هل يستطيع الاردن أن يحافظ على ثواتبه مع بيت ابيض اصبح مستوطنةً يديرها نتنياهو والذي يقود حزباً كان ومنطقتنا تواجه صفقة “اسرائيل شعاره للاردن ضفتان.. هذه لنا وكذلك الاخرى؟ العالم على فوهة برالكبرى

قال جورج دبليو بوش بعد انتهاء غزوه للعراق بحوالي شهر :”انتهت المهمة” مع انها لم تنتهي! لكن لو قال ترامب ان مهام الدول الوظيفية لسايكس بيكو قد انتهت بعد مئة سنة من اداء مهامها التي اوكلت لها بنجاح فقد يكون صدق ولو مرة واحدة بحياته. إحدى الوظائف كانت اعادة العالم العربي الواحد الى دويلات قبائل وعوائل وقد تحقق ذلك بإمتياز . وأحد هذه الوظائف كان زرعُ كيانٌ استيطان دخيل في فلسطين يكون جزءاً من منظومة سايكس بيكو وقد تحقق ذلك بنجاح الدول التي تمردت على دورها الوظيفي كانت ايران والعراق وسوريا فتمّ اعتبارها دولاً مارقةً. وما نراه اليوم هو مجموعة من محاولات اعادتها الى بيت الطاعة الامريكي تحت هذا المسمى وذاك . كذلك هناك اليوم دورٌ وظيفي جديد للدول التي ما زالت تحت عباءة الهيمنة الصهيوامريكية. كانت مرجعيتهم الولايات المتحدة فأصبحت اليوم مرجعيتهم هو الكيان الصهيوني في فلسطين.

وانتهى دور تكوين الكيان الصهيوني من مشروع الى كيان لينتقل الى “دور اسرائيل الكبرى ” . ولا نقول ذلك على سبيل المبالغة فقد بدأ انشاء هذه الاسرائيل الكبرى منذ سنوات وما حلف عرب وارسو الجديد سوى مشيخات فيالامبراطورية الجديدة لاسرائيل الكبرى . نحن في عالم افتراضي اصبح الهاتف الذكي مكتباً افتراضياً في جيب حامله. واصبح لمشيخة ان تظن نفسها امبراطورية افتراضية تدير اكبر دول العالم العربي أو اصغره. والامبراطورية الافتراضية هي التي تفرض هيمنتها السياسية على حدودها الافتراضية وكذلك هيمنتها الامنية ثم هيمنتها الاقتصادية وقد تحقق كل ذلك. واذا اُريدَ لاكبر دولة عربية أن تغلق حدودها لتحاصر شعباً عربياً آخر محاصراً في فلسطين فسمعاً وطاعة . واذا اريد لاغنى دولة عربية أو دول عربية تمويل الخراب والدمار في الدول العربية المركزية كسوريا والعراق فالسمع والطاعة . واذا اريد تجفيف المساعدات عللى بلد كالاردن لزيادة الضغوط عليه فسمعاً وطاعة. واذا اريد أن يتم التطبيع الاقتصادي وبيع الغاز الفلسطيني المسروق لدول الجوار فالسمع والطاعة حتى ولو كان ذلك يعني أن كل انواع الحياة من صناعة او زراعة قد اصبحت بيد عدو, فالسمع والطاعة . أما مشروع سكك الحديد بين حيفا ومنابع النفط في الخليج المقترح فإنه يسير فوق خارطة اسرائيل الكبرى وسيمكن نقل ليس البضائع ولكن القوات الاسرائيلية خلال ساعتين ونصف من حيفا الى الخليج. اذن عناصر امبراطورية اسرائيل الكبرى الافتراضية قد اصبحت مكتملة الاركان .ايها الاخوة في الخليج لا أتمنى أن يأتي اليوم الذي تقولون فيه ( لقد أُكلنا يوم أُكل الثور الابيض)…

السؤال هنا هل تستطيع دولة ذات امكانيات مادية وبشرية محدودة كالاردن أن تقف مقابل هذا الطوفان؟ الجواب : لا تستطيع ذلك لوحدها لكنها تستطيع تحقيقه بالتحالف مع آخرين قد قرروا ان يخرجوا من بيت الطاعة الصهيوامريكيه وهم كثر هذه الايام . وليس الخروج من الحمام كالدخول اليه ولكن ايضاً مع أن كلفة الخروج ستكون عاليةً لكن كلفة البقاء ستكون اعلى بكثير إن لم تكن مهمة مستحيلة , فالمطلوب الوظيفي الجديد من الاردن يختلف تماماً مع الف باء الثوابت الوطنية التي حددتها الدولة الاردنية.

يشوب العالم اليوم حالة عدم استقرار غير مسبوقة حتى اثناء الحرب الباردة . وأحد اهم هذه الاسباب هو الانقسام الداخلي العميق داخل الولايات المتحدة ما بين الدولة العميقة التي تبنت العولمة كمنهجها السياسي والاقتصادي لان فوائدها كلها تصبُ في جيوبها ، وهي فئة لا تتجاوز الواحد بالمئة اكثرها من الصهاينة اليهود والمسيحين ,وبين بقية الشعب الامريكي الذي قاسى وخسر بالمجمل من العولمة وتأثيراتها على الوضع الاقتصادي والبنية التحتية داخل الولايات المتحدة . فتمثل هذا الانقسام بتجمع المغلوبين على امرهم والسائرين على غير هدى فجاؤوا بدونالد ترامب لإنه ادعى انه ضد العولمة

وانظمتها فكانوا كالمُستَجيرِ مِنَ الرَّمضاءِ بالنّارِ. كذلك فقد تكونت دولٌ عديدةٌ رافضةٌ للاحادية والهيمنة الامريكية المطلقة على العالم وعلى راسها دول البريكس بقيادة روسيا والصين .

التعصب الاعمى والضيق لفئة الواحد بالمائة الامريكية الصهيوامريكية قاد ويقود الولايات المتحدة الى غير مصالح شعبها.

في المقابل خرجت بعض دول منطقتنا عن بيت الطاعة الامريكية إما كلياً(كإيران) أو جزئياً(كسوريا وتركيا وحتى العراق) .إن الحروب بالوكالة ضد الدول الخارجة عن بيت الطاعة الامريكي هي أحد اسباب عدم الاستقرار في منطقتنا .

السؤال هل يستطيع الاردن أن يقف لوحده على الحياد ؟ الجواب قطعاً لا والجواب ايضاً أن التبعية للولايات المتحدة ليس قضاءً ولا قدراً . فسياسة الصهيوأمريكيون المحافظون الجدد والقدامى قد لخصها في هذا الموضوع جورج دبليو بوش ب خمس كلمات :”من ليس معنا فهو ضدنا” وبذلك اصبح الاختيار واجباً بالرغم من صعوبة نتائجه . فإن القبول بالبقاء في بيت الطاعة الامريكي أو الخروج منه لم يعد خياراً بل ضرورة. ويبدو أن الخروج منه بالرغم من صعوبته هو الخيار الوطني والوحيد الذي سيلتحم الشعب مع قيادته التحاماً غير مسبوق مما يزيد من قوة الحاكم والمحكوم للوقوف أمام تحديات واضحةً ضدهما معاً.

إن مجرد الانضام الى المعسكر الرافض لمشروع اسرائيل الكبرى كمحور المقاومة ، (ولا اعني بمفهومها العربي فقط وإنما بمفهومها العالمي الذي يضمُ الدول الرافضة للاحادية الصهيوامريكية بما فيها دول عظمى كروسيا والصين) سيكون زلزالاً يثبت بأن الاردن في حال استعمل كافة نقاط قوته هو اكبر بكثير من حجمه . ويبدو في حساب الارباح والخسائر أن هذا هو الخيار الصحيح . ففي مثل هذا الخيار تكاملٌ اقتصادي يفتح الافاق لاسواقٍ كبرى للاردن ويأمنُ لها مصادر طاقةٍ قد تكون بكلفة منخفضةٍ مما يقلص من العجوزات بالاضافة الى أنه تحالفٌ أكثر موضوعية من الناحية الحضارية العربية الاسلامية من التبعية للحضارة الصهيوامريكية. ولما لا نتعلم من تركيا السُنية مع ايران الشيعية ، وتقاطع مصالح ايران الشيعية مع الصين الوثنية وروسيا الارذودكسية (مع الاعتذار على استعمال هذه اللغة الطائفية البغيضة).

السياسة الصهيوأمريكية في منطقتنا تعتمد على الحروب بالوكالة لا بالاصالة . اعتاد الكيان المحتل على أن تكون الحروب خارج حدوده وفي اي حرب قادمة ستكون كل بقعة من ارضه المحتلة هدفاً. كذلك فإن جيشه الشعبي يعتمد على الحروب القصيرة وستكون الحروب القادمة حروب مقاومة طويلة لا يقوى عليها مما سيشجع الهجرة المعاكسة زرافات ووحداناً . كذلك فالولايات المتحدة بشكل عام تسعى الى سحب قواتها من الخارج كما تفعل دوما الامبراطوريات في طور انحدارها وهي تعلم أن اي مواجهة ساخنة مع ايران ومحورها فإن اساطيلها في الخليج وقواعدها فوق ابار نفط الخليج ستكون عرضة الى خسائر فادحة . كما أن اغلاق مضيق هرمز وتدمير منشآت الانتاج في دول التحالف الخليجي الامريكي سينتج عنه خللٌ اقتصادي قد يودي بالنظام الرأسمالي برمته .

واذا اراد الاردن الخروج من بيت الطاعة الامريكي فمشوار الاف ميل يبدأ بخطوة وفي هذه الحالة فالخطوة هي الغاء اتفاقية الغاز الفلسطيني المسروق. وهنا يأتي دور مجلس النواب الاردني ليمارس الكثير من اقواله بشيئ من الافعال .

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل