يقول الرئيس الاسرائيلي : "ان النظام الاسرائيلي الجديد ليس نبؤة آخر الزمان الكارثية . إنها الحقيقة " . الكارثة هي الثورة الديموغرافية الفلسطينية و اليهودية واليكم التفاصيل
د. عبد الحي زلوم
قنبلة الارحام الفلسطينية تبقى ركناً واحداً من ركنين من الثورة الديموغرافية التي ستنخر وتهدم اساس الكيان الاسرائيلي في حين ان واحدة منهما كافيةً لهدم ذلك النظام . فلنبدأ اولاً في الثورة الديموغرافية اليهودية وانعكاساتها واخطارها ، وخطرها ليس أقل من خطر الدموغرافية الفلسطينية لكن القليل من يدرك خطورتها.
في مؤتمر(هرزليا) Herzliya Conferenceفي بداية حزيران2015 كانت الكلمة لرئيس الدولة ريفين رفلين Reuven Rivlin وكان عنوان كلمته الخطيرة "النظام الجديد في اسرائيل" (The New Israeli Order) جاء فيه :
"حتى سنوات العقد 1990 كان المجتمع الاسرائيلي مبنياً على اساس واضح ومتماسك وهو الوسطية الصهيونية مع وجود ثلاث اقليات صغيرة وهم العرب واليهود المتدينون الوطنيون (المستوطنون) والمتطرفون الارذودكس (الحاردييم). الان فإن التغيرات الديموغرافية تعيد هيكلة وتصميم شكل المجتمع الاسرائيلي بحيث تمّ ايجاد نظام جديد لاسرائيل والذي لا يوجد به اكثرية واضحة ولا اقليات واضحة . سنة 1990 كان 52% من طلاب المدرسة الابتدائية في اسرائيل يذهبون الى المدارس الحكومية التي تمزج بين الوسطية الصهيونية واهمية الدولة . كان العرب آنذاك يمثلون 23% من طلاب المدارس الابتدائية ولهم مدارسهم الخاصة وكان الحاردييم يمثلون 9% من طلاب المدارس الابتدائية و16% كانوا من المتدينين الوطنيين .
اضاف رفلين :
"بدراسة استقرائية لسنة 2018 فإن نسبة المنتسبين الى المدارس الحكومية سينخفض الى 38% فقط) من52% ( و الحاردييم سيزيد ليصبح 28% (من 9%) وكذلك العرب سيزيدوا ليصبحوا 25% من ( 23% ) بينما يحتفظ المتدينون الوطنيون بنسبة 15%" ويضيف "ان النظام الاسرائيلي الجديد الموصوف ليس نبؤة آخر الزمان الكارثية . إنها الحقيقة " . تساءل رفلين كيف يمكن أن تبقى اسرائيل دولة متطورة بينما نصف قوة العمالة المستقبلية من العرب و الحاردييم ليسوا ممثلين داخلها ؟ إن الوضع الحالي غير قابل للبقاء . واضاف رفلين : "في الماضي كان جيش الدفاع الاسرائيلي بوتقة صهر الاسرائيلين من المنابت المختلفة وفي النظام الاسرائيلي الجديد حوالي نصف السكان سوف لن يخدموا في الجيش لان العرب والحاردييم قليلاً ما يخدموا في الجيش بل ولا يُعرّفوا انفسهم بالصهيونية."
إذا كان هذا حال الكيان الاسرائيلي) بدون فلسطيني الضفة وغزة( فكيف الحال بعد ضمهما إلى الكيان الاسرائيلي؟
نبذة تاريخية
سرعان ما تعالت الأصوات المحذرة من تنامي قوة اليهود الشرقيين، والإعراب عن رفضهم للثقافة الميزراحية التي بدأت تتغلغل في الثقافة الإسرائيلية:" لا نستطيع التحول إلى شعب ميزراحي" كما يقول المؤلف حاييم حازاز، الذي أضاف موضحاً. لا نستطيع إعادة العجلة إلى الوراء ونقبل بثقافة اليمن
والمغرب والعراق." ومضى حازاز محذراً: "نحن إنما نقترب من جرف الهاوية فيما يتعلق بالثقافة الشرقية".
في منتصف الستينات، شهدت إسرائيل ثورة ديموغرافية .. فالأول مرة منذ إقامة الدولة يصبح عدد اليهود الغربيين أقل من اليهود الشرقيين، الميزراح . في عام 1950 كان اليهود الغربيون يمثلون 80% من السكان اليهود ليتغير الوضع بعدها بسنوات، حيث أصبح اليهود الشرقيون هم الأغلبية في البلاد. ففي عام 1967 كان 60% من تلامذة المدارس الجدد مولودين لأبوين من اليهود الشرقيين . وفي العام التالي تراجعت نسبة التلامذة المنتسبين لعائلة يهودية غربية إلى 30%.
التمييز يطال اليهود الشرقيين أيضاً !
تحدث تقرير رفعه السفير الأمريكي لدى إسرائيل وولورث باربوور في منتصف الستينات ، إلى رؤسائه في واشنطن، عن تفرقة عنصرية تمارس ضد اليهود الشرقيين – الميزراح – لصالح اليهود الغربيين – الأشكيناز– . ومما أكده السفير فإن من السهل تمييز مظاهر هذه التفرقة في معظم مناحي الحياة…. وتوصل السفير في تقريره لقناعة مؤداها أن الانتماء العرقي، أكثر من أي شيء آخر، هو الذي يحدد مستقبل الفرد في إسرائيل، وأضاف السفير بأن هذه القضية تشكل مصدر الخطر الأكبر على مستقبل دولة إسرائيل.
لقد كانت هذه الثورة الديموغرافية بتغليب أكثرية اليهود الشرقيين ان قلبت سياسة الكيان الاسرائيلي راساً على عقب . ذلك لان غالبية المزراح انتسبوا الى الاحزاب المتطرفة والعنصرية . وكان نتيجة هذا الانقلاب تقهقر حزب العمل بأكثريته من اليهود الغربيين وانتقال الحكم الى الاحزاب المتطرفة ابتداءً من مناحييم بيغن 1977 والذي حقق نصره اساساً انتخاب اليهود الشرقيين لحزبه . ويُكوّن اليهود الشرقيون أكثرية حزب الليكود الحاكم. ومع قدوم اليهود الروس بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانظمامهم الى احزاب اليمين اصبحت سياسة الدولة عنصريةً رجعيةً ينقصها البرغماتية الاشكنازية الى ان وصلت الامور الى ما نراه اليوم .
قنبلة الارحام الفلسطينية
حسب دراسة المكتب الفلسطيني المركزي للاحصاء (PCBS) لسنة 2015 فقد وجدت ان عدد اليهود والفلسطينيين في ارض فلسطين التاريخية من البحر الى النهر سيتساوى في سنة 2016 حيث يصبح العدد 6.42 مليون لكل منهما لكن الدراسة بينت ان الفلسطينيين سيصبحوا 7.14 مليون مقارنةً مع 6.87 مليون من اليهود بنهاية سنة 2020 . لقد حاولت بعض الجهات الاسرائيلية ابداء شكها بمصداقية هذه الدراسة لكن دراسة CIA كما ظهرت في CIA World Factbook كانت نتائجها مشابهةً للدراسة الفلسطينية وباختلاف بسيط بمئة الف شخص اقل من الدراسة الفلسطينية مما يعزز مصداقيتها ونتائجها . وفي دراسة اخرى قال البروفيسور من الجامعة العبرية Soffer Arnon الى الجروسالم بوست : نسبة اليهود اليوم(سنة 2014) هي 52% وستكون 48% (سنة2024).
إذن تجمع كافة الدراسات على أن اليهود سيصبحوا اقلية خلال سنوات قليلة!
لم يبقى لهم خيار سوى التهجير ( الترانسفير): وهناك نوعان من التهجير" التهجير ألمباشر عبر النهر زرافات ووحداناً أو غير المباشر بنقل الجنسية في الضفة والقطاع إلى الاردن مع بقاء شؤون الامن والخارجية بيد الكيان الاسرائيلي .
تتجذر فكرة التهجير عميقاً في الإيديولوجية الصهيونية منذ البداية، الأمر الذي تكشف عنه مذكرات هيرتزل: " سنحاول دفع السكان المفلسين(الفلسطينيين) عبر الحدود من خلال توفير فرص عمل لهم في بلدان العبور بينما نحرمهم من العمل في بلادنا".
في أوائل العشرينات كان الكاتب زانجويل لا يرى بأن استمرار العرب في فلسطين لا يحتمل سوى أحد الخيارين التاليين: إما أن تحكم الأقلية اليهودية العرب وهو أمر غير ديمقراطي، أو أن يخضع اليهود لحكم العرب وهذا أمر لا يمكن القبول به. وعليه فإن الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق كما يرى زانجويل يكمن في: إجبار العرب على الرحيل. ومع ذلك نجد العديد من الشخصيات اليهودية يتحدثون عن التهجير الجماعي لعرب فلسطين كممارسة أخلاقية في المقام الأول. فهذا ميناحيم أوشيشكين يقول:" أنا لا أؤمن بترحيل الأفراد بل بنقل القرى بأكملها". ويدافع أوشيشكين عن الجانب الأخلاقي لهذه الممارسة بالقول:" أنا على استعداد للوقوف والدفاع عن الجانب الأخلاقي لهذه الممارسة أمام الله وعصبة ألأمم".
من الناحية الفعلية، بدأت الاستعدادات لعملية ترحيل السكان في الثلاثينات عندما أوجد القادة الصهاينة لجنة خاصة لهذه المهمة وهي : لجنة ترحيل السكان التي كان محور نقاش جلساتها يتركز على قضايا مثل:" من سيتم ترحيلهم أولاً... وما هي معدلات الترحيل (على مدى عشر سنوات على الأرجح)، وإلى أين سيذهب المرحلون (ما بين غزة وبغداد)، وماذا ستكون الكلفة (ما يقارب من 300 مليون جنيه استرليني). كان بن غوريون يفترض بأن الحركة الصهيونية هي التي ستتحمل الكلفة. كما خرج بعض الأعضاء بأفكار خاصة بتضييق الخناق على العرب لدفعهم إلى الرحيل ومن ذلك: عدم السماح للعمال العرب بالعمل في البلاد إلا بتصاريح خاصة تصدر ضمن أضيق الحدود، وكذلك فرض ضرائب عالية لدفعهم إلى الهروب".
وفي مذكراته تحدث بن غوريون عن فكرة دفع عشرة ملايين جنيه للحكومة العراقية، مقابل استيعاب نصف مليون عربي فلسطيني مهجر (مئة ألف عائلة) في العراق. ومن جانبه حاول حاييم وايزمان استكشاف فكرة ترحيل جميع العرب الفلسطينيين إلى السعودية مع هاري جون فيلبي كوسيط لدى الملك عبد العزيز بن سعود، مقابل مبلغ كبير من المال ( ما بين10-20 مليون استرليني). أما زييف جابوتنسكي فحاول الترويج لفكرة تهجير العرب من فلسطين، باعتبارها ممارسة لم يبتدعها اليهود بل كانوا أول ضحاياها في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية. وفي ذلك كتب جابوتنسكي مضيفاً: " لقد أعطى هتلر فكرة التهجير اسماً جيداً في العالم".
مع نهاية الحرب العالمية الثانية:" أعد روبرتو باتشي، أستاذ الإحصاء وشؤون السكان، تقريراً سرياً أطلق فيه صرخة تحذير من الخطر السكاني، الذي يمثله تصاعد معدلات الإنجاب في الوسط العربي في فلسطين، والذي كان الأعلى على مستوى العالم. ولتحقيق الهدف الصهيوني اقترح باتشي: تهجير "جزء كبير" من عرب إسرائيل إلى البلاد العربية". وجدت فكرة التهجير طريقها للتنفيذ أكثر ما يكون في حرب 1948 لتكون النتيجة تهجيراً جماعياً قسرياً طال مئات الألوف من الفلسطينيين أصبحوا الآن ما لا يقل عن خمسة ملايين نسمة، بعضهم لا يزال يحتفظ بمفاتيح منازلهم وصكوك ملكية "قواشين" أراضيهم ومزارعهم في فلسطين .
سيعمد الاحتلال الى حلول خلاقه ومنها حكم الضفة الغربية من الاردن. كان موشيه دايان يفضل منح الضفة الغربية الحكم الذاتي مع بقاء الأمن والسياسة الخارجية بيد إسرائيل. وفي هذا يقول وزير الدفاع
السابق:" إذا اتضح بأن خيار الحكم الذاتي غير موات، وبأنه يترتب علي الاختيار بين عودة الضفة إلى الأردن- باستثناء القدس- أو أن يصبح سكانها العرب مواطنين إسرائيليين، فسأختار عودتهم للأردن”" مع الابقاء على القوات الاسرائلية على طول نهر الاردن . وهذا الحل القديم الجديد يمكن اجهاضه من الاردن اذا استطاع مقاومة ضغوط الولايات المتحدة .
من البديهي أن الدموغرافية لا تستطيع وحدها إزالة الكيان المُغتصِب. انها مجموع عوامل تتفاعل أهمها الانزراع في الوطن مهما حاول الغاصبون من ضغوط أو اغرا؛ات. كذلك فالامر يحتاج الى مقاومة وقيادة وطنية مخلصة لتوجيهها . ولكن من أين نأتي بهم؟
هؤلاء قد حضروا. أليس جيل الانتفاضة الثالثة مِن مَن ولد تحت الاحتلال ولم تتجاوز أعمار أكثرهم العشرين؟ ثم إن إسترداد القضية من أيدي نواطير الاحتلال إلى الشباب العرب والمسلمين أمثال الطفل التونسي محمد حميدة ذو ال-10 سنين الذي إنسحب من بطولات العالم للشطرنج لرفضه مواجهة طفل إسرائيلي . ولما سأله الحكام لماذا أجاب:"لن أؤاجه قتلة اخوتي في مجرد لعبة. الأصح أن أواجههم على أرض القدس." لن تبقى أرض محتلة في وجود مثل هؤلاء الشباب. وما الاستقبال العظيم من الشعب الجزائري المجاهد لغريق الكرة الفلسطيني مؤخراً إلا برهان أخر أن قضية فلسطين هي قضية عربية إسلامية لا يجوز إن تحتكرها عصابة مافيا كرست نفسها لحماية المحتل.
مستشار ومؤلف وباحث