الإرهاب اليهودي وإرهاب الدولة البريطاني مونتغمري يتولى مهمة قمع ثورة 1936 ومنظمة التحرير تتولى قمع ثورة الست سنوات (الانتفاضة الاولى)
د. عبد الحي زلوم
في 1936 أقدمت قوات الاحتلال البريطاني على تدمير 800 بيت عربي في يافا القديمة كعقاب جماعي. وجد أصحاب البيوت المستهدفة أنفسهم في سباق مع عقارب الساعة للخروج من بيوتهم بعد إسقاط الطائرات البريطانية أوامر الإخلاء من الجو، ولينشغل هؤلاء بعدها عن بيوتهم وأمتعتهم بالبحث عن مأوى في المدارس وعلى الشواطئ حيث قرر البريطانيون هدم المنازل المذكورة لأسباب أمنية بحجة أنها كانت تستخدم كمخابئ من قبل القناصة وقاذفي الحجارة من المقاومين الفلسطينيين العرب.
غير أن الثورة الفلسطينية شكلت التهديد الأكبر للمشروع الصهيوني، واستمرت في التصعيد الأمر الذي قرر البريطانيون معه اتخاذ إجراءات قاسية فأرسل البريطانيون كبير خبراء مكافحة الإرهاب سير شارلز تيغارت إلى جانب 25 ألف جندي ورجل شرطة إلى فلسطين، وهي أكبر قوة تغادر بريطانيا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى. بالإضافة لذلك فقد شرع البريطانيون مع بداية خريف 1937 في تفعيل المحاكم العسكرية لقمع الثورة الفلسطينية.
اتخذ شارلز تيغارت العديد من الإجراءات لمواجهة التمرد . ولمنع تسرب المجاهدين من سوريا ، أقيم سياج أمني كالذي يبنى حالياً على طول الحدود الفلسطينية . كما نشر تيغارت حواجز التفتيش على الطرقات، وأقام العديد من مراكز الشرطة في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى مراكز التدريب في القدس لتأهيل المحققين وتدريبهم على طرق التعذيب . بل إن تيغارت أكمل طاقم أدوات التعذيب بعدد من الكلاب المستوردة من جنوب إفريقيا من نوع دوبرمان والمدربة في هذا المجال.
يتحدث المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف عن أساليب التعذيب التي انتهجها تيغارت في التحقيق مع الفلسطينيين بالقول: " كان المشتبه بهم يتعرضون لعملية استجواب وحشية باستخدام أساليب الإذلال النفسي والتعذيب الجسماني والضرب المبرح، بما في ذلك الفلقة التركية الشهيرة.
عملت سياسة "العدالة السريعة" التي أدخلها تيغارت في التعامل مع عرب فلسطين على مضاعفة المعتقلين العرب ليتجاوز تسعة آلاف شخص عام 1939 أي عشرة أضعاف الرقم المسجل قبل عامين. كانت أحكام الإعدام بحق الفلسطنيين تصدر بمعدل حالة إعدام كل أسبوع.
وهنا يورد سيغيف وصفاً لعملية إعدام شاب فلسطيني- في سجن عكا الذي شهد ثلاث عمليات إعدام في يوم واحد- كما ورد على لسان مفوض إقليم الشمال كيركبرايد:
"أخذ مدير السجن بتلاوة الحكم إلا أن الشاب قاطعه صارخاً: دعك من هذا الهراء .. هيا لننه الأمر بحق السماء. تم اقتياد المحكوم وهو مكبل اليدين خلف ظهره حيث باب . هوى الشاب بثقله عبر الباب الذي فتحه الجلاد فجأة إلا أن الشاب لم يمت فوراً على ما يبدو، حيث واصل جسده الانتفاض عدة دقائق،
وانفرجت ساقاه بالرغم من أن الجلاد ربطهما بعد وضعه فوق منصة الإعدام. اقترب الطبيب العسكري من الجثمان لفحصه ولوحظ وقتها بأن الدم كان يتساقط من رقبة الشاب من تحت القناع الأسود الذي يغطى وجهه. مزق الطبيب قميص الشاب من الأمام واستمع لنبض قلبه الذي كان لا يزال ينبض بصورة شبه طبيعية. انتظر الطبيب بعض الوقت قبل أن يعلن عن وفاة الشاب.. وبأنتظار عملية الإعدام التالية في التاسعة جلس مفوض الإقليم في مكتب مدير السجن ليتناول إفطاره".
وفي مذكراته يصف سائق الشاحنة البريطاني أليكس موريسون عملية مداهمة إحدى قرى طولكرم الصغيرة . افترض موريسون في البداية أن الجيش دخل القرية للقبض على أحد الإرهابيين المطلوبين. غير أن الجنود اكتشفوا بأن رجال القرية غادروها جميعاً قبل وصول الجيش، تاركين خلفهم النساء والأطفال وبعض كبار السن ومنهم مختار القرية. طالب قائد الوحدة من خلال مترجم معرفة مكان الرجال، إلا أن المختار رفض الكشف عن مكان وجودهم في تصرف معروف عن الفلسطينيين كما قال موريسون الذي أضاف: طالما أعجبت بشجاعتهم. ومع أن القائد البريطاني عفا عن المختار هذه المرة إلا أنه أمر النساء بالوقوف صفاً وتعرية صدورهن للتأكد من عدم وجود رجال بينهن يتخفون في زي نساء. انتهت عملية تفتيش القرية بدون العثور على أي شيء".[1]
يقول سيغيف في كتابه:" مثل هذه العمليات كانت روتينية وتستهدف كل قرية في أي لحظة. وفي العادة فقد كان الجنود يقومون بجمع الرجال في مكان مغلق. ومع وجود الرجال قيد الاحتجاز، يشرع الجنود في عملية مداهمة للبيوت بحثاً عن السلاح، يقومون خلالها بخلع الأبواب وتحطيم الأثاث والأواني الفخارية والزجاجية، وتمزيق أكياس الرز والطحين والسكر، التي تشكل المئونة السنوية للفلاحين، وإلقاء محتوياتها على الأرض لتختلط ببعضها وبالزيت المدلوق من الأواني الفخارية المحطمة. بل إن الجنود كثيراً ما كانوا يتصرفون بحقد ولؤم بالقيام بنثر الخليط فوق الفراش، إمعانا في إلحاق الضرر بالأهالي".
وفي بعض الحالات كان الجيش يعمد إلى تفريغ القرية من سكانها والبقاء فيها لأشهر طويلة. كان تدمير البيوت عملاً روتينياً ضمن إجراءات العقاب الجماعي في تصرف كان يلقى الاستحسان من الحكومة البريطانية. وفي إحدى المرات تلقى "مفوض السامرة " رسالة شكر وتقدير على تدمير 53 بيتاً في قرية باقة الغربية. وقد بلغ عدد البيوت التي دمرها الاحتلال البريطاني خلال الفترة من 1936-1940 أكثر من 2000 بيت. ولعل من المثير حرق جثث الثوار القتلى . ادعى البريطانيون بأن مثل هذا التصرف كان بهدف منع اندلاع أعمال العنف خلال تشييع جنازاتهم.
ويضيف توم سيغيف قائلاً:" مع تعاظم الجهود الرامية لقمع الإرهاب، اكتسبت العلاقة بين الوكالة اليهودية والسلطات البريطانية في فلسطين كما لو كان الجيش البريطاني يتلقى تعليماته من الوكالة اليهودية، ويتصرف كما لو كان قوة من المرتزقة أو شركة أمن مستأجرة تعمل لحساب اليهود. بل إن الوكالة كانت تتكفل ببعض النفقات الأمنية"
كان وينغيت هو صاحب فكرة تشكيل الوحدات الليلية الخاصة التي حولت الجليل إلى مسرح عمليات خاص بها. كانت الوحدات تضم في كل منها 200 جندي، منهم 150 يهودياً، تقوم بمهمات قتالية وأخرى خاصة بتوفير الحماية لخط أنابيب شركة نفط العراق الذي يصل حقول نفط كركوك بميناء حيفا، وكذلك حراسة جدار تيغارت العازل. غير أن وحدات وينغيت كانت تؤدي عملاً آخر لا يقل أهمية وهو التنكيل بالفلسطينيين بحجة ملاحقة الإرهابيين. وفي ذلك كتب صهيون كوهين، أحد أفراد الوحدات الليلية الخاصة يقول عن تجربته في العمل مع وينغيت:" كنا نقترب من القرية التي يتعرض انبوب النفط المار بجوارها لعمل
تخريبي، وننتظر هناك حتى الفجر، ثم ندخل القرية ونجمع الرجال ونجبرهم على الاصطفاف في مواجهة الحائط وأيديهم إلى الأعلى، ثم نترك للضابط البريطاني ورجاله مهمة إنزال العقاب بهم، مفضلين عدم الظهور في الصورة لأننا لم نكن نرغب بزيادة مشاعر الكراهية في نفوس العرب تجاهنا. ثم ينزل وينغيت العقاب التقليدي بالشبان العرب، ومن ذلك جلدهم على ظهورهم العارية في مشهد رهيب على حد تعبير أحد أفراد الوحدة. ويصف كوهين رد الوحدة على قتل الثوار لـ 15 يهودياً في طبريا بالقول: اختار وينغيت قرية حطين لعمليته الانتقامية. وبعد جمع رجال القرية كافة، اختار عشرة منهم ،وأمرهم بالتقدم للأمام، ثم خاطبهم من خلال كوهين كمترجم قائلاً: لقد قتلتم النساء والأطفال والعجائز وهم نائمون.. إنكم أناس تخلون من الرحمة وجبناء.. وقد حكمت عليكم بالموت عقاباً لكم على جرائمكم. بعدها أطلق الجنود النار على الرجال العشرة الذين سقطوا قتلى جميعاً. كان أحد المشاركين بالعملية إيغال آلون ( نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع لاحقا).[2]
لم تجد إجراءات القمع البريطانية من إعدامات وإرهاب شارك فيها 25 ألف جندي جديد وصلوا البلاد لإنهاء انتفاضة الفلسطينيين التي تواصلت بوتيرة متعاظمة. وجدت القيادة العسكرية البريطانية نفسها مجبرة على إرسال قائد دموي جديد إلى فلسطين لتنفيذ المهمة التي عجز عنها وينغيت. وقع الاختيار على القائد الشهير الجنرال بيرنارد مونتغمري، كان القائد الجديد في فلسطين يرى ضرورة تصعيد الإجراءات البوليسية بل وتبني إجراءات أشد قسوة لسحق الثورة، وهو المونتغمري نفسه الذي قاد الجيش البريطاني في معركة العلمين لاحقاً وكان الطريقة الوحيدة للتعامل مع الثورة هي قتل القائمين عليها وهو ما أمر جنوده بفعله. كانت تعليمات مونتغمري تنص على عدم إطلاق سراح المعتقلين من الثوار على أسس سياسية، حيث سبق فشل مثل هذه السياسة في أيرلندا. وهكذا وجد ثوار فلسطين أنفسهم في مواجهة جيش نظامي كبير تدعمه الهاغاناه اليهودية بالتعاون الكامل مع الوكالة اليهودية .
تآمر بعد ذلك بعض العرب واقنعوا الثوار بإعطاء فرصة جديدة ( للحلفاء ) البريطانيين سواءً عن جهل او تآمر وتم اخماد الثورة .
ثورة الست سنوات والتي اسميت انتفاضة لابعاد كلمة ثورةً عنها والتي عجزت كافة الاجهزة الامنية والجيش الاسرائيلي عن اخمادها اخمدتها منظمة التحرير الفلسطينية عن طريق اتفاقية اوسلو وكان اول اعمال دايناصورات اوسلو هو التنسيق الامني مع العدو عبر اول جهاز يتم تكوينه وهو جهاز الامن الوقائي والذي قام بما لم تستطيع اسرائيل القيام به .
من كتاب : امريكا اسرائيل الكبرى( الصادر باللغة العربية و الانجليزية ) لمؤلفه
د. عبد الحي زلوم