عالم على كف عفريت تقوده دولة مارقة مأزومة تنشر الفوضى والأزمات وتفرض العقوبات عن اليمين وعن الشمال آخرها سياسة التجويع للتركيع وتتصرف كالثور المذبوح. وهل يجوز مساواة الوجود الأجنبي في العراق بين إيران و الأمريكان؟

قليلة هي مثل هذه اللحظات المفصلية في التاريخ التي تعاني فيها دول من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة . فالاقتصاد العالمي والأمريكي بقيادة الولايات المتحدة في أسوء حالاته ، والاتحاد الاوروبي يتفكك واقتصاده في انكماش ، والصين تقول للولايات المتحدة ان عصر الأحادية قد ولّى .

أمّا عن وطننا العربي فحدّث ولا حرج. فنحن اليوم أمة بين أن تكون أو لا تكون وأسارع لأقول بل ستكون بالرغم من مئة سنة من الغزو الثقافي تبعتها مئة سنة أخرى من الاستعمار المباشر ثم غير المباشر بواسطة حكام الطوائف من العسكر الذين لم يربحوا حرباً الا ضد شعوبهم ، ومن حكام العوائل والقبائل فأوصلونا إلى هذه المرحلة التاريخية الحرجة.

وفوق هذا كله يتحكم في العالم نظام مارق على رأسه أحمق.

قلب الأمة العربية و أكبر دولها وهمزة الوصل بين المشرق العربي ومغربه يتعرض للتعطيش من سد اقيم على شريان حياته دَبَرَهُ وخطط له عدو الامة الصهيوني الذي قَبِلَ الحكام ان يكونوا (ذخراً)استراتيجيا له كما يصفهم العدو نفسه ، بالرغم من محاولته تعطيش وتجويع ملايين من ابناء أمتهم.

سوريا التي كانت قبل عشر سنوات من الدول القليلة في العالم الثالث والتي لم يكن عليها ديون بل كانت ذات اكتفاء ذاتي في الزراعة والصناعة والخدمات و كان فيها ما يكفيها بل وما يزيد عن حاجتها من النفط والغاز. خلال عشر سنوات تم تدمير بنيتها التحتية و تدمير صناعاتها وزراعتها وتقتيل حوالي نصف مليون مواطن بريء من شعبها وتهجير اكثر من عشرة مليون من مواطنيها داخل القطر وخارجه . كل هذا الدمار والخراب تم ببترودولارات عربية وكل ذلك تم (باستيراد) عشرات الآلاف من مئة دولة او يزيد من تكفيريين مُضلَلين جاؤوا ليقتلوا اخوانهم في الدين ومعهم فتاوى من فقهاء السلاطين.

صحيح أن لنظام عائلة الاسد مالَه وما عليه ومن مساوئ النظام شمولية الحكم ، لكن هذه الحرب الكونية ضده لم تكن لإزالة هذه المساوئ بل كانت لمحاربة أحسن ما فيه ، علما ان بشار الاسد لم يسعى ان يكون رئيساً بل طبيباً. وهنا نقول للدول التي تآمرت على سوريا إن كانت خطاياها لا تزيد عن خطايا النظام السوري بمرات ومرات فليرموهُ بحجر! وليتذكرو ا ان من قتل نفسا بريئة فكانما قتل الناس جميعا وحسابهم عند الله الذي يُمهل ولا يُهمل، وعند امتهم في يوم يتمنوه بعيدا وقد يكون قريبا.

يعيش لبنان اليوم حالة فريدة من كوكتيل عجيب من التناقضات ما بين طبقه سياسية فاسدة متآمرة مع اعداء شعبها سرقت ايداعاته البنكية وحولت من مدخرات المودعين لحساب قلة من هؤلاء الفاسدين ما يزيد عن عشرين مليار دولار في فترة زمنية قريبة، وبين فئة اخرى مقاومة مجاهدة سطرت اعظم انتصارات العرب في العقود الماضية . وقبلت الفئة الفاسدة ان تتآمر مع الاعداء في الخارج لتجويع الشعب بأكمله لتركيع المقاومة التي جعلت من ضعف لبنان قوة ، في الوقت الذي كانت فيه تلك الفئة الضالة تردد ان قوة لبنان في ضعفه ! والديون التي تراكمت اثناء حكم رؤساء الطوائف الذين جاؤوا من عصر الجاهلية ببدلات مستوردة من دور الازياء في باريس . نتيجة لفسادهم وسوء ادارتهم للاقتصاد كانوا يقترضون دينا لسداد دين نتج عن سرقاتهم وسوء ادارتهم وتركوا نفطهم وغازهم في البحر خوفا على تجارتهم في النفط والغاز . يتم اليوم حشر شعب لبنان ومقاومته وتجويعه لتركيعه والاكذوبة دائما ان السبب هو المقاومة وليس فسادهم. لكن لبنان ومقاومته لن يركعا وستنقلب الدائرة على الفاسدين والايام القادمة حبلى بالمفاجئات .فالوضع في منطقة المشرق العربي وصلت الى نقطة الانفجار .

اما في الاردن فقد ضغط (الحلفاء الاعداء ) و( الاشقاء الالداء ) على الاردن واوصلوا اقتصاده الى نقطة حرجة ليقبل بصفقة تصفية القضية الفلسطينية . لم يمنعهم من جعل الاردن لبنانا اخر سوى خوفهم من

توافق الشعب مع الدولة لرفض مشروع التصفية ، بالاضافة الى خوفهم من ان مزيدا من الضغط قد يؤثر على استقرار الدولة وومقدرتها على السيطرة على 600 كم من الحدود مع فلسطين مما قد يُخرِج الامور لعواقب غير محسوبة .و لكن فلنتذكر دائما أنه ليس لاطماع الصهيونية ولا غطرستها حدود وليس لحماقة واشنطن ولا للامعقوليتها حدود.

المُضحك المبكي ما يحصل في ليبيا بترفيع (الاسير الى مشير ) . خسر خليفه حفتر معركته ايام القذافي في تشاد فتم أسره ومئات من جنوده . وبقدرة قادر تفاوض الامريكان مع آسريه وفكوه من الاسر ونقلوه الى لانغلي في الولايات المتحدة حيث مركز وكالة المخابرات المركزية الامريكية. واصبح حفتر امريكي الجنسية . كان الاستعمار سابقا يكتفي بان يكون سياسيو دول العالم الثالث عملاء سريين لأجهزة مخابراتهم فأصبحت العمالة اليوم ( على المكشوف) . الفلسطيني الذي جاء من المجهول من الولايات المتحدة حاملا جنسيتها فاصبح وزير مالية السلطة اللاوطينية ثم رئيس وزرائها. قام مع ال CIA والمخابرات الاسرائيلية بقيادة الجنرال الامريكي دايتون بتدريب القوى الامنية للسلطة على عمالة التنسيق الامني مع العدو.

أول رئيس وزراء عراقي بعد الاحتلال الامريكي كان يحمل الجنسية الامريكية او الانجليزية واكثر رؤساء الوزراء والوزراء اللاحقين يحملون الجنسيات الامريكية والريطانية. الافغاني خليل زاده انضم الى المحافظين الجدد ايام ادارة جورج دبليو بوش فاصبح (المندوب السامي ) في افغانستان اولا ثم في العراق ثانيا .

ما يحدث في اليمن من حرب تجويع وابادة لم يفعله حتى التتار في العصور الوسطى .مئات مليارات الدولارات تصرف لتشغيل مصانع المجمع الصناعي العسكري الامريكي لتقتيل وتجويع شعب عربي اصيل مما احدث اكبر كارثة انسانية حسب وصف الامم المتحدة .

اما دول النفط العربية فهي تدفع الجزية للولايات المتحدة راضية غير مرضية بحيث أن صندوق النقد الدولي حذر من أنها سوف تصبح دولا مقترضة قبل سنة 2034 وذلك قبل أزمات اسعار النفط وجائحة كورونا ، وهي مرشحة لأن تصبح كذلك في فترة وجيزة جدا قبل ذلك التاريخ .

اما عن السلطة اللاوطنية الفلسطينية فحدّث ولا حرج.

فقد دخلت التاريخ من اوسخ ابوابه بحيث اصبحت اول مقاومة تصبح مافيا لخدمة الاحتلال ولتمكين الاحتلال من زيادة مستوطنيه في الاراضي الفلسطينية المحتلة من بضعةِ الاف الى ما يزيد عن 600 الف ، وتسلم المجاهدين المقاومين للاحتلال، ولتجعل الاحتلال الصهيوني اول احتلال له جدوى اقتصادية بدل ان يكون نزيفاً للاحتلال مالا ورجالا .

***

اما ايران فمشكلتها انها ارادت ان تنتقل سنة 1979 من مشيخة وكلب حراسة للامريكان في الخليج ، ووكرٍ الى CIA والموساد لترجع الى تراثها واصولها .عندما كانت كلب حراسة كانت مشيخات الخليج كانت تحج الى ايران زُرافات ووحدانا يقدمون الطاعة ويطلبون رضى (محمد رضى البهلوي) ، وعندما أراد الشعب الايراني الرجوع الـى اصوله وقالوا لا اله الا الله محمدا رسول الله تذكّر الاعراب ان الشعب الايراني من المجوس وتذكر القوميون العرب ان الايرانيون هم من الفرس . فاتحد المال والرجال وكان العَرّاب وواسطة ( الخير ) لجمع أهل المال والرجال الامريكان و الذي قال كبيرهم الذي علمهم السحر هنري كيسنجر: ( في كل الحروب هناك خاسر ورابح لكن في الحرب بين ايران والعراق يجب أن يكون هناك خاسران ) . فشنّ اصحاب المال والرجال الحرب التي استمرت ثماني سنوات والتي خرج منها العراق بحوالي مليون قتيل وجريح وخسر كل مدخراته واصبح مديناً بمئة مليار دولار. ظن من خسروا مليونا من الرجال ان المال قد وهبه اصحابه لهم مقابل ما قدموه في الحرب من رجال وتضحيات فغنى كل منهم على ليلاه لكنه كان يغني نشيدا امريكيا من حيث يدري او لا يدري ، فكان احتلال الكويت ثم حرب الحصار ثم الغزو والاحتلال المباشر للعراق.

من عجائب ما حصل في العراق انه قبل الغزو بنى نهضة علمية ونظاما صحيا متطورا ونهضة صناعية وبحثية وبنى بنية تحتية متطورة كانت تفوق مثيلاتها في اكثر دول العالم العربي بل واكثر دول الخليج . لم يكن يُؤَمِن النظام وظائف لشعبه فقط وانما لملايين العرب من مصريين واخرين بالاضافة الى اجتذابه للعلماء العرب وخصوصا من المهجر .وكان نظاما جاذبا للكفاءات في حين كانت اكثر دول العالم العربي طاردة لها . كما كان له جيش قوي. كل هذه المنجزات كانت حين كان انتاج العراق 2.5 مليون برميل يوميا وعندما كان سعر البرميل في العشرينات من الدولارات . واليوم وبعد 17 سنة ومعدل انتاج النفط للضعف وبعد وصول السعر الى اكثر من ثلاثة اضعاف فببركات الاحتلال ومن جاؤوا على ظهور دباباته اصبح العراق بلا ماء ولا كهرباء ولا هواء نظيف ولا وظائف ولا بنية تحتية .وبفضل الاحتلال واعوانه حصل العراق على اعلى الدرجات في سلم الفساد. لكن مشكلة الأنظمة الفردية كونها مقروئة َ لاعدائها كالكتاب المفتوح يسهل جرها عن طريق جر فرد واحد حيث يريد اعدائها . فهؤلاء الافراد مبرمجون على كمبيوترات الاعداء يعرفون ما هو الفعل المطلوب لاثارتهم ليقوموا برد الفعل المطلوب . هكذا تم جر عبد الناصر لحرب 1967 والتي لم يكن مستعدا لها ولم يكن يريدها ، وهكذا تم جر صدام حسين لغزو الكويت بما لها من اثار كارثية حتى يومنا هذا.

***

نتساءل هنا: هل يجوز مساواة الوجود الايراني بوجود قوات الاحتلال الامريكي في العراق؟

· جاءت قوات الغزو الأمريكي من بلادها التي تبعد عشرة الاف كيلومتر عن العراق واحتلته ودمرت بنيته التحتية بدون اي داعي عسكري لذلك، واستعملت اليورانيوم المنضب والذي نشر مرض السرطان في كل ارجاء البلاد وانشأت قواعد عسكرية ضخمة ، وقالوا جئنا هنا لنبقى.

· لم تخفي الولايات المتحده نواياها العدائية نحو ايران فقالت انها قادمة لتغيير الانظمة في دول محور الشر وهي سوريا والعراق وايران وهذا اعلان حرب واضح .

· لم تذهب إيران إلى المكسيك و تنشأ بها قواعد تهدد بها الولايات المتحدة وتقول انها قادمه لتغير نظامها .

· إذن هناك دولة غازية احتلت العراق والذي له من الحدود مع ايران مايزيد عن الف كيلومتر واعلنت أنها تنوي مهاجمتها ، أفلا يحق لإيران في هذه الحالة ان تستبق غزو اراضيها من ارض الجوار المحتل الفاقد لسيادته للمقاومته هناك؟

· ثم ألم تكن المقاومة العراقية هي التى انهكت قوى الاحتلال الامريكي ، وألم تكن ايران جزءا من هذه المقاومه؟ لكن كما يقولون الغرض مرض!

***

اما بعد:

كان بروز الجمهورية الإسلامية الإيرانية وصمودها اكثر من 40 سنة بالرغم من كل المحاولات التي بدأت بحرب الثماني سنوات والتي استمرت مع كل أنواع العقوبات حتى يومنا هذا. تمثل إيران اكبر تهديد وتحدي و مخالفة لمبدأ المحافظين الجدد المتمثل بمبدأ بوش لسنة 2002 والذي ينص أن الولايات المتحدة لن تسمح لبروز أي قوة أو مجموعة قوى لتنافسها في الهيمنة على أي منظقة في العالم وينص المبدأ تحديدا وخصوصا منطقة الشرق الاوسط .وقد استنفذت الولايات المتحدة كل ما لديها من وسائل القوة الناعمة بما في ذلك استخدامها أقصى العقوبات في السنتين الماضيتين .كما أن ايران وحلفائها في محور المقاومه اصبحوا يملكون من القوه ما يهدد وجوديا لرأس جسر الصهيوامريكيين في فلسطين المحتله والذي أصبح قادة ذلك الكيان في قلق دائم وخطر لم

يعرفوه منذ نشأتهم عندما كانوا يواجهون دول النظام الرسمي العربي والتي كانت هي جزء من منظومتهم . فالصدام اليوم هو صدام وجودي للكيان المحتل ولدول المقاومة وعلى رأسها ايران .وإن الولايات المتحدة قد بدأت منذ اغتيال الجنرال السليماني تستعمل القوة الخشنة وخاصةً استعمالها الهجوم السيبراني على المنشآت النووية والاقتصادية مؤخرا مما يستوجب ردا كما تقول ايران . اذا اضفنا الى كل ذلك أن المقاومة لن تقبل أن يصل نظام العقوبات لنقطة التجويع، فالتركيع ليس احد خياراتها . وبذلك نقول ان احد الطرفين قد يخطأ الحساب أو على احدهما أن يتراجع، وليس هناك أي مسافة لمحور المقاومة للتراجع .

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل