هل يمكن الجمع بين النقيضين: بين من يعتبر حراسة الاحتلال والاستيطان واجبه المقدّس وبين من يعتبر الجهاد ضده قدس الاقداس؟ وماذا وراء الانتخابات المشبوهة؟

هل هبط الرحمن فجأة على عجوز في رام الله اتخذ الشيطان سبيلاً وأصدر مرسوماً رئاسياً من رئيس سلطة منتهي الصلاحية لسلطة أصبحت تمثل عصابة ولا تمثل شعباً ؟ لكن الملاحظ أن المرسوم صدر بعد اتصالات مكثفة بين رام الله وعواصم التطبيع والتى وصف العدو بعضها انها اصبحت ذخراً استراتيجياً لها، بل فاقت العدو في حصار شعب فلسطين في غزة حتى منع الغذاء والدواء عنهم. وفجأة ايضاً تجتمع جامعة المصائب العربية التي لم تجتمع يوماً لخير منذ نشأتها (وقررت) الرجوع الى مبادرة السلام العربية التي هزء منها العدو ساعة صدورها ، ومزقها واقع الاستيطان اربا اربا، وجعل منها ومن يدعون لها أضحوكة لا تنطلي على احد. فمن أطلق المبادرة بالامس قال اليوم ، وبعض القول كفر ،ان لليهود الحق في دولة لهم على ارضهم في فلسطين! وفي علم القياس يحق لليهود دولة في ارضهم في خيبر بالمدينة المنورة! وقرر فقهاء الساسة العرب في مؤتمر خيبتهم بالقاهرة في اجتماعهم هذا الاسبوع ان الوقت قد آن (لاستئناف المفاوضات) وهذا هو بيت القصيد من كل هذه الحركات المريبة. ألم نتعظ بعد كل ما أوصلنا اليه اوباش الامة، واقول ذلك تحديداً لحركات المقاومة الشريفة خصوصا في غزة؟

حلف السادات عرفات غير المقدس:

كانت ( حرب) 1948 مسرحية ً قام بها النظام الرسمي العربي بإحدى وظائفه في عملية اشهار الدولة اليهودية بعد قيام الجيش البريطاني بتسليم معسكراته وأسلحته ومواقعه لقوات اليهود المسلحة. انشأ الانكليز قبل الحرب بثلاث سنين الجامعة العربية لتنسيق تعليمات مشغلي النظام الرسمي العربي و اوكلت الجامعة قيادة الجيوش العربية الـي الجيش العربي الاردني الذي كان قيادة وضباطاً وتمويلاً من الانكليز وعلى راسه جنرال بريطاني مستعرب اسمه جون باغوت غلوب .كتب الجنرال غلوب في مذكراته: “الزعماء العرب دخلوا لحرب لا يريدونها مجبرين لامتصاص ضغوطات شعوبهم بل لم يكن هناك خطة مشتركة للجيوش العربية” .وهكذا احتل الصهاينة ؜ 78% من فلسطين .

بعد 19 سنة تم احتلال ال 22٪؜ المتبقية من فلسطين بعد هزيمة نكراء سنة 1967 لثلاث دول عربية بالاضافة الى احتلال اراضي شاسعة من مصر وسوريا. كانت تلك الحرب مزيجا من الخيانة والغباء وادارتها المخابرات الامريكية والاسرائيلية بأدق تفاصيلها عن طريق العملاء على أعلى المستويات ،والشواهد كثيرة لا تحصى. أعطت تلك الحرب الكيان المحتل نصراً رخيصا لا يستحقه واعطت الوطن العربي هزيمة قومية لا يستحقها ايضاً .

فجّرت تلك الهزيمة العواطف والطاقات العربية الكامنة في كل مكان .ففي مصر وبعد تصحيح تأخر أوانه استطاعت مصر عبد الناصر ان تشن حرب استنزاف كانت اكبر من استطاعة العدو على تحملها ،فجاءت امريكا باتفاقية روجرز لنجدته. وبنى نظام عبدالناصر جيشاً جديداً استطاع ان يهزم ويطيح بأكذوبة الجيش الذي لا يُقهر سنة 1973 لولا تآمر السياسيين الذين ارادوها حرب تحريك لا حرب تحرير .

تم تأسيس حركة فتح في الكويت سنة 1965 وكانت منظمة التحرير الفلسطينية قد أنشأت في مصر قبل ذلك بسنة. في تلك الفترة كان هناك محورين أحدهما بقيادة جمال عبد الناصر والذي كان وطنيا قوميا بالرغم من أخطائه، وكان هناك محور الممالك بقيادة السعودية وتساءلت بيني وبين نفسي اذا كان انشاء منظمة فتح رد محور الممالك على منظمة التحرير الفلسطينية في القاهرة. لكني لم أشك للحظة واحدة باخلاص ووطنية ونبل منتسبيها، لكني لم اكن استطع القول نفسه عن قادتها.

حدثني أحد منتسبي حركة فتح الاوائل في الكويت ممن انسحبوا من الحركة في بداياتها انه اراد ان يعرف ان كان ياسر عرفات يقابل كمال ادهم عند زياراته السرية المتكررة للسعودية ، وكيف تعرف باستاذ مدرسة يعمل في قطر اسمه محمود عباس وما هي خلفيته ؟لكن عرفات كان يتصرف كشيخ قبيلة وبطريقة شمولية ! لا يتسع هذا المقال التطرق لقيادة عرفات الشمولية لكن يجب الوقوف عند ابرز محطتها التي قادت القضية الفلسطينية من هزيمة الى اخرى حتي يومنا هذا .

تحالف عرفات- السادات الامريكي: كانت البداية الاثمة في تحالف عرفات مع انور السادات ،والذي ادعى الصحفي بوب وودوارد وثيق الصلة بالمخابرات الامريكية في كتابه ( النقاب) ان انور السادات كان يتقاضى راتباً من كمال ادهم مدير المخابرات السعودية ووثيق الصلة بال CIA . قبل حرب 1973 بستة شهور اجتمع مبعوث السادات حافظ اسماعيل سرا في نيويورك بهنري كيسنجر يومين كاملين علـى انفراد تم خلالهما وضع خارطة طريق لحرب 1973 وما بعدها من خطوات انتهاء بمعاهدة سلام مع اسرائيل. كان ياسر عرفات ينسق سراً مع السادات ، وبناء على طلب كيسنجر تم في مؤتمر قمة بجامعة المصائب العربية بالرباط سنة 1974 ابعاد الاردن الذي احتلت الضفة الغربية الفلسطينية منه واعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وهكذا اصبحت الضفة الغربية ارضاً متنازعا عليها ليس للأردن الذي احتلت منه اي صبغة قانونية للمطالبة بها. وفي خطاب السادات بمجلس الشعب الذي اعلن فيه انه على استعداد لزيارة الكنيست الاسرائيلي بالقدس لم تكن صدفة كون عرفات حاضرا حيث تم تسليط الكاميرات عليه اعلاناً بتفويضه السادات لبحث القضية الفلسطينية نيابة عنه. منذ 1974 بدأ عرفات مسيرته بالانحراف بالثورة عن اهدافها المعلنة ، واصبح كمصر السادات تابعاً للهيمنة الصهيوامريكية . وجاءت اتفاقية كامب ديفيد وملحق الحكم الذاتي لسلطة فلسطينية منقوصة السيادة على 22٪ من فلسطين. منذ ذلك الحين اصبح هاجس عرفات ان يصبح “سيادة الرئيس ” ولو على خربة في فلسطين، واصبحت المقاومة الفلسطينية وتحديدا حماس هي العدو وليست اسرائيل والاحتلال. اعتبر عرفات اشرف ثورة انهكت الاحتلال وهدت كيانه (الانتفاضة الاولى )تهديدا لقيادته فارسل على عجل الى اوسلو سرا بدون استشارة احد استاذ مدرسة -محمود عباس_ وموظف بنك يعمل بالسعودية لانجاز خيانة اوسلو. كانت باكورة اعمال عرفات بعد دخوله (غزة واريحا اولا واخيرا)

ارسال ممثله لتل ابيب للعمل مع المخابرات الامريكية والصهيونية لانشاء قوة من 15000 مسلح باسم الامن الوقائي ونصب عليه قائدا من اسماه جورج دبليو بوش علنا ( رجلنا- our boy) وكانت باكورة اعمالها اعتقال والتنكيل بقادة الانتفاضة .وكان رجلهم الاخر والذي نصبه عرفات نائباً له وفياً لوظيفته لحماية الاحتلال والاستيطان كواجبه المقدس، فقام بتحويل ابطال كتائب شهداء الاقصى الى كتائب جنرال السي اي ايه دايتون ، وحاول تحويل كتائب الشهيد عز الدين القسام الى كتائب دايتون سنة 2007، فهل ينجح اليوم عبر المفاوضات والانتخابات في تحقيق ما فشل به سابقا بالقوة ؟

وما الحل:

تناوبت الادارات الامريكية في تقاسم الادوار الا انها جميعها ما كانت ولا تستطيع اليوم ولا غداً ان تخرج عن تعليمات الدولة العميقة، وبايدن هو احد ابنائها المخلصين. باكورة هداياه ان القدس ستبقى العاصمة الابدية لاسرائيل. الغباء الذي قد يرتقي الى حد العمالة هو تفويض الولايات المتحدة ان تكون وسيطا لحل القضية الفلسطينية ونحن نعلم جميعا انها هي من تقف وراء العدو عسكريا وماليا وسياسيا واستراتيجياً وتفويض امريكا كوسيط هو تماماً كتفويض اسرائيل لتكون الخصم والحكم.

الحل هو الغاء سلطة اوسلو وليس التفاوض معها وهناك “طريق واحد يخرج من فوهة بندقية”.

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل