أفكار المؤرخ الصهيوني ( لويس) عن الاسلام توجه سياسة الحرب على الارهاب زراعة الارهاب تحت عنوان محاربته

يتسائل المرء أحياناً كيف يمكن لدولة كبرى تدعي الديمقراطية أن تتخذ قرارات غبية تكون في مصلحة أقلية تمكنت من إختطاف قراراتها السياسية والاقتصادية والمصيرية؟ إن كيفية إتخاذ تغيير السياسة الخارجية الأمريكية إلى زج الولايات المتحدة في حرب أبدية ضد العالم الاسلامي في حروب ساهمت في زراعة الارهاب تحت إسم محاربته قد يكون مثلاً صارخاً للديمقراطيه الأمريكية المختطفة. لكن المقرف في الموضوع أن البعض في الدول الاسلامية من ضحايا الارهاب السابقين واللاحقين يرددون كالببغاوات حربهم على إرهاب مع أنهم كانوا او سيكونوا من ضحاياه .

يقول الكاتب Peter Waldman في تقريره لجريدة The Wall Street Journal بتاريخ 3/2/2004" :

" ان افكار لويس بالنسبة للعالم الاسلامي ) مما يمكن تسميته مبدأ لويس ( ودعوته الى الاحتلال العسكري المباشر لزرع بذور الديمقراطية في الشرق الاوسط قد سبب التغيير الاكبر والاساسي في سياسة الولايات المتحدة الخارجية منذ أكثر من 50 سنة وكان احتلال العراق أول أختبار لمبدأ لويس بالرغم من أنه لم يُبحث في الكونغرس ، ولم يَصّدر به امر رئاسي." كان هذا في مقال بعنوان :" أفكار المؤرخ ( لويس) عن الاسلام توجه سياسة الحرب على الارهاب ." إذن هذه الحرب هي اختراع لويس وتلاميذه من المحافظين الجدد الصهاينة وتمت دون الرجوع إلى الأليات الديمقراطية في أخطر قرار لتغيير السياسة الخارجية الأمريكية خلال خمسين سنة. هذا ما يقوله كاتب مرموق في صحيفة يملكها صهاينه . فمن هو ومن هم ؟ .

ولد لويس سنة 1916 من عائلة يهودية في لندن وتخرج من جامعة لندن في دراسات المشرق وافريقيا ، ثم عمل في المخابرات البريطانية خمس سنوات اثناء الحرب العالمية الثانية بقضايا منطقة الشرق الاوسط ثم رجع استاذاً في جامعة لندن. بعد أن تراجع دور بريطانيا لتصبح تابعاً للولايات المتحدة إنتقل لويس إليها بعد حرب رمضان 1973 حيث عمل استاذاً في جامعة كولومبيا . ريتشارد بيرل أحد كبار المحافظين الجدد الصهاينة يقول أنه بعد استماعه في بداية السبعينات الى لويس دعاه ليقابل عضو الكونغرس اليهودي الصهيوني ذو النفوذ القوي هنري جاكسون . كان بيرل يعمل كأحد مساعدي جاكسون آنذاك ، ومن وقتها أصبح لويس المحرك لجاكسون . عمل لويس صداقات أبدية منذ ذلك الوقت وكان منهم بول ولفووتز ( الذي اصبح وكيل وزارة الدفاع أثناء العدوان على العراق ) واليوت أبرامز والذي اصبح رئيساً لمنطقة الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي في فترة غزو العراق وكثير بل أكثر المحافظين الجدد الصهاينة الذين حرضوا واشرفوا على احتلال العراق.

بعد احداث 11 سبتمبر 2001 كان ريتشارد بيرل رئيساً لمجلس سياسات الدفاع. بعد ثمانية أيام فقط أي في 19/9/2001 دعا بيرل برنارد لويس وأحمد الشلبي ليشرحا للجنة سياسات الدفاع ضرورة إحتلال العراق لمنع إنتشار الارهاب. لم يكن في العراق إرهاباً لكن جعلوه فراخةً للارهاب كما نرى اليوم وتحت إسم مكافحة الارهاب!!!. بعد اشهر خص نائب الرئيس الامريكي ريتشارد تشيني برنارد لويس بدعوة لعشاء خاص في منزله حيث بين برنارد لويس وجهة نظره التي تبناها تشيني وهي ان احتلال العراق سيساعد على بناء الديمقراطية هناك . كما انه بين مخاطر أن تظهر الولايات المتحدة بمظهر الضعيف في

العالم الاسلامي وان على الولايات المتحدة ان تتصرف بحزم وقوة . بعد ذلك العشاء ردد تشيني كالببغاء في مقابلة له مع برنامج " قابل الصحافة" وذلك قبل غزو العراق حيث قال :" أنا أومن بقوة ، مثل رجال امثال برنارد لويس ، وهو من اعظم الباحثين عن ذلك القسم من العالم ، أن الرد القوي الحازم للولايات المتحدة ضد الارهاب والتهديدات ضد الولايات المتحدة ستكون فعالةً جداً لتهدئة الامور في ذلك الجزء من العالم ."

الاستراتيجي السياسي Carl Rove الذي قال جورج دبليو بوش أنه كان سبب نجاحه في وصوله للرئاسة والرجل الاقرب الى قلب الرئيس اراد أن يأتي ببرنارد لويس الى البيت الابيض ليجيب عن السؤال "لماذا يكرهوننا ؟" رتب لقاءات للويس مع موظفي البيت الابيض والعسكريين من البنتاغون وأعضاء مجلس الامن القومي . كما عقد لقاءات منفردة مع رئيسة مجلس الامن القومي كونداليزا رايس . يقول احد مساعدي جورج دبليو بوش أنه بدأ يلاحظ أن مقالات لويس تأتي مع ملف الامور الهامة اليومية . كانت فحوى اجابة لويس على سؤال لماذا يكرهوننا أن كراهية المسلمين ليست جديدة بل كَرِهَنا المسلمون لقرون عديدة نتيجة التنافس بين ديانتين عالميتين يعتقد المسلمون أن أصحاب الديانة الخطأ هم من يحكم هذه الأيام. كان لويس هو أول من صاغ عبارة صراع الحضارات والتي تلقفها صمويل هنتنغتون في كتابه صراع الحضارات. ادعى لويس أن سبب الصراع مع العالم الاسلامي والعربي ليس سببه الاستعمار الغربي ولا حتى المسألة الفلسطينية ولا الإحتلال الاسرائيلي. المشكلة هي في الاسلام نفسه. ويعتقد لويس أن الدولتين الوحيدتين الحديثتين والناجحتين في الشرق الاوسط هما اسرائيل وتركيا ، فهو يكيل المدح جزافاً لكمال أتاتورك الذي حسب تعبيره ( اضطهد الاسلام وأخرجه من الحياة السياسية واستبدله بالعلمانية) .

في منتصف السبعينات اصبح لويس منشغلاً بالسياسة الاسرائيلية . ففي الوقت الذي كانت اسرائيل ترفض رفضاً قاطعاً فكرة دولة فلسطينية كتب لويس مقالة في مجلة Commentary اليهودية أنه لا بأس من أن تقوم اسرائيل بإختبار رغبة منظمة التحرير الفلسطينية بالتفاوض على حل الدولتين . لكنه عاد وقال انه لا يوجد للعرب الفلسطينيين أي حق تاريخي لانشاء دولة لان فلسطين لم تكن يوماً من الايام دولة قبل ان تنشأها بريطانيا سنة 1918. كان سرورغولدا مائير بالغاً بهذه المقولة والزمت جميع وزارئها على قراءة تلك المقالة ، ثم صرحت غولدا مائير بعد ذلك بقولها الشهير– لا يوجد شيء اسمه فلسطينيون – كانت مائير تجالس لويس ساعات وساعات طويلة – ثم اصبح لويس يقضي شهوراً في كل زيارة يقضيها في مركز دايان في جامعة تل ابيب وأصبح مستشاراً مؤتمناً لروؤساء اسرائيل وخصوصاً ايريل شارون .

يقول الكاتب Peter Waldman ان افكار لويس لها منتقدون كثيرون . ويقولون أن أفكاره هي ما وصفها ادوارد سعيد بأبحاثه عن الاستشراق والتي قام المستشرقون خلالها بلوي التاريخ ليبرروا الاستعمار الغربي للعالم الاسلامي . استاذ تاريخ الشرق الاوسط في جامعة مشيغن المؤرخ Juan Cole يقول ان كتابات لويس في مستهل عمره كانت مقبولة . لكن كتاباته عن عالم إسلامي غاضب بلا حول ولا قوة تفتقد موضوعية البحث العلمي. كما يقول Cole أن دعوة لويس لاستعمال القوة ضد الاسلام والمسلمين من شانه أن يزيد الاحتقان بين الحضارتين الاسلامية والغربية وأن العراق قد اثبتت أنها فرّاخة للارهاب بدل من القضاء عليه – وهذا الارهاب الناتج عن الغزو ليس غريباً على شعب ذي حضارة عظيمة.كشعب العراق . يقول Cole :" عاش لويس طويلاً ليعيش في وقت تداعب بعض المسؤولين في واشنطن الرغبة في بناء امبراطورية امريكية . أنه لم يفهم أبداً الحقائق السياسية والاجتماعية وما يصاحبها من قوى تجعل بناء الامبراطورية أمراً غير قابل للتحقيق ." هؤلاء العقلاء الامريكيون لا تسمع صوتهم في الاعلام الامريكي المملوك اساساً من الصهاينة امثال لويس . ولكن حتى

بعض الاكاديميين الاسرائليين مثل lIan Pappe من جامعة حيفا ينتقد نظريات لويس التي تدّعِي امكانية تغيير الحضارات عن طريق القوة – فهذه النظرية التي قادت اسرائيل سنة 1982 لغزو لبنان كان على اسرائيل ان تدفع غالياً لتعرف فشلها والابتعاد عنها ولكن بعد 15 سنة وأكثر من الف جندي قتيل .

يحب لويس ان يردد نكتة " بايخة" يطرب لها وهو يقصها في محاضراته حيث يقول أنه كان في عَمّان يتحدث مع بعض اصدقاءه الاردنيين الذي قال له " لدينا متسع من الوقت ، ويمكننا ان ننتظر . لقد تخلصنا من الصليبيين . وتخلصنا من الاتراك وسنتخلص من اليهود ." يقول لويس أنه رد على صديقه الاردني :" عذراً . قرائتك للتاريخ خاطئة . الاتراك هم من طرد الصليبين ، والانجليز هم من طرد الاتراك ، واليهود هم من طرد الانجليز . لا ادري من هو القادم الجديد ." يتضح إن أستاذ التاريخ لا يفهم تاريخا ولا جغرافيا وعبقري المحافظين الجدد لا يفهم إلا في إفساد العلاقة مع المسلمين لمصلحة إسرائيل حتى لو أودت بمصالح غالبية الأمريكيين إلى الجحيم . وكل ما يفهمه هو الانتصار لاسرائيل .

الكاتب Peter Waldman يتسائل في مقالته " كم ستنجح سياسة ( لويس ) لصياغة العراق وبقية بلدان الشرق الاوسط ستكون لها تأثير كبير على أي نوع ستصبح امريكا : احادية القوة, قوية وواثقة لعشرات السنين ، ام متقوقعة وفي موقع الدفاع عن النفس." اثبات فشل نظرية لويس كلف الولايات المتحدة في العراق وافغانستان اكثر من 6 الاف قتيل أمريكي و30 الف جريح و 100000 بعاهات جسدية ونفسية وتريلونات الدولارات ولكن هذا لا يهمه فكل هؤلاء من الغوييم الذي ( لا ردهم الله) حسب تلمود لويس وعصبته من المحافظين الجدد . ألم يكفي نجاح مبدئه في تقتيل اكثر من مليون مسلم وتشريد أكثر من 5 مليون منهم و تيتيم حوالي 4 مليون آخرين وخلق ارهاب من شبح ارهاب لم يكن موجوداً بالعراق اساساً و ألم ينجح مبدئه في تفتيت المفتت وتقسيم المقسم وتدمير البشر والحجر في العالم الاسلامي والعربي ؟ نعم نجح لويس في الوصول الى هدفه غير المعلن وهو سلامة اسرائيل . لكن اهدافه المعلنة اثبتت فشلاً ذريعاً فيما ادعت أنها مصنوعة لتحقيقه لكنها حققت اهداف اسرائيل في اشاعة الفوضى والاضطراب والدمار في العالم العربي والاسلامي.

كثيراً ما يتسائل البعض كيف للولايات المتحدة الرائدة في كافة العلوم والتكنولوجيا اتباع سياسات غبيّة ليست في صالح جماهيرها وجرها من حرب الى أخرى . والجواب أن الغلبة في الولايات المتحدة هي لفئة الواحد بالمئة الذين يمتلكون 55 بالمئة من ثروة امريكا ، بينما يمتلك 80% من الشعب 7.8% من الثروة الوطنية الامريكية ، وتمتلك طبقة الواحد بالمئة هذه المصارف والاعلام بل وتمتلك السياسيين لانها هي التي توصلهم الى السلطة لينفذوا اجنداتها . اما الاصوات العاقلة فهي مغيبة اعلامياً ووظائفياً – لذلك تسير هذه الامبراطورية الى حتفها رويداً رويداً ولكن بثبات وستسقط معها تلك الطغمه الفاسدة الحاكمة والى الابد . وإن غداً لناظره لقريب .

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل