هل العلاقة بين ايران وحزب الله هي علاقة شراكة ايدولوجية عقائدية أم علاقة تابع ومتبوع؟ وهل صحيح أن الدولة الايدولوجية قد اصبحت من الماضي؟ وهل صحيح أن الدولة القومية Nation State هي الخيار الاوحد لشكل الدولة حاضراً ومستقبلاً؟ والربيع العربي الى اين؟

قد يجد بعض المفكرين العرب حتى من القامات الوطنية بأن الجواب على أكثر التساؤلات أعلاه بــ “نعم”.

نطرح الرأي الاخر كعصف فكري يهدف الى الوصول الى الحقيقة التي لا يحتكرها أحد.

***

العلاقة بين ايران وحزب الله :

هذا يدفعنا لكي نجيب على سؤال : هل ايران دولة عقائدية أم دولة قومية كما يذهب اليه البعض؟

جاء في دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية: “إن الميزة الأساس لهذه الثورة بالنسبة إلى سائر النهضات التي قامت في إيران خلال القرن الأخير إنما هي عقائدية الثورة وإسلاميتها. ولقد توصل الشعب الإيراني المسلم بعد مروره بنهضة (المشروطة) المضادة للاستبداد ونهضة تأميم النفط المحاربة للاستعمار، توصل إلى هذه التجربة القيمة الا وهي أن السبب الأساس البارز لعدم نجاح هذه النهضات إنما هو عدم عقائديتها، وبالرغم من أن المساهمة الرئيسة والأساس كانت على عاتق الخطّ الفكري الإسلاميّ وقيادة علماء الإسلام المجاهدين إلاّ أنه بسبب ابتعاد هذه الحركات النضاليّة عن المواقف الإسلامّية الأصيلة فإنها كانت تتّجه بسرعة نحو الركود.”

اذن فالجمهورية الاسلامية في ايران هي جمهورية ايدولوجية كما ينمُ عليها اسمها والذي يُقدم الصفة الايدولوجية عن القومية. والنظام الاسلامي في ايران هو نظام عابر للقوميات الخمسة بها ولكن فإن المفهوم الاسلامي يحترم القوميات و لا يعاديها حسب ما جاء في الاية الكريمة (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ ).

إن العلاقة بين حزب الله و ايران هي علاقة شراكة ايدولوجية و تقاطع مصالح كما هو الحال مع الدول المتشابهة في الايدولوجية.

***

من يحرر فلسطين ؟

الاكيد أن تحرير فلسطين هو ليس حكرا على العرب لانه فرض عين على كل مسلم بما في ذلك تركيا وايران . واي جهد تقوم به اي دولة اسلامية نحو هذا الهدف يكون اضافة وليس بديلاً عن الفلسطينيين او العرب..

الاكيد ان الثورة الاسلامية في ايران منذ يومها الاول اعلنت أنها تعتبر الكيان الصهيوني كياناً غاصباً محتلاً وذلك كجزء من تكوينها العقائدي . وقد بادرت بتحويل سفارة الكيان المحتل في طهران والتي كانت وكراً للموساد للعمل ضد القضايا العربية وحولتها الى سفارة ل(دولة فلسطين). وليس خافيا ان ايران ساعدت في تطوير قوة الردع للمقاومة في غزة بالمال وبالسلاح في الوقت الذي يحاصرها الجيران العرب بتنسيق كامل مع العدو الصهيوني ويعترف بعض العرب جهاراً نهاراً بل ويفتخرون بالاعلان بأن (لليهود الحق في العيش في ارض أجدادهم!) فمثل هؤلاء العرب لن يحرروا فلسطين . وبالمناسبة فمن حرر فلسطين من الصليبيين كان كردياً ومن حررها من المغول كان قوقازياً!

***

الدولة القومية:

ليست الدولة القومية هي نموذج للدولة في الحاضر أو المسقبل بل انها في طريقها الى الزوال. فهي كما سنبين ادناه اصبحت منقوصة السيادة في عصر العولمة وتتحول لتصبح دولة افتراضية..

كان الربيع العربي اعلانا تاريخياً صارخاً بأن الدول التي انشأها الاستعمار في العالم العربي قبل 100 سنة تعاني سكرات الموت . موجة الانتفاضات الثانية التي نعيشها اليوم بعد ان اختطفت الثورة المضادة الموجة الاولـى. وسيكون هناك عند الضرورة موجات وموجات حتى يتمكن الشعب من تحقيق أهدافه . الثورة المضادة لن تستطيع ان تمنع في نهاية المطاف الشعوب من تحقيق أهدافها اللهم الا أنها ستجعل الكلفة أكثر ثمناً وتعقيداً.

هناك أسباب عدة تساعد في هز اركان الدولة القومية، أولها العولمة التي جعلت من الدول القومية دولاً منقوصة السيادة، وثانيها أن حدود الدول القومية وخصوصا الدول النامية جاءت نتيجة الحروب او رسمها الاستعمار بطريقة عشوائية لتخدم مصالحه والتي تتناقض مع مصالح شعوب تلك الدول ، وثالثها ان مفهوم الدولة القومية جاءت من اتفاقية وستفاليا سنة 1648 وان اسباب وجودها لم تعد قائمة . صلح وستفاليا أنهى حرب الثلاثين عاماً في الإمبراطورية الرومانية المقدسة وحرب الثمانين عاماً بين إسبانيا ومملكة الأراضي المنخفضة المتحدة. لم تُنْهي الدولة القومية الحروب، بل شهد القرن العشرين والواحد والعشرين حروباً عالمية و مدمرة اكثر من اي وقت في التاريخ . هذا يعني أن الدولة القومية فشلت في تحقيق ما انشأت من أجله.

مفهوم العولمة قد أنهى مفهوم الدولة القومية ذات السيادة – فهي في أحسن الاحوال أصبحت دولة منقوصة السيادة. عندما اعترض وزير الدفاع الفرنسي في حرب الخليج الاولى على تحويل خطة درع الصحراء الدفاعية الى خطة عاصفة الصحراء الهجومية ذهب وزير الخارجية الامريكي جيمس بيكر

الى باريس في الصباح واجتمع مع رئيس الجمهورية الفرنسية ميتران فاضطر الاخير أن يُغير وزير دفاعه واصبح ميتران مترا الا ربع .

الإمبراطورية الأمريكية العالمية هي إمبراطورية افتراضية اصبح رؤساء الدول القومية كفرنسا وألمانيا واليابان يعملون بوظيفة (محافظ) لدى الامبراطورية الافتراضية الأمريكية و أصبح حكام الدول القومية من دول العالم الثالث يعملون في وظيفة (مدير ناحية) لدى الامبراطورية.

***

الولايات المتحدة هي دولة أيديولوجية لا قومية:

إن مقولة أن عصر الدول الايدولوجية قد ولى هو مناف للواقع. كتبت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) أن هناك ثلاث ايدولوجيات في عالمنا : “تختلف المفاهيم الاسلامية عن الرأسمالية في أنها تعارض كنز الثروات، وعن الاشتراكية من حيث أنها لا تُنكر حقوق الملكية، بما فيها ملكية وسائل الإنتاج، ولا بد لحقوق الأفراد أن تكون متوازنة مع مصالح المجتمع بأكمله على نحو متساوٍ”.

اذن فالولايات المتحدة هي دولة ايدولوجيتها الرأسمالية وثقافتها هي اليهوبروتستنية الصهيونية و المسيحية واليهودية كوسيلة لتحقيق ايدولوجيتها . ويقول المؤرخون أن بداية الرأسمالية كانت مع الثورة البروتستنتية والتي سمحت بالربا الذي حرمته كل الاديان، مما جعل المال واصحابه عماد النظام.

مبدأ جورج دبليو بوش سنة 2002 أعلن بشكل واضح وصريح ان على العالم أن يتقبل الأيدولوجية الرأسمالية الأمريكية (طريقنا في الحياة حسب النص) وان من لا يتقبل هذه الايدولوجية فهو من الاشرار ويُعتبر ضد الولايات المتحدة وعليه أن ينتظر العواقب الوخيمة. ما يجمع المجتمع الأمريكي المكون من عشرات القوميات هو الأيدولوجية الرأسمالية. كما أن الرأسمالية هي ايدولوجية عابرة للقارات والقوميات.

إذن فالإسلام هو الأيدولوجية الثالثة في العالم مع الرأسمالية والاشتراكية . واذا كان البعض يتحسس من تسمية هذه الايدولوجية الثالثة (بالاسلامية) فليقل انها الايدولوجية الثالثة التي تعتمد على العدل كأساس للحكم و الذي يشاركها في هذا المفهوم اليوم المسيحية الكاثوليكية كما عبّر رأس تلك الكنيسة على أن العالم بحاجة الى تغيير النظام الرأسمالي الظالم . اي ان نصف البشر يتشاركون في مفهوم ايدولوجية ثالثة اساسها العدل بعيدا عن ايدولوجية الراسمالية المفترسة والظالمة والمثيرة للحروب.

لاحظوا معي امرين اولهما إن ما اسماه المحافظون الجدد بدول الشر (وهي سوريا والعراق وإيران وكوريا) كانت دولاً ذات أيدولوجية غير رأسمالية والعامل المشترك بينها أنها لم تكن تتعامل مع صندوق النقد الدولي و أنها كانت بعيدةً عن مصائد الديون. اما الامر الثاني فهو كذبة (الحرب على الإرهاب) والتي كانت لمحاربة الايدولوجيات المغايرة للرأسمالية وخصوصا الايدولوجية الإسلامية. لو كان الامر

أمر عبادات وليس اسلوباً آخر في الحياة لما مانع اصحاب الرأسمالية من تحويل البيت الابيض الى مسجد!

***

الرأسمالية والعبودية توأمان وصلا إلى طريق مسدود يقول البروفيسور رونالد ديفيس Ronald Davis من جامعة ولاية كاليفورنيا في نورث ريدج North Ridg”لا نبالغ حيث نقول إن الأرباح التي نتجت عن نظام وتجارة الرقيق من 1600 وحتى 1860 قد ساهمت إلى حد كبير في بروز الغرب في غرب أوروبا والولايات المتحدة كالقوى المهيمنة على العالم”. والعبودية ما زالت تمارسُ من الرأسمالية بوسائل اخرى وبطرق مختلفة أهمها اغراق الدول في مصائد الديون. جاء في كتاب (عولمة الفقر) للبروفيسور ميشيل شوسوروفسكي أستاذ الاقتصاد بجامعة أوتاوا بكندا: “كان مجموع الديون طويلة الأجل على الدول النامية عام 1970 حوالي 62 مليار دولار. وزادت سبع مرّات فوصلت إلى 480 مليار دولار سنة 1980 ثم زادت 32 مرّة لتصبح 2000 مليار دولار سنة 1996 … ولأن الدول قد اصبحت تنوء من ثقل ديونها ، فلقد مكن ذلك البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي ، منظمة التجارة العالمية من إجبار تلك الدول على إعادة تشكيل اقتصادها وقبول الشروط التي تتوافق مع مصالح أصحاب المال العالمي …. وأصبح الاقتصاد العالمي موجهاً لعملية تحصيل الديون مما ينتج عن ذلك من زيادة في البطالة ، وتباطئ في النشاط الاقتصادي “

تم اشهار النظام العالمي الجديد أي الاحادية الامريكية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مما تم اعادة تشكيل العالم ليصبح مرتعاً لتنهبه الشركات العابرة للقارات الامريكية . عند انهيـار منظومـة الاتحاد السوفياتي كانت نسبة أرباح الشركات الأميركية مقارنة مع أرباح جميـع الشركـات بالعالـم هي نفس النسبـة بين حجم الاقتصــاد الأمريكي (GDP) إذا ما قورن مع حجم الاقتصاد العالمي وذلك في سنة 1992، وخلال سنوات قليلة فقط، أصبحت نسبة حصة الشركات الأمريكية عام 1998 ضعف ما كانت عليه! وفي نفس الوقت، تقلصت نسبة أرباح الشركات اليابانية مقارنة مع أرباح الشركات العالمية من 17.5% سنة 1992 إلى 7% فقط سنة 1998…!

نحن في عالم سريع التغيرات ونعيش في منطقتنا تغيرات جذرية تهز اركان الدولة القومية التي بُنيت على باطل ويهتز النظام العالمي بمجمله نتيجة انحدار الامبراطورية الامريكية ، وينتج عن هذه التغيرات العالمية والمناطقية هزات سينتج عنها نظامان عالميان واقليميان جديدان نتيجة تصارع بين قوى الوضع الراهن برئاسة الامبراطورية الامريكية ووكلائها وبين المقاومين المحليين (محور المقاومة) بالتآلف مع المقاومين العالميين (روسيا والصين ودول بريكس ) الساعين الى التخلص من الاحادية والهيمنة المتوحشة للنظام الامبراطوري الرأسمالي الامريكي .

كتب جورج سورس وهو شيخ الراسماليين الامريكيين في كتابه (أزمة الرأسمالية العالمية): “قبل أقل من ستة شهور كان النظام المالي العالمي على شفير الهاوية ، وكان ذلك النظام لا يبعد سوى أيام قليلة عن الانهيار التام وحقيقة الأمر أن اقتصادات كثيرة من الدول النامية قاست هبوطات حادة كما لم يحصل الا أيام الكساد العظيم … اما اقتصادات دول المركز – الولايات المتحدة وأوروبا – قد استفادت من مصائبهم وذلك بتدني أسعار المواد الخام وكذلك انخفاض اسعار المستوردات الأجنبية من تلك البلدان التي وقعت ضحية الانهيار الاقتصادي… إن هناك حاجة ملحة باعادة التفكير واصلاح النظام الرأسمالي العالمي وإني أخشى أن تؤدي النتائج السياسية الناتجة عن الأزمات المالية الأخيرة إلى انهيار النظام الرأسمالي برمته “

فهل ستسقط الإمبراطورية الأمريكية بسكتة قلبية اقتصادية كما حصل للاتحاد السوفياتي؟

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل