"وِداعاً يا قومية عربية" ونظام عالمــي جديد عقد التســعيـنات من القـرن العشــــــرينm خطوة فخطوة : من السيطرة إلى الاحتلال

د. عبد الحي زلوم

حينما غزا العراق الكويت واصطفت جيوشٌ عربية لتحارب اخرى وانتقلت الحرب العربية / العربية الباردة الى حرب عربية / عربية ساخنة في جبهات القتال قال عندها وزير الخارجية الفرنسي "وِداعاً يا قومية عربية"

العراق يغزو الكويت

غزا العراق الكويت ، وهي بلد ينتج 2,1 مليون برميل من النفط يوميّاً ، وبين أشياء أخرى ادعى العراق بأن الكويت كانت تضخ نفطاً أكثر مما هو مقرر لها بموجب كوتا أوبك ، وتبيعه بسعرٍ أدنى من الأسعار المعلنة مكبدّة العراق مليار دولار من الخسائر في العام مقابل كل دولار هبوط في السعر ، كما كانت تضخ النفط من حقل الرميلة عبر آبار موجهة ، وهذا الحقل كان - في معظمه - يقبع تحت أرضٍ عراقية ، وبهذا يمكن للمرء أن يفترض بأن إغراق الأسواق العالمية بالنفط قبيل حرب الخليج لم يكن فعل مصادفة ، وفي الحقيقة أنه كان مؤشراً على أن المخطط بكامله ودراما الغزو العراقي ، كانت قد افتعُلت لحشد 500,000 جندي أميركي في خطة خطوة .. فخطوة، بهدف السيطرة على نفط العالم العربي والاسلامي ، بعد أن كانت البنية التحتية اللازمة لمثل هذه القوات الضخمة قد تم إنجازها في عقد الثمانينيات

حرب دفع العرب تكاليفها

وكانت حرب الخليج فرصة للولايات المتحدة للتخلص من فائض مخزونها من السلاح ، مثلما كانت فرصة لاختبار نظم أسلحةٍ جديدة . وتم دفع معظم أثمان هذه الاسلحة من قبل الدول العربية المنتجة للنفط وكان العراق مسرحاً لكل هذا ، حيث أن من كتب سيناريو حرب الخليج الأولى لابد وأنه كاتب أفلامٍ لهوليوود من الطراز الأول فأصحاب هوليود هم نفسهم اصحاب النظام العالمي .

ينطوي أحد المعالم الجديدة للنظام العالمي الجديد على إشراك ثاني وثالث أكبر اقتصاديات العالم أي اليابان وألمانيا في الحروب الاميركية ، حيث طلب اليها تحمل جزء من نفقات هذه الحروب، لا بل إرسال جنود ، وعندما احتجت اليابان بأن دستورها - والذي وضعته لها أميركا نفسها ( بعد الحرب العالمية الثانية ) - لا يسمح لها بالاشتراك في مثل هذه الحروب، تم إبلاغها بأن الدساتير يمكن تعديلها . وكانت حرب الخليج، فريدةً من نوعها في التاريخ من حيث تم دفع كامل تكاليفها من قبل آخرين وليس من قبل المستفيد الاول.

وتحت مظلة الأمم المتحدة ، شنّت الولايات المتحدة الأميركية حرباً ، على بلدٍ من العالم الثالث ، تعداد سكانه انذاك 17 مليوناً! وتمّ إبلاغ الشعب الأميركي بأنه في مقدوره الآن دفن ظاهرة الأعراض الفيتناميّة ، والتي جلبتها عليهم حرب كبدتهم ما قارب 250,000 جندي أميركي خسروا أرواحهم أو جرحوا فيها . ومع نهاية حرب الخليج في 1991 انخفض سعر النفط إلى مستويات أدنى من تلك التي كان عليها في سنوات ما قبل 1973 (بدولارات 1973 الثابتة ) .

بقي الاقتصاد الامريكي في حالة تباطئ خرجت منه نتيجة مكاسب الحرب وخفض اسعار النفط.

وعود كاذبة

ومن أجل الترويج للحرب ، دافعت الولايات المتحدة ، عبر جيمس بيكر ، وأيدّت إنشاء " صندوق تطوير الشرق الأوسط " ، بمساهمة سنوية قيمتها 15 مليار دولار تدفعها الدول العربية المنتجة للنفط ، حتى يصبح بالإمكان توزيع الثروة النفطية بصورةٍ أكثر عدلاً ، وتمّ التلهّي والعبث بهذه الفكرة في دمشق من قبل عرب تحالف عاصفة الصحراء ، وذهبت هذه والقرارات الناشئة عن اجتماع دمشق أدراج الرّياح قبل أن يجف حبرها وفور انتهاء العمليات العسكرية لحرب عاصفة الصحراء ، وتركت فواتير الحرب التي قدّمتها الولايات المتحدة للدول العربية المنتجة للنفط ، وفواتير شراء فائض السلاح الأميركي اللاحقة ، لمواجهة التهديد العراقي الوهمي والذي استعمل كذريعةٍ مناسبة ، تركت خزائن تلك الدول خاويةً دون أن يتبقى لديها شيء تتبرع به أو توزعه.

ووجدت دول الخليج نفسها وقد استنزفت الحرب موجوداتها الاقتصادية ، وكان على حكوماتها إلغاء أعدادٍ من مشاريعها الرئيسية، كما انهارت أسواق أسهمها ، وتم سحب نسبةٍ هامةٍ من ودائع البنوك من قبل المواطنين المذعورين ، وكان على الحكومات أن تضخ البلايين في نظمها المالية للحيلولة دون أن تتهاوى ، ومن أجل إعادة إسكان السعوديين الذين فروا من المنطقة الشرقية أثناء الحرب ، ومن أجل الإنفاق على 200,000 كويتي قدموا إلى السعودية بعد احتلال الكويت، ولتغطية نفقات هجرة العمال الأجانب الجماعية ، كان عليها أن تنفق قرابة 4 بلايين دولار ، ومن أجل"تهيئة وتحضير" المملكة للحرب ، أنفقت العربية السعودية 13 مليار دولار على الأقل حتى نهاية عام 1990 ، وكان المخطط يقضي بإنفاق قرابة 17 مليار دولار تدفعها العربية السعودية لتخزين أسلحة في المملكة ، كما وافق الملك فهد في أيلول 1990 على تغطية نفقات القوات الأميركية المرسلة إلى عاصفة الصحراء " بالكامل داخل البلد " ، حيث زعمت الولايات المتحدة أن هذه القوّات إنمّا أرسلت لحماية المملكة السعودية ، وقدرت نفقاتها بـ500 مليون دولار شهريّاً ، وعندما اندلعت الحرب تعهّد الملك بـ 13,5 مليار إضافية لتغطية نفقات الحلفاء العسكرية وحتى آذار 1991 ، كما تعهد الملك فهد بالإسهام بـ 3-4 مليار دولار إلى صندوق خزينةٍ أمريكي خاص لمساعدة أقطارٍ مثل تركيا على مواجهة أعباء ونتائج الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق ، وأعطت العربية السعودية بالاشتراك مع الكويت 1,5 مليار دولار لمصر ، كما شطبت 6,6 مليار دولار مما لها عليها من ديون ، كما تم دفع مليار آخر لسوريا . هذا الكرم الحاتمي كان يتمّ بواسطة اموال نفطية عربية .

وقبل الحرب كان معدّل إنتاج النفط السعودي 5,6 مليون برميل في اليوم ، وبعد الحظر على خام العراق ثم رفع الانتاج إلى 8,7 مليون برميل ،منها 300,000 برميل يتم تزويدها للقوات الحليفة يوميا، وهي كمية تعادل أكثر من ثلاثة أمثال الاستهلاك اليومي للأردن . وكانت الأموال التي تم جنْيُها نتيجة ارتفاع أسعار النفط إنما ربحها مضاربو نيويورك وليس البلدان العربية المنتجة ، حيث كان النفط يباع بموجب عقود طويلة الأجل ، وكمثال كانت السعودية تتقاضى 28 دولاراً للبرميل ، والتي منها كلفة الإنتاج والشحن ، بينما كان سعره في بورصة نيويورك التجارية 40 دولاراً للبرميل.

حرب غير متكافئة

وكان الإجراء العسكري ذي تركيزٍ ساحق ، ففي 16 كانون الثاني 1991 ، أطلق البنتاﭽون العنان لستة أسابيع من قصفٍ جوي وبحري متواصل ودون هواده .. وأسقطت طائرات من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا وبلدان أخرى 88,500 طنّاً من القنابل، مدمّرة بذلك بنية البلد التحتية ، بما في ذلك المصانع والجسور ومحطات القوى الكهربائية ومنشآت الريّ وأنظمة المجاري وكلّ شيء آخر ضمن نطاق القصف ، ثم أتبع ذلك بأربعة أيامٍ من " الحرب البرّية" .

وعندما زار مارتي أهتيساري - المقرّر الخاص للأمم المتحدة ورئيس فنلندا فيما بعد - العراق بعد حرب الخليج مباشرة ، كتب يقول : " لم يكن ممكنا لأي شيءٍ كنّا قد رأيناه أو قرأناه تهيئتنا لهذا النوع المتميز من التدمير والتخريب.. بلدٌ تمّ الاجهاز عليه وردّه إلى ما قبل العصر الصناعي وإلى فترةٍ طويلةٍ قادمة."

ما هي أهداف الولايات المتحدة؟

في 1991 دعا بوش الأب شعب العراق للإطاحة بصدّام ، ولم يكن - على كل حال - يوجه دعوته للأكراد أو للشيعة أو إلى أية قوىً ديموقراطية ، وإنما .. إلى الجيش العراقي أو إلى حزب البعث ، وأوضح وليم وبستر المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية ذلك بالقول : " لو أننا كنا محظوظين فإن الجنود في جيشه أو الكوادر في حزبه كانوا تحركوا للقضاء عليه." وكانت مخاوف واشنطن من ثورة شعبية على ما يبدو أكبر كثيراً من رغبتها في التخلص من صدّام.

حرب الخليج الثانية : حرب مناطق حظر الطيران

وكانت حرب الخليج الثانية هي ما يمكن نعته " بحرب مناطق حظر الطيران " والتي زُعم بأنها إنما بدأت لحماية الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال ، ولكن لمن يعرف أماكن حقول النفط العراقي ( كما أعرفها) فان مناطق الحذر كانت فوق تلك المكامن.

وخلال هذا الصراع الذي دام من نهاية حرب الخليج الفعلية في 1991 وحتى2003 فإن جميع وسائل الدفاع الجوي والدفاعات الأخرى في هذه المناطق قد تمّ تدميرها من قبل القوات الجوية الأميركية والبريطانية . وعلى الرغم من تجاهلها وعلى نطاقٍ واسع من قبل وسائل الاعلام الأميركية والبريطانية فقد تصاعدت هذه الحرب بوتيرةٍ ثابتة ، ففي كانون أول 1998 ، على سبيل المثال ، تم شن هجوم ضخم ولأربعة أيام تحت اسم " ثعلب الصحراء" ، وخلال الأشهر الثمانية الأولى من 1999 ، أطلقت القوات الأميركية والبريطانية 11000 قذيفة وصاروخ ضد 359 هدفاً عراقياً طبقاً لما أوردته صحيفة نيويورك تايمز في مقالة لها بتاريخ 13 آب 1999.

ومع نهاية التسعينات كان قد تم حشد 22000 عسكري أميركي و200 طائرة عسكرية و 19 سفينة حربية . ومن المعتقد ان 500.000 طفل عراقي قد قضوا نحبهم في هذه الحرب كنتيجة مشتركة للنتائج الصحية الناجمة عن العقوبات وعن الضربات الصاروخية ، وعندما سئلت مادلين أولبرايت وزيرة خارجية الرئيس كلنتون عما إذا كانت متابعة أميركا لأهدافها تستأهل هذا الثمن ، كان ردّها البذيء " أعتقد أن هذه مفاضلةً صعبة ، إلا أن الامر - كما أعتقد- يستأهل هذا الثمن ".

الحرب الثالثة - حرب الاحتلال الفعلي -

في الساعة 05:34 بتوقيت العراق من صباح 19 مارس 2003، بدأت الحرب الثالثة - حرب الاحتلال الفعلي - على العراق بشن طائرات الستيلث والسفن الحربية هجومًا صاروخيًا على أهداف في بغداد. وفي الخامس من ابريل توجت القوات الغازية عملية الصدمة والرعب (أعيدت تسميتها لاحقًا لتصبح عملية الحرية) بدخول الأمريكيين بغداد.

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل