الحلقة الثانية: البعد النفطي لحرب أكتوبر: كيف رفع كيسنجر اسعار النفط.. وكيف اعاد تدوير عائداته
د. عبد الحي زلوم
في البداية يجب أن نترحم على الشهداء الأبطال الذين شاركواً في تلك الحرب واعطواً أرواحهم رخيصة في سبيل عزة دينهم ووطنهم. كان تخطيط قيادتهم العسكرية مفخرة في العلوم العسكرية وأثبتواً أن الجيوش المصرية والعربية قادرة على التصدي لخرافات تفوق الجيش الاسرائلي الذي لم يحقق يوماً نصراً إلا نتيجة تقاعس أو غباء أو خيانة قيادته السياسية. وليست حرب أكتوبر سوى مثال ناصع على ذلك.
ولقد كتب عزيزنا دكتور محيي الدين عميمور) ذكريات حرب أكتوبر: الرجال وأنصاف الرجال(مشكوراً ثلاث حلقات لتاريخ كتابة هذه السطور. معتمداً على مصادر عربية . ولان هذه الحرب كانت موامرة غربية فمصادري كلها غربية . ولاني أعتقد أن هذه الحرب كانت لها أبعاد إستراتيجية ونفطية وإقتصادية وسياسية ، ولاني عشت في عالم النفط وشركاته العابرة للقارات والوطنية أكثر من نصف قرن وكتبت كتباً عن هذا الموضوع فسأدلي بدلوي مضيفاً تفسيراً لبعض ما أورده الأخ الدكتور حميمور ومستطرداً إلى البعدين الاقتصادي والسياسي الذي أسس إلى مرحلة العولمة التي نعيشها ألان .
أثناء تلك الحرب وبعدها بحوالي عشر سنين كانت شركتي الاستشارية في شوؤن النفط حديثة التكوين وكانت/كنت مستشاراً لمنطقة الشرق الأوسط لمعهد البترول الفرنسي المملوك من الحكومة الفرنسية والذي يضم جامعة البترول للدراسات العليا بالاضافة إلى 15 شركة في مجال النفط )والطريف أني لا أعرف كلمة واحدة بالفرنسية ولكني أعرف النفط (. بعد أن وضعت الحرب أوزارها وأثناء الغداء في إحدى زيارتي الشهرية لباريس سألنى أحد كبار المدراء ما رأيي فيما يحصل. أجبته بإختصار وانا حزين انها حرب تحريك وحرب نفطية وأن اللاعبين فيها لا يتفقون على بداية شهر رمضان لذلك أقول بأسف شديد أن هذا التنسيق لا يمكن حصوله إلا بغطاء أمريكي. قال السائل، هذا ما نعتقده أيضاً.
طبقًا لدراسة حالة صدرت عن كلية الإدارة بجامعة هارفارد ، بعنوان “السيطرة على النفط العالمي: 1920 – 1974″ :
“طبقًا لأحد التقارير (نشرته النيويورك تايمز “المجلة”) عام 1973، فإن الرئيس نيكسون اقترح على الملك فيصل المساعدة على إقناع السادات بالتحرك لتخفيف حجم الوجود السوفيتي في مصر، مقابل ممارسة الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل للانسحاب من أراض عربية احتلتها عام 1967. ومع أن الملك فيصل فعل ما طلبته واشنطن،إلاّ أن نيكسون, وكما هو واضح ، لم يتحرك لتنفيذ الجانب المطلوب منه طبقًا للصفقة”.
كتب نيكسون إلى كيسنجرطالباً تنفيذ الاتفاق مع الملك فيصل:
:” لقد حان الوقت للتخلّي عن الانصياع لموقف اسرائيل المتصلّب ، فقد قادتهم تصرّفاتنا في الماضي إلى الاعتقاد بأننا سنقف إلى جانبهم بغض النظر عن مدى لا معقوليتهم.”
بعدها بدأت فضيحة ووترجت والتي تبين لاحقاً أن أحد كبار مدراء مكتب التحقيقات الفدرالي كان يدير عمليات عزل الرئيس نيكسون من وراء ستار! . الواقع أن نيكسون كان منشغلاً تماماً بفضيحة ووترغيت ، الأمر الذي جعل من كيسنجر الرئيس الفعلي للولايات المتحدة. والمتحكم بالقرار الأمريكي.. لم يخفي كيسنجر صهيونيته ومعارضته لمطالب الرئيس الأمريكي الذي تم تحييده بفضيحة ووترجت بواسطة الوشنتون بوست ( المملوكة من اليهود) بالتعاون مع أحد كبار مدراء مكتب التحقيقات الفدرالي )الصهيوني( . كتب كيسنجر لاحقاً في مذكراته:
“كانت نقطة البداية لدي تقع عاطفياً لدى الجانب الآخر) أي إسرائيل (.. وعلى الرغم من عدم ممارستي شعائر عقيدتي الدينية ، فلم يكن بمقدوري نسيان أعضاء أسرتي الثلاثة عشرالذين ماتوا في معسكرات الاعتقال النازيّة، ولم يكن في قدرتي احتمال هولوكوست آخر من قبل سياسات حسنة النية يمكن لزمامها الإفلات من السيطرة”
بعبارةأخرى قال كيسنجر فليذهب نيكسون إلى الجحيم.أضاف كيسنجر في كتاب سنوات الغليان:
:”شارك نيكسون الفئة الدنيا من الطبقة الوسطى في كاليفورنيا شاركها تحاملاتها وضغائنها، فقد اعتقد أن اليهود يشكلون مجموعة قوية متجانسة داخل المجتمع الأميركي وأن سيطرتهم على وسائط الإعلام تجعل منهم خصوماً خطرين ، وفوق كل شيء فانه يتوجب إرغام إسرائيل على تسوية سلمية وأنه لايجوز السماح لها بتعريض علاقات أميركا العربية للخطر”.
في شهر اذار 1973 زارت جولدامائير رئيسة وزراء إسرائيل الولايات المتحدة ، وعارضت وبشكل مطلق موقف نيكسون ، ورفضت أية ضغوط لتعديل موقف اسرائيل المتشدّد ، كما أبلغت نيكسون بأنه ليس لدى العرب خيارعسكري ، وأن الأمور لم تكن بأفضل مما هي عليه الآن بالنسبة لإسرائيل. يبدو أنها كانت تعرف خطة كيسنجر. \
جاء في مقال الأخ دكتور عميمور نقلاً عن هيكل:
“وما لم نكن نعرفه آنذاك هو تفاصيل رسالة بعث بها الرئيس السادات إلى هنري كيسنجر عن طريق حافظ إسماعيل…كان ذلك صباح يوم 7 أكتوبر، أي اليوم الثاني للحرب، …جاء فيها أن مصر: “لا تعتزم تعميق مدى الاشتباكات أو توسيع المواجهة”، ولا يعرف أحد هل كانت هناك برقيات سابقة ومتى أرسلت وبأي مضمون.”
فأقول: لم يكن هناك برقيات سابقة فحسب بل لقاءت سرية جداً .كانت حرب أكتوبر مسرحية كاملة الأركان وضع فصولها الأيدي الخفية التي تدير النظام العالمي بواسطة شبكة من المنظمات السرية وشبه
السرية والتي تتحكم في تنفيذها عبر وكالات المخابرات الخاضعة لها وعملاء تلك المخابرات في دول العالم. وكان حافظ إسماعيل ممثل السادات في هذه الموامرة
. جاء في ص 141 من كتابي )مستقبل البترول العربي في كازينو العولمة تحت فقرة : مفاوضاتٍ سرّية مع السادات:
“عندما طرد السادات عشرات الآلاف من المستشارين السوﭭيات من مصر كجزء من خطة بلاده للابتعاد عن الاتحاد السوﭭياتي )كما كان التنسيق بين السادات والولايات المتحدة والسعودية عير كمال أدهم( ، حث ميلفـن ليرد وزير الدفاع نيكسون على بدء مفاوضاتٍ سرّية مع السادات ، غير مدركٍ أن القنوات كانت مفتوحة– أصلا – على وسعها منذ بعض الوقت . وفي هذه الأثناء ارتقى كيسنجر بمستوى صلته المصرية الخاصة ، ففي زيارة لحافظ اسماعيل – مبعوث السادات- الى الولايات المتحدة في شهر شباط 1973 ، قام بوضع برنامج يمكنه من الاجتماع خفيةُ بكيسنجر بعد انتهاء واجباته الرسمية ، فتالياً لاجتماعاته بنيكسون وممثلي الخارجية – كان اسماعيل – كما كتب كيسنجر في كتابه ” سنوات الهياج” … سوف ينسلّ بنفسه في 25 شباط إلى نيويورك ، ومن هناك يتوجه إلى موقع اجتماع سري في الضواحي .. بيت خاص استؤجر لهذا لغرض– حيث هو وأنا نتباحث ليومين في مراجعة كاملة وخاصة للعلاقات المصرية الأميركية”
وأضاف كيسنجر : ” لا أنا ، ولا أي عضو من معاونيّ ، كان ضمن مناقشات إدارة الخارجية ، بينما إدارة الخارجية حتى لم تعرف بلقائي السرّي مع اسماعيل” .
كانت خطة كيسنجر متمشيّةً مع قرار مجلس الوزراء في إسرائيل الذي تم اتخاذه في 19 حزيران 1967 ، على أنه يمكن بحث جبهتي مصر وسوريا والتفاوض حولهما ، اما الضفة الغربية وغزّة فلا، والتي كان مجلس الوزراء الإسرائيلي قد أصرّ على ضمهّا الى اسرائيل ، أو إعطاء السكان حكم ذاتي كما هو الحال في سلطة عباس اليوم . وحيث أن الضفة الغربية كانت جزءاً من الأردن قبل حرب 1967 ، فقد عهد كيسنجر للسادات و العرب الآخرين من ” أصدقاء ” الولايات المتحدة المعروفين إلى استبعاد الأردن كلية عن مسألة مفاوضات الضفة الغربية الفلسطينية باعتبار منظمة التحرير وحدها الممثل الوحيد .. وكما تم تنفيذه فعلاً في قمة الرباط بعزل الاردن عن القضية الفلسطينية. وحيث أن الاردن كان الدولة التي تم إحتلال الضفة الغربية منها وبالتالي ألحق باسترداد اراضيها المحتلة فاصبحت حسب الرواية الاسرائلية مناطق متنازع عليها.
وفي 6 آذار 1973 ، تم تزويد السعوديين بإيجاز عن اجتماع كيسنجر مع اسماعيل ، وذلك على أساس ” العلم بالشيء في حدود ما يلزم فقط”، حيث أن العربية السعودية – البلد النفطي الرائد – سوف يكون لها دور في حظر النفط وزيادة سعره مستقبلاً .” وهذا يفسر ما جاء في مقال الأخ دكتور عميمور:
“ويكشف هيكل بعد ذلك ما سمعه من الرئيس السادات بأنه : “من بين إخواننا العرب، فإن الملك فيصل هو الوحيد الذي يتم إخطاره مقدما، بدون تحديد اليوم والساعة، … ويُشير هيكل في موقع آخر … إلى لقاءات بين الرئيس السادات والسيد كمال أدهم، مدير المخابرات السعودية، موضحا علاقات السيد أدهم بالمخابرات المركزية الأمريكية.”
ليس هذا سراً فقد جاء من مصادر عدة إن كمال أدهم قد جند السادات بينما كان من أركان نظام عبد الناصر وأنه كان يتقاضى راتباً شهرياً بواسطته كما جاء في كتاب بوب وودورد، الصحفي من جريدة الوشنطن بوست ووثيق الصلة بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
وفي 11 نيسان انعقد اجتماع آخر بين اسماعيل وكيسنجر ، وكانت القوات العربية وفي معظمها من البلدان الأشد تحالفاً مع الولايات المتحدة قد بدأت في شباط 1973 التحرك ، بما في ذلك طائرات سعودية إلى مصر وقوات مراكشية إلى سوريا . وتوافق المصادر العليمة على أن مثل هذه القرارات لم. يكن لها لتتخذ دون موافقة الولايات المتحدة “
جاء في مقال الأخ دكتور عميمور
“ لكن كان واضحا أن السادات يريد القيام بعمل فردي يتحكم فيه وحده، وهو ما ثبت عبر حوار أورده الفريق الشاذلي في مذكراته” .
فأقول: لم يكن ذلك عفوياً ولكن كان مخططاً له. كان كل التخطيط لحرب أكتوبر يتم عن طريق حافظ إسماعيل أو المخابرات. عندما بدأ كيسنجر بدراسة ملف السادات لجأ إلى خبراء علم النفس في المخابرات الأمريكية والى اساتذة علم المفاوضات في جامعة هارفارد عن كيفية التفاوض مع زعيم سلطوي ، من منطلق استيعاب الأبعاد النفسية لشخصيته أكثر من الاعتماد على مهارة مساعديه. كانت التوصية، “خذ )بأسلوب شيخ القبيلة(. إذا تكلم فعلى الجميع السمع والطاعة ، إبدأ مفاوضات السادات منفرداً قبل الاجتماعات الموسعة”. ذكر كيسنجر أنه حين فاوض السادات على فك الإرتباط إجتمع منفرداً مع السادات في أسوان بعد قدومه مباشرة من إسرائيل حيث أخذ المقبول من إسرائيل بعدد وأنواع السلاح المصري في شرق القناه. قال كيسنجر أنه أراد أن يفاصل السادات حين إجتمع معه منفرداً في أسوان فأعطاه نصف الأرقام الاسرائيلية.تفاجأ كيسنجر حين قال له السادات:موافق ! في الاجتماع الموسع مع الخبراء المصريين، عندما ذكر كيسنجر ا الأرقام رفض رئيس الأركان الجمصي قائلاً: مستحيل. نظر كيسنجر إلى السادات، فقال السادات للجمصي: اسكت يا ابني. احنا اتفقنا. فبكى الجمصي في الاجتماع.
قال وليام كيسي William Casey مدير السي. آي. ايه السابق، في حديث للصحفي بوب وودوارد Bob Woodward من الواشنطن بوست Washington Post، بأن السادات كان معتاداً على بيع نفسه بنسبة 110% لأي كان ، وبأنه كان أقرب إلى كونه عميل (case officer)للسي. آي. ايه.
.
]يتبع في حلقات أيام الخميس والأحد: الحلقة الثانية: البعد النفطي لحرب أكتوبر[
مستشار ومؤلف وباحث