هل يستحق النظام الرسمي العربي قراءة الفاتحة على روحه وقد أصبح مجموعة من الدول الفاشلة والمتناحرة ؟ ثرواتهم منهوبة وبترودولاراتهم مسلوبة واقتصادهم بايدي قتلة اجانب اقتصاديين بالتعاون مع محليين فاسدين، وهم أسود على إخوانهم جبناء على أعدائهم.
1- حروب داحس والغبراء في الجزيرة العربية:
من أعظم شواهد الانحدار الرهيب الذي وصل اليه النظام الرسمي العربي خلال الاسبوعين الماضيين هو أن تعزف احدى الدول المسماة بالعربية موسيقى النشيد الوطني الاسرائيلي وتكرم وزراءه ورياضيه وأن تكرم الفريق الرياضي لدولة مجاورة بالشباشب والشتائم وذلك على المستوى الشعبي . أما على المستوى الرسمي فلقد تقدمت الدول الخاسرة في لعبة كرة القدم بشكوى ضد الدولة الغالبة لتصبح العداوة هي روحها لا روح الاخوة والتسامح .
كذلك انعقدت قمة بيروت الاقتصادية بدون (القمم) وبدون اقتصاد . كما اصبحت الجامعة العربية جثةً هامدةً اقرب في تصرفاتها ان تكون جامعة عبرية .
كيف استطاعت الحضارة الاسلامية في عصر تكنولوجيا الحمير والجمال أن توحد الجزيرة العربية بكاملها يمنها و نجدها وحجازها وسواحلها وكيف اصبحت اليوم في عصر تكنولوجيا المعلومات والتواصل دول قبائل وعوائل كغثاء السيل و دولاً متناحرة تسترجع حروب داحس والغبراء موديل القرن الواحد والعشرين .
2- وداعاً يا قومية عربية :
عندما اصطفت الجيوش العربية لتقاتل بعضها بعضاً في عاصفة الصحراء بقيادة الولايات المتحدة سنة 1990 حيث وقف الجيش المصري وجيش حزب البعث العربي السوري وجيوش الجزيرة العربية مقابل جيش البعث العربي العراقي حينها ، قال وزير الخارجية الفرنسية (ولست انا ):"وداعاً يا قومية عربية ". بعد ذلك جاءت اوسلو وقرر مناضلوا الخمس نجوم وياسر عرفات بمقايضة ورقة تعترف بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل للشعب الفلسطيني وذلك للخوف المشترك بين عرفات ورابين من رسوخ قيادة الانتفاضة الشابة الاولى التي عجزت كافة اجهزة الجيش والامن والمخابرات الاسرائيلية عن التمكن بها لاكثر من خمس سنوات. واعترف عرفات وديناصوراته بالتخلي عن 82% من فلسطين التاريخية مقابل تلك الورقة الهزيلة التي اعترفت به وبمنظمته ممثلاً عن الشعب الفلسطيني . وكان اول عمل بطولي قام به ان ارسل محمد دحلان الى تل ابيب للتنسيق مع المخابرات الامريكية والاسرائيلية لانشاء ما تم تسميته (الامن الوقائي) والذي قام باعتقال قيادات الانتفاضة الاولى . ثم جاء نائبه ليفاوض ثم يفاوض وما تبقى من فلسطين يتم اغتصابه يوماً بعد يوم. بل واعتبر حراسة الاحتلال عملاً مقدساً ولم يستحي بأن يقول ذلك على الملأ .
3- ثم جاء الربيع العربي :
استبشر الناس خيراً فانتفضوا . لم يكن لهم قيادات واعية وحكيمة ولا برامج واضحة لا في السياسيةً ولا في الاقتصاد . ثم جاء بعض المسلمين الى الحكم . كيف يمكن لرئيس مسلم أن يكتب لرئيس الكيان الغاصب (عزيزي شمعون بريز) وكيف يمكن لتنظيم افراده شرفاء مستعدون للتضحية بالغالي والنفيس لتحقيق اهداف عقيدتهم وحضارتهم وشعاراتهم المعلنة أن يعلن الجهاد ضد دولة عربية في سوريا مهما كان لون حكامها خاصة وأن الهدف هو تحطيم الدولة السورية وليس نظامها ؟ ثم جاء ما بعدهم ليفرض حصاراً على غزة عجز عنه العدو المغتصب ليتفاخر بأنه و النظام الصهيوني بفلسطين حليفان استراتيجيان .
4- وجاء من يقول (لليهود الحق في العيش في دولة على ارضهم ):
دعني افترض ان هذا الشاب معلوماته في التاريخ والجغرافيا (سكر خفيف) فأقص عليه هذه القصة .
تم احتلال القسم الغربي من القدس من الصهاينة سنة 1948 وتم ضم القسم الشرقي الى الاردن الى أن احتله الكيان الصهيوني سنة 1967 . عند وفاة والدي في القدس سنة 1969 زرتها مع زوجتي بتصريح حسب الانظمة السائدة آنذاك . البيت المملوك لعائلة زوجتي كان في القسم الغربي من القدس حيث ولدت فيه . ارادت أن تذهب لترى مكان ولادتها مع والدتها . قرعوا الجرس فخرجت لهم احدى اليهوديات الساكنات في منزلهم . قالت لهم زوجة والدتي بكل أدب بانها جاءت مع ابنتها لترى مكان ولادتها، فما كان من تلك المحتلة لبيت عائلتها أن انهارت بالشتائم التي لا يمكن كتابتها هنا وبالتأكيد لم تسمح لهم بالدخول . هذه هي الارض التي رأى الامير الشاب ان لليهود الحق في دولة لهم على اراضيها . هل يسمح لي سمو الامير أن أقول له ما دام ينقصك المعلومة عن فلسطين وحقوق شعبها فاترك الامر لاصحابها .
5- وما مشكلة العرب اليوم:
في بداية عشرينات القرن الماضي بدأ تطوير علم الاجتماع لتكوين الرأي العام بوسائل الاتصال الحديثة . قام وولتر ليدمان وهو أحد مستشاري الرئيس الامريكي ولسون وكاتب راي شهير ، حيث كتب ما اترجُمُهُ بتصرف - صناعة الرأي العام- (Manufacturing of Consent).) اصبح بالامكان للطبقة المالكة للنظام الراسمالي والذين يسمون انفسهم (الهة المال ) اصبحوا يتحكمون بصناعة الراي العام عبر ثالثوث ما اسموه ب 3Ms اي المال Money ، والاعلام Media و التسويق Marketing . المال العربي ليس لمن يملكون ورق سندات اسهم في الولايات المتحدة أو حتى ورقة في بنك وإنما هو لمن يستفيد من قوته الاقتصادية بل والسياسية. وما لا يودع في الغرب يتم استعماله في أعمال التخريب والاقتتال وتنفيذ مصالح الغرب لا مصالح اصحابه . أما الاعلام العربي والذي تفوح رائحة النفط منه فإنه يتكلم العبرية لا العربية . واما التسويق فهو دائماً في خدمة السلطان مما يذكرني بقصيدة الشاعر نزار قباني واقتبس بعض ابياتها:
أيها الناس لقد أصبحت سلطانا عليكم فاكسروا أصنامكم بعد ضلال ، واعبدوني… اتركوا أطفالكم من غير خبز واتركوا نسوانكم من غير بعل .. واتبعوني احمدوا الله على نعمته فلقد أرسلني كي أكتب التاريخ، والتاريخ لا يكتب دوني أيها الناس: أنا مجنون ليلى فابعثوا زوجاتكم يحملن منى.. وابعثوا أزواجكم كي يشكروني .
واخيراً :
فالعالم العربي يتكون اليوم من قبائل وعوائل تسمي نفسها دولاً وكيانات وظيفية حدد وظيفتها الاستعمار ويبدو أنه اليوم بصدد وضع وصف وظيفي جديد وما ينتج عنه من تغيرات . وما يسمى بالشعوب العربية فما هي سوى قطعان من الافراد دونما روابط فكرية أو حضارية . ولكن في خضم هذا السواد يبدو فجراً جديداً في الأفق . قيادة حكيمة قوية حولت الشيعة في لبنان من فئة مهمشة مظلومة الى فئة يحسب لها الف حساب . كسرت هذه الفئة خرافات الدولة التي لا تقهر واستطاعت فئة قليلة لم تتجاوز حينئذ بضع الاف ان تهزم اسطورة العربدة الاسرائيلية وتخلق توازن رعب . والامر كذلك في غزة وهي سجن كبير يحاصره القريب قبل البعيد. وكذلك في الجمهورية الاسلامية الايرانية التي استطاعت ان تصمد اربعين سنة في وجه اعتى حصار واعتى قوة في التاريخ وأن تطور منظوماتها العلمية والدفاعية بالرغم من كل ذلك . ونشأ نظام جديد في تركيا عوضاً عن نظام اليهودي ( من يهود الدونما) اتتاورك المعادي للعرب والاسلام وصمد ضد الدسائس والانقلابات . جاءنا من اسمو انفسهم أو اسماهم الاستعمار بدول السنة ليقولوا أن الدولة السنية التركية هي الان عدوهم لكن هؤلاء هم ببغاوات يرددون ما يقال لهم . هناك عالم جديد يتشكل وبدأت طلائعه في منطقتنا، ومنطق التاريخ يقول بأن دول الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني والدول الفاشلة قد ولى ، وكما بدأ الأنحدار المتسارع في قوى الشر مما يبشر بفجر جديد هو آتٍ لا محاله ..
مستشار ومؤلف وباحث