اكذوبة “الشعب اليهودي” وخرافة العقيدة الصهيونية! والنتيجة: حتمية زوال دولة الاذكايب والخرافات
د. عبد الحي زلوم
أحد القراء علق على مقالي في الاسبوع الماضي مستصرخاً: “يا رجل خلي فينا شوية أمل !!،” وآخر قال وكأنه قد أغمي عليه من سوء احوال العالم العربي فكتب قائلاً: “لا تعليق حتى استفيق” وثالث طلب لو ان اقوم بتلخيص كتاب البروفيسور شلومو ساند والذي خلاصته بأن مقولة الشعب اليهودي هي اكذوبة وأن خرافة العقيدة الصهيونية قد بنيت على تلك الخرافة.
إلى اخينا الذي طلب بترك باب الأمل مفتوحاً و إلى اخينا الاخر الذي آمل أنه قد إستفاق أقول إن باب الامل مفتوحٌ على مصراعيه كما يتبين من كتاب شلومو ساند والذي ألخص فحواه في الفقرة التالية حيث إن غالبية يهود الكيان الصهيوني لا يؤمنون بعدالة قضيتهم. أضف إلى ذلك أن أكثرهم هم من مزدوجي الجنسية وهم دوماً في حالة تأهب لاستعمال جوازهم الأخر كلما مرت عليهم ضائقة إقتصادية كما في سنة 1966 او عسكرية كما في حرب 2006 مع حزب الله. بيت القصيد اننا يمكن أن نخسر الحرب 100 مرة لكن ينتهي وجودهم عند خسارتها مرة واحدة. وكذلك فإننا نتألم حين نصف حالة الانحطاط للوضع العربي الراهن الا أنّ تحديد الداء هو اول الدواء.
منذ سنة 1973 لم تربح إسرائيل حرباً واحدة. هم يخيفون جنرالاتنا ذو الكروش المتهدلة وأصحاب الانقلابات والبطولات على شعوبهم فقط . لم يستطع جيشهم هزيمة حزب الله بعد أن إستعمل سلاحاً أكثر كماً و أكثر فتكاً من كل ما استعمله في حرب الساعات الستة في 1967 حتى بعد أكثر من ثلاثين يوم . لم يستسلم مقاومو غزة بعد أكثر من خمسين يوم ولقد أصاب بعض القادة العرب إكتئاب فاق إكتئاب نتنياهو لهذا الصمود .
متى يتمّ حل سلطة أوسلو وإيداعها في مزبلة التاريخ ، وعند تهيأه اللازم لإشعال ثورة في الداخل ، ستكون هذه هي بداية النهاية لدولة الخرفات والكذب . جيش الاحتلال لا يقوى على الحروب الشعبية ولا الطويلة. لم يستطع جيش الاحتلال إخماد ثورة الانتفاضة الاولى حتى بعد 5 سنوات، واوقفها ديناصورات أوسلو.
إذا كان المؤرخ و البرفيسور ساند يبرهن أن الكيان الصهيوني قد بني على باطل فكبار مورخي الكيان الصيهوني أنفسهم في شك مريب من إمكانية بقاء هذا الكيان. كان عنوان الندوة التي عقدها في قاعة HASTVA في تل أبيب بتاريخ 24/10/2013:” هل ستبقى إسرائيل موجودة بعد تسعين سنة؟”
عدم التنازل عن الثوابت والايمان بالقضية ركنان اساسيان للوصول بعملية التحرير إلى نهايتها. وثالث هذه الأركان قوة العقيدة وسأستند إلى كاتب إسرائيلي آخر في توضيحها في الفقرة الثالثة من هذا المقال.
***********
اختراع الشعب اليهودي
كتاب البروفيسور في جامعة تل أبيب شلومو ساند
يقول ساند في كتابه أن خرافة اليهود كشعب وهذا الشعب بحاجة الى مأوى ووطن وهو المنطق الذي بنيت على أساسه دولة اسرائيل ما هي الا اسطورة تم اختراعها قبل حوالي ما يزيد عن القرن بقليل . المؤرخ شلومو ساند يُعتبر حجة ومرجعاً في ابحاث التاريخ اليهودي في اوروبا والذي اعتمد على تلك الابحاث للوصول الى استنتاجاته في هذا الكتاب .
يقول ساند ان الاكذوبة الكبرى بدأت بالادعاء بنفي اليهود عن الارض المقدسة في فلسطين وأن مثل هذا النفي الجماعي لم يحصل أبداً وأنه بلا أدلة تاريخية. كما يقول أن يهود اليوم في اسرائيل ليس لهم علاقة اطلاقاً في الارض الذي كان اسمها اسرائيل وأن الحل السياسي الوحيد للنزاع مع الفلسطينيين هو ازالة الدولة اليهودية. ويقول أنه حتى ما قبل قرن من الزمان بقليل كان اليهود يعتبرون انفسهم يهوداً فقط كونهم يتشاركون في ديانتهم اليهودية . ولكن في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين قام الصهاينة اليهود بتحدي كون اليهودية دين لا غير وبدءوا بإختراع اكذوبة أن اليهود عاشوا كشعب بالاضافة لكونهم يهوديو الديانة . كذلك قال أن فكرة وجوب رجوع اليهود الى ارض الميعاد هي فكرة غريبة تماماً عن الديانة اليهودية . يقول ساند :” غيرت الصهيونية الفكرة عن القدس . كانت الاماكن المقدسة فيها شيئاً تتوق لها النفوس وليس حتمية الرجوع اليها. بقي اليهود بعيداً عنها لمدّة 2000 سنة ليس لانهم كانوا غير قادرين الى الرجوع اليها بل لان ديانتهم كانت تمنعهم من الرجوع اليها قبل قدوم المسيح .”
كانت المفاجأة الكبرى اثناء ابحاث شلومو ساند هو الاكتشافات الاثرية لايام العهد القديم . يقول : لم يتم تربيتي كصهيوني ، لكني كبقية الاسرائيليين كنت أعتبرها حقيقة مسلم بها أن اليهود الذين عاشوا في يهوداً قد نفاهم الرومان سنة 70 سنة بعد الميلاد. ولكن عندما بدأت البحث عن الكتب أو المرجعيات التي تصف تلك الاحداث فإني لم أجدها . ولا حتى واحد منها والسبب هو انه لم يكن هناك أي نفي. بالعكس، كان اليهود في فلسطين في غالبيتهم مزارعين وكل الدلائل بينت انهم بقوا على ارضهم . كان اليهود كمزارعين من دافعي الضرائب للرومان ولم يكن للرومان مصلحة في نفيهم .
يقول ساند إن حكاية النفي كونها اسطورة هي اقرب من كونها حقيقة . اسطورة روج لها المسيحيون الاوائل لجذب اليهود الى ديانتهم الجديدة . ويستطرد :” اراد المسيحيون من الاجيال اليهودية اللاحقة ان يعتقدوا أن اسلافهم قد تمّ نفيهم نتيجة عقاب الاهي عليهم . “
ويتساءل شلوموساند : “اذا لم يكن هناك نفي فكيف اصبح اليهود اشتاتاً في بقاع الارض قبل أن تقوم دولة اسرائيل بتجميعهم ؟”
يرى ساند أن الديانة اليهودية عند قدوم المسيحية أصبحت في حالة يأس من تناقض اعدادها وأن كثيراً من اليهود جابوا الى بقاع الارض كمبشرين لجذب افراد جدد لديانتهم.. يقول ساند : هذا موثق في التاريخ الروماني لتلك الحقبة . كان من بين تلك البلدان التي سعى اليها اليهود في عمليات تبشيرهم اليمن وكذلك قبائل البربر شمال افريقيا . بعد ذلك بقرون دخل الخزر افواجاً افواجاً في الديانة اليهودية وهؤلاء هم الاصول لليهود الاشكناز الاوروبين هذه الايام خصوصاً في شرق وأواسط اوروبا .
يقول ساند أن هناك إذن سؤال رئيسي : اذا كان اليهود لم يغادورا فلسطين فما الذي حصل لهم ؟ يقول ساند:” ان معظم القادة الصهاينة الاوائل ، بما فيهم ديفيد بن غوريون كانوا يعتقدون أن الفلسطينيين هم سلالة اليهود الاصليين، وكانوا يعتقدون أن هؤلاء اليهود قد ارتدوا الى الاسلام .” ! ولكن لا يتم تعليم هذه الحقيقة في مدارس اسرائيل .
يقول شلومو ساند أن كثيراً من زملاءؤه المؤرخين يشاركون الرأي بأن التاريخ الذي يتم تدريسه بالجامعات الاسرائيلية تم اختراعه على أسس واهية أوهى من بيوت العنكبوت.
*********
قوة العقيدة
في أخر مقال له بتاريخ 15/9/2015 بعنوان : الخطر الحقيقي، كتب يوري افنيري عضو الكنيست السابق :” اني خائف. أنا لست خجلاً من الإعتراف بأني خائف. أنا خائف من حركة الدولة الاسلامية . سمها ISIS أو سمها داعش. انها القوة الحقيقة التي تهدد إسرائيل، وتهدد العالم وتهددني.” يقول الكاتب: ” في بداية القرن السابع ميلادي قام تاجر في أرض الله المنسية في الصحاري العربية وكان لديه عقيدة. وفي فترة كلمح البصر إستطاع مع أصحابه أن يحتل بلدته مكة، ثم الجزيرة العربية ثم الهلال الخصيب وبعد ذلك كل العالم المتحضر من المحيط الأطلسي إلى شمال الهند والكثير وراء ذلك . اتباعه وصلوا إلى قلب فرنسا وحاصروا ڨينا. . كيف استطاعت قبيلة عربية صغيرة تحقيق كل هذا؟ إنها قوة العقيدة التي لا تستطيع أي قوة بشرية مقاومتها.”
يضيف الكاتب:” بعد أن إحتل الصليبيون فلسطين وما حولها من مناطق جاء كردي إسمه صلاح الدين وقام بتوحيد العالم العربي تحت قيادته. وفقط بعد نجاحه في عملية الوحدة تحول لمحاربة الصليبيين وهزمهم .”
هذا ما كتبه افنيري ذو التسعين عام والملحد باعترافه . وهو أفضل من ألف من وعاظ السلاطين.
وأول الغيث قطرة
في هذا الاسبوع فقط تمت هزيمتين للصهيونية وكيانها. فشل نتنياهو وأذنابه في الكونجرس في تعطيل الاتفاق النووي مع إيران مع أن اللوبي إييهودي قد استنفر كل قواه. لأن لإيران قضية دافعت عنها بقوة اضطرت المؤسسة الأمريكية أن تدافع عن مصلحتها قبل مصالح إسرائيل. لكن لا تجد الادارات الأمريكية سبباً من تحمل عناء مجابهة اللوبي اليهودي ما دام بعض العرب يستنجدون به لمجرد المحافظة على بقائهم.
الهزيمة الثانية كانت نجاح كوربين رئيساً لحزب العمال. استنفر الكيان الصهيوني قواه لمقاومة هذه النتيجة. كتبت جريدة إسرائيل اليوم كعنوانها الرئسي: رئيس حزب العمال البريطاني معادي للصهيونية. واضافت:” مفاجأة غير سارة، جرمي كوربين والذي دعى سابقاً لإجراء المحادثات مع اصدقائه من حماس وحزب الله معروف عنه أنه من اليسار المتعصب ومن المعجبين بكارل ماركس.”
مع أن لهذين الحدثين دلالات هامة خصوصاَ أن بريطانيا هي التي أوجدت اسرائيل وأن امريكا هي التي حافظت وتحافظ على بقائها إلا أن النصر لا يصنعه الأخرون.
مستشار ومؤلف وباحث