مبدأه، والذي عبر فيه "بالاعتماد الهائل للديمقراطيات الغربية على بترول الشرق الأوسط" مهدداً باستعمال القوة لتأمينها ، ومحذراً "بأن أي محاولة ... للسيطرة على الخليج الفارسي ستعتبر هجوماً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية ... وسوف يتم صدها بكل الوسائل الضرورية، بما في ذلك استعمال القوة العسكرية".

ثم بدأنا نرى بنية تحتية جديدة من المطارات والموانئ ذات استعمال مزدوج (مدني وعسكري)، وكذلك المدن العسكرية التي أنشأها أهل النفط في سائر دول الجزيرة العربية، وكذلك زيادة في الأساطيل العسكرية التي جعلت من الخليج بحيرة أمريكية. أما كيف حصل ذلك خطوة خطوة وفق ذرائع مختلفة، فكان وفق سيناريوهات محكمة ، فأصحاب النظام العالمي الجديد هم أصحاب هوليود ، لا تعوزهم السيناريوهات والإخراج، واستمر التصعيد خطوة خطوة، حتى كانت حرب الخليج الأولى، درع صحراء انقلبت بقدرة قادر إلى عاصفة.

وضعٌ فريد : قوة عظمى وحيدة بدون نفط

في عام 1989، استوردت الولايات المتحدة 45% من نفطها ، وتشير دراساتها أنه قد ينبغي عليها استيراد أكثر من 65% من النفط مع نهاية عقد التسعينيات! وقد كان حوالي 40% من العجز التجاري

الأميريكي عام 1989 ناجماً عن الواردات النفطية، وأصبح بمتناول يد أميركا الآن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ان تخلق الاعذار والاشباح لتخويف أهل النفط ليأتوا بالجنود الامريكيين الى البنية العسكرية التي تمّ انشاؤها في فترة الثمانينات لتطمئن قلوبهم من تهديدات الاشباح ولكي تجلس القوات الامريكية في تلك القواعد وتحتها حقول النفط . وبذلك تصبح مخزوناتها النفطية آمنة تحت السيطرة الأميركية.

عمليات التخويف من اخطار الأشباح على قدم وساق . بالأمس كان صدام حسين، اليوم انها إيران وشبح الغد لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم في واشنطن!

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل