اردوغان الى أين ؟ نفاق ساسة الغرب بين السّر والعلن ...

د. عبد الحي زلوم

نظمت قناة الجزيرة ندوة عن الربيع العربي بتاريخ 16/3/2013. جمعت فيه أكثر الشخصيات المؤثرة فيه، مع جمع من الاعلاميين والاكاديميين وكنت أحد المدعوين لالقاء كلمة عن اي لون من الاقتصاد ينبغي عن اصحاب الربيع العربي اتباعه. بالاضافة الى المتكلمين كان هناك جمع مختار ملئ قاعة المؤتمرات في فندق الدوحة شيراتون حيث كانت الكلمات يتم نقلها على الهواء مباشرة . كان من بين المدعوين الدكتور حارس سيلوجوليك . Haris Silojolzic رئيس وزارء البوسنة بين سنوات 1993-1996 ايام التطهير العرقي لمسلمي البوسنة من الصرب وكنت اجلس الى جانبه مباشرة . في كلمته من على المنصة بيّن الدكتور حارس كيف ان الغرب كان يحابي الصرب بل يحمي عمليات تطهيركم العرقي ، وكيف سعوا بعد ذلك لتفتيت البوسنة . عندما رجع الى مقعده ذهب متكلم اخر على الهواء. أبديت ملاحظتي على كلمة الدكتور حارس كتابة حيث كتبت " ربما عاملوكم كذلك لانكم مسلمون . مشكلتكم أنكم مسلمون ، الاتحاد الاوروبي أعرب انهم لا يرغبون بدولة اسلامية في اوروبا ) . اعطيته الورقة فكتب مباشرة : هذا ليس سراً ، فقد كتبه المؤلف Taylor Branch في كتابه Clinton Tapes (قال كلينتون : كما جاء في كتاب (Clinton Tapes) للمؤلف تايلور برانش بأن حلفائه الاوروبين لا يرغبون بدولة اسلامية في اوروبا مسيحية) . في فترة الاستراحة وتوقف البث المباشر وقفنا لاكمال ما بدأناه كتابة. كان اعجاب الدكتور حارس شديداً برجب طيب اردوغان . قلت أني أشاركه الاعجاب في نواحي عديدة في شخصية اردوغان ليس اقلها أنه اداري فقط يقال عنه أنه نظيف اليد ويحارب الفساد لكني اخاف على انجازاته الاقتصادية أن تذروها الرياح . ذلك لانها في النهاية رهينة الى عدد قليل من الاصحاب الحقيقين للنظام العالمي الرأسمالي القابعين في وول ستريت . وسأتي الى تفصيل ذلك في اخر هذا المقال . لم يسعفنا الوقت لاستكمال الحديث سوى أنه عبر عن اعتفاده بأنه ( الرجل واعي وصاحي) .

عند عودتي من الدوحة اشتريت كتاب Clinton Tapes واجد من المفيد أن اترجم بعض المحادثات التي تتم بين الكواليس في الغرف المغلقة عن الاسلام والمسلمين قبل عشر سنوات قبل أن شنو حربهم على العالم الاسلامي تحت أكذوبة الحرب على الارهاب منقولة عن الرئيس الأمريكي كلنتون..

في الصفحة (9) و(10) من الكتاب المذكور يقول كلينتون :"خلال اسابيع توصلت الادارة (الامريكية) الجديدة الى ضرورة تخفيف الحظر الدولي المفروض على السلاح لتلك المنطقة لان الحظر يعاقب الضعيف والضحية وهي دولة البوسنة فدولة البوسنة ذات الاغلبية المسلمة كانت محاصرة ولا تستطيع تهريب السلاح عبر الحدود . كانت البوسنة تطالب برفع الحظر لشراء السلاح للدفاع عن النفس لعل تعادلاً في الموقف العسكري بين المتحاربين يتيح الفرصة لحل سياسي ". يضيف كلينتون : " ان حلفاء الولايات المتحدة الامريكية عارضوا ذلك بشدة. برروا معارضتهم لاسباب انسانية لان السلاح الاكثر سينتج عنه ضحايا أكثر ، ولكن في السر قالوا أن البوسنة المسلمة ستكون غير طبيعية كالدولة المسلمة الوحيدة في اوروبا . لقد اصروا على الابقاء على الحظر لانه يحابي الصرب ويحافظ على عدم التوازن الراهن. في واقع الامر استعمل الاوروبيون جنود حفظ السلام كدرع لمساعدة الصرب في اكمال تقطيع اواصر البوسنة

" . اضاف كلينتون :" الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران كان في منتهى الصراحة حين قال: لا مكان للبوسنة بيننا وان كبار المسؤولين البريطانيين اصروا على ضرورة استعادة اوروبا المسيحية."

في صحفات لاحقة من الكتاب نفسه يقول الرئيس كلينتون أن من اكثر ما اثاره من استغراب هو أن الامين العام للامم المتحدة بطرس بطرس غالي المصري العربي كان يشارك الاوروبيين في نظرتهم المعادية للبوسنة ودولة مسلمة في اوروبا !

إن التزاوج بين بعض الحركات الاسلامية والرأسمالية الأمريكية في الفترة الماضية محكوم عليه بالفشل من بدايته. يتم إستعمال الحركات الاسلامية تلك، ربما بحسن نية من طرفها أو سوء تقدير يتم استغلالها مرحلياً ثم تهميشها أو البطش بها. في كتابي عن الربيع العربي والذي نشر قبل شهور من الانقلاب على مرسي كتبت:

" عمل العسكر في المجلس العسكري الاعلى ثمانية عشر شهراً كل ما بوسعهم للإبقاء على ثوابت نظام مبارك مستعملين أجهزة مبارك القضائية والأمنية والإعلامية. حتى ان رئيسي الوزراء في عهد المجلس العسكري كانا من عهد حسني مبارك. …وحيث أن التنظيم الوحيد الذي كان على الأرض قادراً على التنظيم هو جماعة الاخوان المسلمين، فقد تعاون العسكر معهم تكتيكياً لا استراتيجياً حيث أن سياساتهم المعلنة لا تتماشى مع عقيدة القوات المسلحة العلمانية. لكنه (أي المجلس العسكري الأعلى) اراد أن يكسب وقتا يلتقط فيه فلول النظام القديم أنفاسهم مستخدمين اعلام مبارك وفلوله والذي بدأ يكشف عن هويته خصوصاً، أيام الانتخابات الرئاسية والتي كادت أن تأتي بأحمد شفيق ممثلاً للمباركية على رأس النظام من جديد. …ولو اردت ان ابدي رايا لجماعة الاخوان المسلمين لسألتهم ان يقوموا بتحليل لتاريخهم من حيث تكرار استعمالهم واستخدامهم من قبل الانظمة ثمّ تخلي هذه الأنظمة عنهم، لا بل والتنكيل بهم أحياناً، وقد حدث مثل ذلك ثلاث مرات عبر تاريخهم في السنوات الثمانين الماضية :

· ساعدوا جمال عبد الناصر وجماعته من الضباط في ثورة 1952 تم نكل بهم أيّما تنكيل.

· ساعدوا أنور السادات في التخلص من نظام عبد الناصر وتغيير المنهج الاقتصادي إلى الانفتاح على الراسمالية بأعلى وأوسخ مراتبها ثم تمّ التخلي عنهم وبقوا معه ومع خليفته مبارك بين مدّ وجزر، كجماعة غير قانونية يتم استعمالها متى كان للنظام فائدة بذلك ويتم التخلي عنها متى وجد النظام في ذلك مصلحه له.

· ساعدوا النظام العسكري اخيراً بل وتحالفوا معه،إلى أن تمكّن العسكر ، فكادوا ان ينقلبوا عليهم .في الحالات الثلاث كان تنظيم الاخوان المسلمين ليس فاعلاً بل مفعول به. فهل تستحق هذه المقاربة شيئاً من التحليل؟!” “

كان هذا القول قبل 4 شهور من الانقلاب على مرسي.!!!

الملخص المفيد أني أرى مصير اردوغان وحزبه كمصير الاخوان المسلمين في مصر. هناك ما اسمه socioeconomic orderوهو تزاوج النظام الاجتماعي مع النظام الاقتصادي. . إن حلف الناتو الذي ينتمي إليه اردوغان هو جزء من منظومة عالمية وصفها جورج سوروس في كتابه

" أزمة الرأسمالية العالمية وهي بطبيعتها معادية لاي نظام اسلامي او غير اسلامي يتناقض مع فلسفتها الطفيلية لافتراس الشعوب الاخرى : كتب سورس

"أما كون الرأسمالية العالمية نظاماً غير محسوس، فذلك لا يجعلها أقل أهمية. فهي تتحكم بحياتنا كما يتحكم أي نظام بشعبه، ويمكن مقارنة الرأسمالية العالمية بامبراطورية أكثر عالمية في شموليتها من أي امبراطورية سابقة. فهي تحكم حضارة بأكملها... وبالإضافة لذلك فهي، كأي امبراطورية، لها مركز يستفيد على حساب دول الأطراف. والأكثر أهمية، هو أن الرأسمالية العالمية تظهر ميولاً امبريالية. فهي لا تتطلع إلى التوازن، ولكنها تقوم على التوسع، ولا يهدأ لها بال مادام هناك أسواق أو موارد لم تصلها.".

تركية لم تكن سوى سوق لهذه الرأسمالية وبعدها ينتهي دور اردوغان من حيث يدري او لا يدري

فلنبتعد قليلاً عن طريقة التفكير الجاهلي بأن هناك من الالوان لونيين فقط : اللون الابيض والاسود، ومن تفكير النقيض الى النقيض: طخوا او اكسر مخوا فلجماعة الاخوان المسلمين وكذلك حزب اردوغان سلبيات وايجابيات . كان حكم الاخوان المسلمين القصير في مصر واردوغان وحزبه في تركيا الاقل فساداً والاكثر " ديمقراطية" مما سبقه أو لحقه من انظمة . كان حكمهم ذا شفافية عالية. تعرضوا باستمرار الى قوى الشد العكسي من الداخل والخارج . كان الاقتصاد حتى في سنة حكم الاخوان المسلمين أكثر استقراراً واقل فساداً وكذلك في تركيا اوردغان . كان لهم مجتمع مدني ومؤسسات اجتماعية فاعلة تحارب الجوع والمرض .وتقف في طريقهم قوى محلية وعالمية عاتيه – ولكن كان فكرهم الاستراتيجي يخلوا من البعد وكان قبولهم السياسي بالامر الواقع متل كامب ديفيد في مصر وحلف الناتو في تركيا وبالاقتصاد الرأسمالي منهجاً ما خلق نظاماً هجيناً مليئاً بالمتناقضات لا هو بالاسلامي ولا بالرأسمالي مما سهل قوى الشد العكسي على خلق المصاعب بل والانقلاب عليهم .

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل