هل إرهاب وبربرية الدولة الصهيونية هو امتداد الى ارهاب دولة الانتداب البريطاني الانغلوسكسوني وحضارته اليهومسيحية منذ اختطاف اليهود للبروتستنتينية وتغليفها بعقيدة التلمود ؟

د. عبد الحي زلوم
في عام 1939 ومن موقعه على رأس الوكالة اليهودية، أوجد بن غوريون “وحدات العمليات الخاصة” وجعلها تحت إمرته . في ذلك يصف ناحوم شادمي، قائد إحدى الوحدات المذكورة ، عملية الهجوم على قرية لوبيا في الجليل الأعلى بالقول:
” تسلل رجال الوحدة إلى داخل القرية بهدوء تحت جنح الظلام وهم يضعون أحذية رياضية. وما إن دخلوا القرية حتى اختاروا منزلاً هدفاً لهم.. كانت الأضواء لا تزال مشتعلة في الداخل، وعندما نظروا من النافذة كان هناك ثلاثة رجال وامرأتان جلوساً على الأرض حول جثمان شخص ميت. دخل عدد من رجال الوحدة المنزل بينهم إيغال آلون الذي أصبح لاحقاً من أبرز القادة العسكريين والزعماء السياسيين في إسرائيل. تبين لاحقا وجود عدد من الأطفال في المكان.. انتهت العملية بقتل ثلاثة أشخاص رجلين وامرأة، وإصابة ثلاثة آخرين منهم طفل في الثانية وفتاة في العاشرة”
عملت سياسة “العدالة السريعة” التي أدخلها الضابط البريطاني تيغارت في التعامل مع عرب فلسطين على مضاعفة المعتقلين العرب ليتجاوز تسعة آلاف شخص عام 1939 أي عشرة أضعاف الرقم المسجل قبل عامين. كانت أحكام الإعدام بحق العرب تصدر بمعدل حالة إعدام كل أسبوع، وليلقى أكثر من 30 عربياً حتفهم على منصة الإعدام من أصل مئة حكم عليهم بالإعدام في أقل من عام(1938-1939). وهنا يورد توم سيغيف مؤلف كتاب (فلسطين واحدة وكاملة) وصفاً لعملية إعدام شاب فلسطيني – في سجن عكا الذي شهد ثلاث عمليات إعدام في يوم واحد- كما ورد على لسان مفوض إقليم الشمال كيركبرايد:
“أخذ مدير السجن بتلاوة الحكم إلا أن الشاب قاطعه صارخاً: دعك من هذا الهراء .. هيا لننه الأمر بحق السماء. تم اقتياد المحكوم وهو مكبل اليدين خلف ظهره حيث باب المقصلة الموصول برافعة تفتحه للأسفل ليهوي المحكوم الواقف فوقه. هوى الشاب بثقله عبر الباب الذي فتحه الجلاد فجأة إلا أن الشاب لم يمت فوراً على ما يبدو، حيث واصل جسده الانتفاض عدة دقائق، وانفرجت ساقاه بالرغم من أن الجلاد ربطهما بعد وضعه فوق منصة الإعدام. اقترب الطبيب العسكري من الجثمان لفحصه ولوحظ وقتها بأن الدم كان يتساقط من رقبة الشاب من تحت القناع الأسود الذي يغطى وجهه. مزق الطبيب قميص الشاب من الأمام واستمع لنبض قلبه الذي كان لا يزال ينبض بصورة شبه طبيعية. انتظر الطبيب بعض الوقت قبل أن يعلن عن وفاة الشاب.. وبأنتظار عملية الإعدام التالية في التاسعة جلس مفوض الإقليم في مكتب مدير السجن ليتناول إفطاره”.
العقوبات الجماعية
يعود “الشرف” في المبادرة بتطبيق “نظام العدل” الفريد الذي جعل من الفلسطينيين مسئولين بصورة جماعية عن أعمال الثوار، فيما عرف بالعقاب الجماعي، للقاضي غاد برومكين. وطبقاً للنظام المذكور الذي وجد طريقه للتطبيق بعد ثورة النبي موسى واضطرابات يافا، فقد أصبحت قرى كاملة، وأحياء واسعة من
المدن مسئولة عن أنشطة الثوار، وتم تطبيق الافتراض القائل بأن كل عربي مذنب إلى أن يبرهن على عكس ذلك. مثل هذا النظام العدلي لا يزال يطبق من قبل الإسرائيليين حتى يومنا هذا.
يقول سيغيف في كتابه:” كانت عمليات العقاب الجماعي روتينية وتستهدف كل قرية في أي لحظة. وفي العادة فقد كان الجنود يقومون بجمع الرجال في مكان مغلق أو “قفص” طبقاً لتعبير البريطانيين. ومع وجود الرجال قيد الاحتجاز، يشرع الجنود في عملية مداهمة للبيوت بحثاً عن السلاح، يقومون خلالها بخلع الأبواب وتحطيم الأثاث والأواني الفخارية والزجاجية، وتمزيق أكياس الرز والطحين والسكر، التي تشكل المئونة السنوية للفلاحين، وإلقاء محتوياتها على الأرض لتختلط ببعضها وبالزيت المدلوق من الأواني الفخارية المحطمة. بل إن الجنود كثيراً ما كانوا يتصرفون بحقد ولؤم بالقيام بنثر الخليط فوق الفراش، إمعانا في إلحاق الضرر بالأهالي”. كان يُحكم بالاعدام على من يوجد لديه قطعة سلاح في الوقت الذي كانت الوكالة اليهودية تصنع السلاح في مستعمراتها بل وتقدمه لها قوات الانتداب البريطانية .
وفي بعض الحالات كان الجيش يعمد إلى تفريغ القرية من سكانها والبقاء فيها لأشهر طويلة. كان تدمير البيوت عملاً روتينياً ضمن إجراءات العقاب الجماعي في تصرف كان يلقى الاستحسان من الحكومة البريطانية. وفي إحدى المرات تلقى “مفوض السامرة ” رسالة شكر وتقدير على تدمير 53 بيتاً في قرية باقة الغربية. وقد بلغ عدد البيوت التي دمرها الاحتلال البريطاني خلال الفترة من 1936-1940 أكثر من 2000 بيت. ولعل من المثير مجدداً عقد مقارنة بين ما قام به البريطانيون قبل أكثر من سبعين عاماً وما تفعله إسرائيل اليوم، لنجد أنفسنا أمام الممارسات والطريقة ذاتها في النفي والتنصل من التهم. فقد اعتاد البريطانيون نفي حقيقة انتهاكاتهم لحقوق الفلسطينيين المدنية، والتأكيد على أن ما كان يصل الصحافة الغربية من معلومات كانت تتعلق بحالات منفردة لا تتناسب وأخلاق وشخصية جنود صاحب الجلالة. وفي تفسير مثير للإقدام على حرق جثث الثوار القتلى ادعى البريطانيون بأن مثل هذا التصرف كان يهدف منع اندلاع أعمال العنف خلال تشييع جنازاتهم.
ويضيف توم سيغيف قائلاً:” مع تعاظم الجهود الرامية لقمع الإرهاب، اكتسبت العلاقة بين الوكالة اليهودية والسلطات البريطانية في فلسطين المزيد من القوة، لدرجة أن الوكالة في تلك الفترة بدت أقرب إلى فرع أمني من الإدارة تخدم كعميل وكمقاول من الباطن وكجاسوس. بل إن الجيش البريطاني بدأ في بعض الحالات كما لو كان يتلقى تعليماته من الوكالة اليهودية، ويتصرف كما لو كان قوة من المرتزقة أو شركة أمن مستأجرة تعمل لحساب اليهود. بل إن الوكالة كانت تتكفل ببعض النفقات الأمنية”
عقيدة الجيش الاسرائيلي كتبها ضابط مسيحي صهيوني!
يجسد ضابط الاستخبارات أوردي تشارلز وينغيت شخصية المسيحي المتعصب للصهيونية لدرجة الهوس عندما وصل إلى فلسطين للمشاركة في قمع ثورة 1936. كان أكثر المسؤولين في حكومة لويد جورج ومنهم بلفور من الصهاينة المسيحين وكذلك كافة المندوبين الساميين البريطان لفلسطين كانوا اما صهاينة يهود أو صهاينة مسيحيون. وتعج الولايات المتحدة اليوم بالصهاينة المسيحيين والذين هم أكثر تعصباً حتى من الصهاينة اليهود.
وفي بيان أصدرته وزارة الدفاع الإسرائيلية بعد وفاته، استذكر الإسرائيليون مناقب صديقهم الإنجليزي الوفي بالقول: كانت تعاليم أوردي شارلز وينغيت وشخصيته وقيادته تمثل حجر زاوية بالنسبة للعديد من قادة الهاجاناه . وما يزال تأثيره بصمة واضحة في عقيدة المواجهة لدى قوات الدفاع الإسرائيلية”.
فمن هو هذا الذي جسد العقيدة العسكرية لجيش الاحتلال الصهيوني ؟
طبقاً للمؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف فإن ” الرجال الذين خدموا تحت إمرته يتحدثون عنه بمزيج من الإعجاب والاشمئزاز، واعتادوا وصفه من وراء ظهره بالرجل المجنون”. غير أن هذا الرجل المثير لاشمئزاز الكثيرين بمن فيهم بعض المعجبين بقدراته ، أصبح نموذجاً يحتذى للجيش الإسرائيلي، لدرجة أن العقيدة العسكرية الحالية بنيت على خطى وينغيت.
كان وينغيت هو صاحب فكرة تشكيل الوحدات الليلية الخاصة التي حولت الجليل إلى مسرح عمليات خاص بها. كانت الوحدات تضم في كل منها 200 جندي، منهم 150 يهودياً، تقوم بمهمات قتالية وأخرى خاصة بتوفير الحماية لخط أنابيب شركة نفط العراق الذي يصل حقول نفط كركوك بميناء حيفا، غير أن وحدات وينغيت كانت تؤدي عملاً آخر لا يقل أهمية وهو التنكيل بالفلسطينيين بحجة ملاحقة الإرهابيين. وفي ذلك كتب صهيون كوهين، أحد أفراد الوحدات الليلية الخاصة يقول عن تجربته في العمل مع وينغيت:” كنا نقترب من القرية التي يتعرض انبوب النفط المار بجوارها لعمل تخريبي، وننتظر هناك حتى الفجر، ثم ندخل القرية ونجمع الرجال ونجبرهم على الاصطفاف في مواجهة الحائط وأيديهم إلى الأعلى، ثم نترك للضابط البريطاني ورجاله مهمة إنزال العقاب بهم، مفضلين عدم الظهور في الصورة لأننا لم نكن نرغب بزيادة مشاعر الكراهية في نفوس العرب تجاهنا. ثم ينزل وينغيت العقاب التقليدي بالشبان العرب، ومن ذلك جلدهم على ظهورهم العارية في مشهد رهيب على حد تعبير أحد أفراد الوحدة. في البداية كان وينغيت يعتلي صخرة ويخاطب رجال القرية موبخاً إياهم بلغة عربية مكسرة قبل أن ينزل عقابه بهم، هذا العقاب الذي أصبح أكثر قسوة مع مرور الوقت. فقد اعتاد الضابط البريطاني إجبار الرجال على التمرغ في التراب المغموس بالنفط. وفي بعض الأحيان كان وينغيت يطلق النار عليهم ليموتوا جميعاً. ويضيف كوهين: لقد علمنا وينغيت كيف نكون جنوداً متحلين بالقيم”
ويصف كوهين رد الوحدة على قتل الثوار لـ 15 يهودياً في طبريا بالقول: اختار وينغيت قرية حطين لعمليته الانتقامية. وبعد جمع رجال القرية كافة، اختار عشرة منهم ،وأمرهم بالتقدم للأمام، ثم خاطبهم من خلال كوهين كمترجم قائلاً: إنكم أناس تخلون من الرحمة وجبناء.. وقد حكمت عليكم بالموت عقاباً لكم على جرائمكم. بعدها أطلق الجنود النار على الرجال العشرة الذين سقطوا قتلى جميعاً. كان أحد المشاركين بالعملية إيغال آلون ( نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع لاحقاً.
الواقع أن الوكالة اليهودية هي التي كانت تتكفل بدفع رواتب منتسبي الوحدات الليلية الخاصة، وسائر النفقات الخاصة بالتدريب والعربات والخيول والاسطبلات وإلى ذلك من أوجه تمويل.
بالرغم من كل هذه الفضائع بقيت ثورة 1936 مشتعلةً ثلاث سنوات واضطرت بريطانيا الى احضار قوة عسكرية ضخمة يرأسها من أصبح بعد عملياته الاجرامية لورداً ومارشلاً أسمه مونتغومري ! وما زالت المقاومة ليومنا هذا وما زال جيش الاحتلال بعقيدته الفاشية يغتال من يملك سكينا دونما محاكمة . وما زال جيش الاحتلال يستعمل الأساليب الوحشية التي تعلمها من جيش الاحتلال البريطاني لفلسطين .
من الذي تعلم مِن مَن؟ هل تعلم الانجليز من الثقافة اليهومسيحية الانجلوسكسونية التي نشأت مع الثورة البروتستانتية والتي اختطفها اليهود وألبسوها ثقافة تلمودهم ، تلك الثقافة التي دشنت الاستعمار الوقح والعنيف أم اليهود الذين يروا أن الله خلق غير اليهود لخدمتهم ؟ لا يهم فالنتيجة واحدة. هذه الحضارة والثقافة التي عرفتها الويكيبيديا : “يرى المؤرخون أصل المصطلح (الحضارة اليهومسيحية Judeo-Christian Culture) يعود إلى الثورة البروتوستانتية … وفي السياق الأمريكي يرى المؤرخون بأن استعمال هذا المصطلح هو للدلالة على تأثير العهد القديم اليهودي (التوراة) والكتاب الجديد (الإنجيل) على الفكر البروتوستانتي ومفاهيمه بشكل خاص … لتصبح تلك المفاهيم العبرية أساساً للثورة الأمريكية ، وميثاق الاستقلال ، ودستور الولايات المتحدة.”.
لكن علينا أن نقول إلى الغرب الذي يتكلم عن حقوق الانسان و الذي يصف دولة الاحتلال والارهاب في فلسطين بانها دولة ديمقراطية: اخرسوا واذهبوا انتم وديمقراطيتكم ومن تبعكم الى الجحيم.
مستشار ومؤلف وباحث