هل تَزامن الحراك في لبنان والعراق مجرد صدفة ؟ مظالم الشعوب العربية تنوء تحتها الجبال لكنها وليدة تركيب نظام استعماري تم انشاؤه خلال مئة سنة.. فهل يمكن للشارع أن يغيره في مئة ساعة أو مئة يوم؟

بعد أربعة أيام فقط من استقالة حسني مبارك كتبت مجلة Jewish Week بتاريخ 15 فبراير 2011 مقالا بعنوان “التأثير اليهودي في الثورة المصرية العظيمة جاء فيه:”في اليومين الاخيرين برز اسم استاذ العلوم السياسية (Gene Sharp) ذو الواحد والثمانيين سنة والتي اسهمت بحوثه وكتاباته عن الحراكات الشعبية و كتبه الارشادية التي قرأها قادة الثورة المصرية (على مبارك) ولكنها كانت ايضاً من وَجّهَ حراكات مشابهة في دول الاتحاد السوفياتي السابق… كتابه (من الدكتاتورية الى الديمقراطية كان في ايدي الاف المشاركين في الحراك)” .

لم يغب هذا الاسم عن فنزويلا فذكره هوغو شافيز سنة 2007 بأنه يحاول زعزعة الاستقرار في بلاده كما قامت ايران سنة 2008 في عهد احمدي نجاد بعمل فلم عنه وعن أعماله .

تضيف مجلة Jewish week في مقالها المذكور اعلاه :”ادار جين شارب مركز البرت انشتاين (المعني بإدارة الحراكات) لمدة 30 سنة وكان الممول لهذا المركز هو (Peter Ackerman) وهو ملياردير يهودي”.

وهكذا قطعت جهينة قول كل خطيب!

من المفيد ان اذكر هنا ان نفقات ابحاث الدكتوراة التي حصل عليها شارب من جامعة اكسفورد كانت منحة من وزارة الدفاع الامريكية( مركز الابحاث المستقبلية المتقدمة ) وهو نفس المركز الذي اخترع الانترنت .

***

رتب مركز الجزيرة للدراسات ندوة بعنوان “الإسلاميون والثورات العربية.. تحديات الانتقال الديمقراطي وإعادة بناء الدولة” في الدوحة الشيراتون بتاريخ 11-12 سبتمبر 2012.

كانت أغلبية المدعوين من قادة الإسلاميين الذين قادوا او ساهموا في الربيع العربي أو من الأحزاب الإسلامية وخصوصا الإخوان المسلمين وكان هناك بعض المستقلين مثل فهمي هويدي من مصر وكنت أنا وعضوة البرلمان الأردني السابقة المستقلة والوطنية بامتياز توجان فيصل . وكانت الكلمات تبث على الجزيرة مباشر. من أبرز المشاركين من الأحزاب الإسلامية كان:

· راشد الغنوشي من تونس.
· خيرت الشاطر من مصر.
· عبد الحكيم بلحاج من ليبيا.
· محمد اليدومي من اليمن .
· معاذ الخطيب زعيم المعارضة السورية آنذاك.
· فهمي هويدي صحفي معروف .
· صفوت الزيات من مصر.
· برهان غليون من المعارضة السورية.
· عبد الوهاب بدرخان صحفي وكاتب رأي.
· حسن الترابي من السودان.
· رحيل غرايبة عضو المكتب التنفيذي لجماعة الاخوان المسلمين في الاردن.
· رضا السعيدي وزير من تونس.
· ناصر الصانع من الكويت.
· علي صدر الدين البيانوني من المعارضة السورية.
· عزام التميمي رئيس مجلس إدارة قناة الحوار الفضائية .
· إبراهيم المصري الامين العام للجماعة الاسلامية في لبنان.
· حارس سيلاجيتش – رئيس دولة البوسنة والهرسك سابقاً.

***

بعد الغزو الامريكي لافغانستان الذي كان يهدف لتأمين خطي انابيب غاز من غاز تركمنستان الحبيس لايصاله عبر افغانستان الى كراتشي ومنها الى العالم. كما كان هناك ايضاً النفط الحبيس في دول اواسط آسيا وبحر قزوين والتي ارادت الولايات المتحدة وشركاتها بايصاله الى ميناء شيهان جنوب شرق تركيا على البحر المتوسط . كان ذلك يتطلب انشاء خط انابيب بطول 1800 كيلو متر لا يمر عبر اراضي روسيا. وكان يتوجب تأمين مسار الخط وتمت الثورات الملونة في بلدان عبوره. ثم تم انشاء الخط والمعروف بخط BTC. عندها بدأت أبحث عن كيف تتم ادارة الثورات الملونة.

عند استلامي دعوة قناة الجزيرة وقرات قائمة المدعوين وجدت انها فرصة بأن اكتب كتاباً أو كتيباً أُبدي فيه شكوكي بطريقة علمية فقررت ان اكتب على عجل كتاباً اسميته : “الربيع العربي : ثورة أم فوضى غير خلاقه” وقررت ان اهديه الى ما استطعت من المشاركين في الندوة . وهكذا فعلت. ولم يخفي بعض من قرأ عنوان الكتاب ابداء الدهشة الذي يتساءل عن حقيقة الربيع العربي الذي قاده هؤلاء الموجودون في الندوة. وهنا أجد مناسباً أن اقتبس بعض ما جاء في الكتاب أو الكتيب :

· ” كان هناك (ثورة الارز) اللبنانية والتي اُعطيت هذا الاسم من وكيلة وزارة الخارجية الامريكية للشؤون العالمية Paula J Dobriansky في مؤتمر صحفي، وذلك لايجاد رابط بينها وبين (الثورة الوردية أمريكية الصنع في جورجيا( (Rose Revolution ) أو اختها (الثورة البرتقالية( والتي أطلقت على الثورة في أكورانيا ، أو الثورة البنفسجية والتي أطلق اسمها جورج دبليو بوش على احتلاله للعراق سنة 2003″. ابين هنا ان البنية التحتية لتوجيه الحراك في لبنان كما هو في سائر الدول العربية هو موجود ( تحت الطلب) لاستعماله حين الحاجة .

· عن قيادة جماعة الاخوان المسلمين جاء في الكتاب ما يلي : ” ولو اردت ان ابدي رايا لجماعة الاخوان المسلمين لسألتهم ان يقوموا بتحليل لتاريخهم من حيث تكرار استعمالهم واستخدامهم من قبل الانظمة ثمّ تخلي هذه الأنظمة عنهم، لا بل والتنكيل بهم أحياناً، وقد حدث مثل ذلك ثلاث مرات على الاقل عبر تاريخهم في السنوات الثمانين الماضية :

ü ساعدوا جمال عبد الناصر وجماعته من الضباط في ثورة 1952 ثم اختلفوا معه ثم نكل بهم أيّما تنكيل.

ü ساعدوا أنور السادات في التخلص من نظام وانجازات عبد الناصر وتغيير المنهج الاقتصادي إلى الانفتاح على الرأسمالية بأعتى وأوسخ مراتبها ثم تمّ التخلي عنهم وبقوا معه ومع خليفته مبارك بين مدّ وجزر، كجماعة غير قانونية يتم استعمالها متى كان للنظام فائدة بذلك ويتم التخلي عنها متى وجد النظام في ذلك مصلحه له.”

· كما جاء في الكتاب :” ولكن بالرغم من اعتراضات نظام حسني مبارك على انشطة المنظمات غير الحكومية (NGO) لتحفيز الديمقراطية والحوكمة، الأ أن قرار الكونغرس الأمريكي المسمى ‘‘Consolidated Appropriations Act, 2005’’ ورقمه (P.L.108,447) ينص صراحة بأن الاموال المتعلقة بالحوكمة الديمقراطية في مصر تحديداً غير مرهونة بموافقة الحكومة المصرية عليها ، وبناء عليه تقوم وكالة الانماء الامريكية USAID بتمرير مساعداتها الى الجهات المدنية المصرية دونما موافقة من الحكومة المصرية.”

· كما جاء في الكتاب : “وتقوم وزارة الخارجية الامريكية وكذلك الكونغرس الأمريكي بتمّويل ورعاية العديد من المؤسسات التي في ظاهرها تحفيز للديمقراطية وأهمها NED ,NID ,IRI , MEPI, USAID , DEMENA وتتهم جهات عربية عدّه بأن هذه السياسات تستعمل احيانا كواجهات ” تخفي ما لا تعلن”.

***

هذا غيض من فيض . هناك في العالم ازمة نظام افضل من فصَّل وصفها لها كان البابا فرانسيس والذي قال صراحة بانه نظام ظالم متعولم ومتوحش يجب تغييره. وما قاله المؤرخ إريك هوبسباوم في سنة 2006 بأن الامبراطورية الامريكية في مرحلة السقوط وهي مرحلة تصاحبها البربرية في كل مكان في العالم. في منطقتنا الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب والاردن ولبنان وسوريا والعراق . دول الخليج تدفع اتاوة على حمايتها من خطر وهمي وبدأت بفرض الضرائب وزيادة الاسعار للمحروقات والكهرباء وغيرها ، وتتأخر بدفع مستحقات المقاولين بدرجة أنهم انذروا في اغنى دولة خليجية بأن قطاع المقاولات قد يتعرض للإنهيار لتأخير دفع استحقاقاتهم وبالتالي تخلفهم عن دفع مستحقات العمالة والموردين . وافلاس اكبر شركات المقاولات وعدم دفع مستحقات عشرات الاف موظفيها الفقراء تناقلته الصحافة بحيث اضطرت الحكومة الهندية الى ارسال المساعدات الى مواطنييها الذين لم يستلموا رواتبهم لعدة شهور.

المظالم كثيرة ومحقة . وكما يقول المثل:” من يتلقى الضربات ليس كمن يعدها.” لكن هناك معقول ولا معقول . يجب ان لا يختلف اثنان ان مطالب المنتفضين هي محقة تماماً وأن تغيير الانظمة التي اوصلتهم الى البؤس الذي هم فيه هو امر حتمي وواجب . لكن هل يتم اعادة هيكلة نظام فاسد مهترئ صممه الاستعمار خلال مئة سنة بالاعتصام بالشوارع لمدة مئة ساعة أو مئة يوم ؟ ذلك لن يقود الا الى الفوضى وسيكون تماماً كالمستجير من الرمضاء بالنار.

والسؤال الاخير: هل أن نشوب الحراك في لبنان وفي العراق متزامنان في نفس الوقت الذي كان من المفروض ان يتم الافصاح عن مشروع تصفية القضية الفلسطينية (صفقة القرن) فيما لو ربح نتنياهو الانتخابات .؟

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل