هل ستتحول الحروب في منطقتنا الى حرب عالمية ثالثة؟

في مقالات سابقة بينتُ أن الوجود الروسي في الشرق الاوسط والتحالف الروسي الصيني الذي يقوم تحالف دول البركس بتحدي اركان سياسة العولمة والاحادية الامريكية ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والذي قررت الولايات المتحدة انها هي وحدها القوة العالمية المهيمنة على العالم، والتي حسب مبدأ ولفووتز ايام بوش الاب ، ومبدأ بوش الابن والذي ينص صراحة أن الولايات المتحدة لن تسمح ببروز أي قوة أو تحالف قوى عالمية ، بل ولا يسمح ببروز أي قوة او تحالف قوى اقليمية بتحدي هيمنتها والتي تم بناء العولمة ومؤسساتها الطفيلية الاقتصادية والعسكرية على أساسها .

حاولت روسيا بيوتن التعايش مع الولايات المتحدة وفق اتفاقيات عُقدت بينها وبين الولايات المتحدة والتي لم تحترم هذه الاتفاقيات سواءً فيما يتعلق بعدم تمدد حلف الناتو الى البلدن السابقة للاتحاد السوفيتي ، او فيما يتعلق بالدرع الصاروخي الذي شيدته الولايات المتحدة حول روسيا بإدعاءات واهية أنه ضد الصواريخ الايرانية .

الحروب بالوكالة المشتعلة في الشرق الاوسط وتلك في اوكرانيا هي حروب شد وشد عكسي في محاولة خلق نظام عالمي جديد يتحدى الاحادية الامريكية في الهيمنة على العالم . بالنسبة للمحافظين الجدد الصهاينة القابضين على السلطة في الولايات المتحدة ، فالامر كما قال شكسبير “أن تكون أو لا تكون” . العولمة والهيمنة الامريكية على العالم والتي يحصد هؤلاء الصهاينة الجدد والقدامى كل مكاسبها ونهبها لثروات الاخرين .

ان انهيار اسعار البترول الاخير ووصوله الى مستوى الــ40 دولاراً للبرميل هو استمرار لمعركة طحن العظام لروسيا التي تعتمد كثيراً على ايراداتها النفطية خصوصاً بعد أن اصبح التدخل الروسي في روسيا عبئاً اقتصادياً جديداً . ويبدو أن الامور بدأت تضيق الى مرحلة لا تطاق بالنسبة للولايات المتحدة . ولكن الامر نفسه مع بيوتن وهنا مكمن المخاطر ومن هنا تبدأ الحروب .

في 28/9/2015 وفي الاحتفال السبعيني لتأسيس الامم المتحدة جاء في خطاب بيوتن أن روسيا اصبحت غير قادرة على تحمل الاوضاع العالمية كما هي اليوم . لكن الاخطر من ذلك بكثير ما جاء بعد ذلك بيومين من التدخل الروسي في سوريا والذي تم التحضير له في سرّية تامة . ولعل أخطر ما صرح به بيوتن مؤخراً وهو ككل رجال المخابرات قليل الكلام يزن كلامه بدقة متناهية حين صرح وكما تم بثه على التلفزيون الروسي RT وبالحرف الواحد “علمتني شوارع ليننغراد قبل خمسين سنة درساً: اذا كان لا بد من القتال فلتكن انت البادئ أولاً “

قبل فترة وجيزة وجدنا ما يسمى بالدول العربية ( المعتدلة) تدعو الى تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة ولكنها لم تقل لتحارب من ؟ اسرائيل؟ الدول الداعية لهذه القوة اصبحت حليفة لاسرائيل بالسر والعلانية . إنها قوة ليحارب العرب والمسلمين أخوتهم من العرب والمسلمين حروباً يكون البشر والحجر وأخر بترودولار عربي وقودها وهي حرب علينا وهي ليست لنا . لكن ما لبث أن دعى السناتور الامريكي جون ماكين والسناتور ليندسي غراهام عضوا لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الامريكي الى تشكيل قوة من 100 الف جندي معظمهم من دول المنطقة ( السنية حسب تصريحهما ) اضافة الى عدد بسيط من

الخبراء العسكريين الامريكيين ليكونوا حتماً في مراكز السيطرة والمراقبة وليس في جبهات القتال بحجة قتال داعش ، والتي اصبحت حصان طراودة لكافة المخططات الاستعمارية التي استباحت الاراضي والسموات العربية بعدما قامت الولايات المتحدة بتحطيم اكبر قوتين عسكريتين واقتصادتين في المشرق العربي وهما سوريا والعراق – والقادم أعظم – بما في ذلك دول ( الاعتدال) العربي التي تمّ تورطيها في وحل معارك لها اول ولكن ليس لها اخر . في هذه الحروب ليس فيها من العربي رابح وخاسر فالقاتل والمقتول خاسران في الدنيا وفي النار في الاخرة والرابح الوحيد هم اصحاب العولمة والهيمنة الامريكية صهاينة الولايات المتحدة واسرائيل.

الكاتب الامريكي بول غريك روبرتس ( وكيل وزارة المالية للشؤون الاقتصادية في عهد الرئيس ريغن( يرى ان الحرب العالمية تبدو في الافق ويتساءل إن كان النجاح والتصميم الروسي في سوريا قد أخاف واشنطن من تأثر ذلك على وكلاتها الاوروبين المترددين وتصميمهم في الوقوف معها ، فأوعزت الولايات المتحدة الى تركيا بإسقاط الطائرة الحربية الروسية لتقول امريكا لحلفائها المترديين هؤلاء : لا تخافوا ، الا تروا أن روسيا هي تمر من ورق فقط ، فلقد اسقطت تركيا ( عضو الناتو) طائراتها ولم تستطيع أن تفعل شيئاً ؟ كما يرى روبرتس أن التحدي الروسي الصيني للهيمنة الامريكية يعتبره المحافظون الجدد ” قضية حياة او موت” كونها عماد نظام عولمتهم ، وانهم من السفالة بحيث يمكن أن يحرقوا العالم كله من اجل الحفاظ على احادية هيمنتهم في حرب عالمية ثالثة أليس ما دام ذلك يتم في اراضي الاخرين وعلى نفقتهم . أليس هم أنفسهم من قاد الحرب العالمية الثانية والتي راح ضحيتها خمسين مليون انسان ؟ أليس هم من القى القنابل الذرية على اليابان وأجهزة مخابراتهم تعلم علم اليقين أن اليابان كانت على وشك الاستسلام ؟

يعتقد العديد من المعلقين الغربيين أن قصف مقاتلات الناتو بقيادة امريكية لقاعدة الجيش السوري في دير الزور ُقتل فيها 3 جنود سوريين وجرح 12 وذلك للمرة الاولى هي دليل على تخبط الولايات المتحدة بعد أن اثبت التدخل الروسي فعالية عالية فاقت في شهرين ما حققته الولايات المتحدة وحلفائها في اكثر من 14 شهر. ونتج عن ذلك تدمير مرافق السيطرة والقيادة وكذلك مخازن الاسلحة مما اضعف بشكل ملحوظ فعالية وكلاء وكلائها في المنطقة من اعداء النظام مما افشل 5 سنوات من عملها السري في سوريا .

يعتقد المحللون الغربيون أيضاً ان قصف معسكر للجيش السوري و كذلك اسقاط الطائرة الروسية من احدى دول حلف الناتو (تركيا) هي دليل أن الحرب الساخنة بين الولايات المتحدة قد بدأت ، واصبح من الممكن فقدان السيطرة من هذا الطرف أو ذاك لاشعال حرب عالمية لا تبقي ولا تذر !

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل