هل الاهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة (الغرب) والصهيونية مختلفان؟ وهل تريد الولايات المتحدة دولة قوية لايران داخل حدودها وأنها لا تطمع في ثرواتها؟
لعلّ عنوان كتابي (امريكا اسرائيل الكبرى – اسرائيل امريكا الصغرى ) الذي صدر باللغتين العربية والانجليزية يجيب بلا عن كلا السؤالين . أعتقد أن الولايات المتحدة والصهيونية هما وجهان لعملة واحدة يتفقان في الاهداف الاستراتيجية ويتقاسمان الادوار بادارة الماسونية العالمية التي هي من قادت حرب الاستقلال الامريكية . وأدعي أيضاً ان هذا الثالوث هو وحدة واحدة . كما أدعي أن الولايات المتحدة لا ترغب بإيران قوية تحت اي طائل لا هي ولا أي دولة عربية أو إسلامية أخرى . وعليّ البينة لما أدعي . لذلك دعنا نستذكر بعض حقائق ووقائع التاريخ.
فلنبدأ بالماسونية وبالقدر الذي يهمنا ويؤثر عليّنا كعرب ومسلمين .
بعد احتلال الصليبيين القدس في الحملة الصليبية الاولى سنة 1098 جاءت جماعةٌ سماها المؤرخون بالغامضة ومجهولة الهوية .اصبح اسمهما فرسان الهيكل بفرامانٍ من البابا يطلب من سلطات الصليبيين بتسهيل مهامها. . اتخذت هذه الجماعة مقرها في المسجد الاقصى وكانت طقوسها سريةً تتعامل بالرموز وكان من يفشي اسرارها يتم قتله .بالاضافة الى كونهم قوة فرسان ضاربة وشديدة المراس شاركت في محاربة المسلمين الا أنه كان لها امتداداً في اوروبا وكانت تمارس المعاملات المالية فمثلا كانت تحول ما يدفعه أهالي و اقارب الصليبيين في اوروبا الى ابناءهم في فلسطين وبالعكس فكانوا أول من أنشأ 67 نظام الاعتماد البنكي . كما كان لهم نشاطات مالية كبرى كإدارة العقارات والاملاك لامراء وجنود الصليبين في فلسطين . وبعد ان كبر شأنهم وأصبحوا اكبر من الحكومات بل ومن الكنيسة نفسها قام ملك فرنسا بإعدام رئيسهم حرقاً والتنكيل بهم فأنتقلوا الى الجزيرة البريطانية واصبحت اسكتلندا مركزهم السري والقوي . ولا يتسع هذا المقال لتفاصيل اكثر سوى ان اقتبس ما جاء في موقع محفل الميريديان الماسوني رقم 691 تحت عنوان: ” الاتصال الماسوني” ما يلي: “ينتسب كافة فرسان الهيكل لعضوية أقدم منظمة أخوية في العالم والتي تعرف باسم: (الماسونيون القدماء الأحرار الأصليون) أو ما يعرفون باختصار باسم “الماسونيون”. ولكن ليس كل ماسوني من أتباع فرسان الهيكل بالضرورة لأن جماعة فرسان الهيكل ليست سوى جزء من الطيف الماسوني”. (http://www.islipmasons.org/knights_templers.htm)
ليس من اسرارهم ما يقولونه علنا ان هدفهم الاسمى هو اعادة بناء هيكل سليمان في القدس على جبل الهيكل اي المسجد الاقصى. وعلينا اخد هذا الموضوع بجدية في ضوء بيع القدس لنتنياهو وقد نفض حكام المسلمين ايديهم وانحصر الامر بمن يقوم باعمال الكناسة والحراسة للمقدسات!
ونحن في هدا السياق استذكر ما كتبه السفير البريطاني لوثر لوزارة خارجيته عندما خلعت جمعية الاتحاد والترقي السلطان عبد الحميد باهم ” جز ء من شبكة يهودية ماسونية منتشرة في ارجاء الدولة العثمانية
.” وبالمناسبة كان اكثر افراد الحركات السرية العربية من الماسون وبذلك كان اكثر الفوج الاول ممن استلموا حكم دول سايكس بيكو كانوا من هذه الجماعات.
أما ادعائي بأن امريكا كانت ارض صهيون منذ اول ما وطأت اقدام اول فوجٍ من المهاجرين على الباخرة الماي فلور سنة عام 1620وكانوا جميعاً من جماعةٍ غامضة من البيوريتان تم اضطهادها من الكنيسة البريطانية نتيجة غموضها وطقوسها اللامسيحية اذ قال وليام برادفورد رئيس جماعة البيوريتان وهو يضع قدمه على الأرض الأمريكية:” تعالوا لنعلي كلمة الرب في أرض صهيون”. كانت أمريكا في نظر هؤلاء المهاجرين أرض الميعاد التوراتية بالفعل. ولذلك قاموا بتسمية اسماء مدنهم باسماء مدن فلسطين كالقدس وبيت لحم على سبيل المثال. ولم يسموا مكان عبادتهم بالكنيسة ولم يضعوا الصلبان داخل معابدهم كما أن اعيادهم كانت الاعياد اليهودية . كما ان جامعاتهم بدأت بتعليم اللغة العبرية . وقد يكون من المفيد أن نذكر ان بعض الاحرف العبرية ما زالت على ختم جامعة ييل (YALE) التي تخرج منها جورج بوش الاب والابن وكلينتون وزوجته هيلاري.
عندما ادعي أن الولايات المتحدة هي منذ نشأتها دولة ماسونية صهيونية فذلك لان الثورة الامريكية نفسها هي ثورة ماسونية تم مساعدتها من الثورة الفرنيسة الماسونية ايضاً . كان جورج واشنطن نفسه ماسونياً تم تكريسه سنة 1752. كان 34 من اصل 81 جنرال في جيش جورج واشنطن من الماسون كما وثقه المحفل الماسوني (Scotch Rite ) ويعني ذلك أن 44% من قيادته كانت من الماسون. حلف واشنطن اليمين الدستوري كرئيس في محفل نيويورك للماسوني امام رئيس المحفل.
ما يُهمني هنا أن ابين ايضا أن الولايات المتحدة (الديمقراطية ) لم يصل الى رئاستها من يوم انشاءها حتى يومنا هذا الا كان من الصهاينة المسيحيين البروتستنت . وقد وصل رئيس كاثوليكي واحد كان جون كيندي وقد قتل في منتصف ولايته .
النظام الامريكي الجديد من بدايته كان معادياً للاسلام ذلك لانه نظامٌ يهومسيحي أو بالاصح يهوعبري. هذا ما تقوله الإنسايكلوبيديا ويكي بيديا Wikipedia : ولا أقوله أنا كما جاء في الاقتباس التالي عنها: “يرى المؤرخون أصل المصطلح (الثقافة اليهومسيحية Judeo-Christian Culture) يعود إلى الثورة البروتوستانتية … وفي السياق الأمريكي يرى المؤرخون بأن استعمال هذا المصطلح هو للدلالة على تأثير العهد القديم اليهودي (التوراة) والكتاب الجديد (الإنجيل) على الفكر البروتوستانتي ومفاهيمه بشكل خاص … .والتي أصبحت بدورها أساساً لمفاهيم النظام الأمريكي … لتصبح تلك المفاهيم العبرية أساساً للثورة الأمريكية ، وميثاق الاستقلال ، ودستور الولايات المتحدة.”
النظام الامريكي منذ تأسيسه هو نظام معادي للاسلام بإعتباره ايدولوجية تتناقض تماماً مع مفاهيمه الماسونية اليهومسيحية الصهيونية . ليس فقط كان اول حروب الولايات المتحدة كان ضد الدول الاسلامية في شمال افريقيا وأن أول معارك المارينز كانت في تونس ولكن ايضا ليس مصادفة أن بداية الغزو الثقافي عبر التبشيرين البروتستنت بدأ بعد سنوات قليلة من تأسيس الدولة الاميركية .
قبل مغادرتهما بوسطون إلى البلاد المقدسة ليكونا أول بعثة تبشيرية تتوجه للشرق الأوسط سنة1820، شرح المبشران الشابان للجموع المؤمنة في كنيسة أولد ساوث ما عرف بعد ذلك بـ: البرنامج التبشيري الخاص بالعالم الإسلامي. كان القس ليفي بارسونز أول المتحدثين قائلاً:” اليهود هم من علمونا طريق
الخلاص.. فقد حافظوا وبإخلاص ونوايا صافية على الإنجيل.. إلهنا هو إلههم وجنتنا هي جنتهم” والأهم من ذلك أن بارسون استذكر ” الحقيقة الكبرى” وهي أن اليهود هم من زودوا الإنسانية بالمخلص الأعظم.. المسيح”. وفي ذلك قال القس البروتستنتي وهو يستعد للسفر إلى فلسطين: نعم.. إخوتي، إن من سيشفع لكم أمام عرش الله .. هو يهودي”.أضاف القس بارسون بأن على المسيحيين، وعلى سبيل إظهار الامتنان وكنوع من رد الجميل، بذل كل ما يمكنهم من جهد لاستعادة السيادة لليهود في أرض أجدادهم وموطن الإنجيل.
واستطرد بارسون في شرح كيف أن اليهود كانوا يعيشون حياة من المعاناة والتشرد بدون وطن أو هوية سياسية على مدى 18 قرناً، وبأن الوقت قد حان لتصحيح الظلم الذي أحاق بهم. وأضاف بارسون:” علينا الاعتراف.. لا يزال هناك في صدر كل يهودي رغبة لا تقهر في تعمير الأرض التي وهبها الله لآبائهم، وهي رغبة من القوة بحيث لا يمكن اجتثاثها من النفوس حتى في حالة التحول للمسيحية.. تلك الأرض هي فلسطين التي كانت مزدهرة في يوم من الأيام لتصبح أرضاً شبه خالية من الحياة والسكان في ظل الحكم التركي، بأنتظار أصحابها الشرعيين لاستعادتها، وهو ما سيحصل” على حد قول القس المذكور وقتها، والذي أضاف:” ما إن يختفي الاحتلال العثماني لفلسطين فإن معجزة فقط هي التي ستحول دون عودة فورية لليهود إليها”.
ومن جانبه تحدث زميله المبشر الثاني بليني فيسك عن الخلاص وفلسطين، وعندما ختم حديثه بالقول:” كل الأعين مسلطة على القدس”، انخرط الحضور بالبكاء.
وطبقاً لمردخاي نوح (عام 1819) فقد كتب جون آدمز الذي تولى الرئاسة لاحقاً يقول:” أتمنى بالفعل أن يحظى اليهود بدولتهم المستقلة في يهودا من جديد”.
منذ حملة المبشرين الاولى هذه توالت هذه الحملات للغزو الثقافي تميهداً لتفتيت الدولة العثمانية الاسلامية عبر نشر ادوات التفرقة من طائفية واثنية وعرقية وقومية بين القوميات المكونة للدولة العثمانية . كانت الكلية البروتستنتية السورية في بيروت والتي تم تغيير اسمها لاحقاً للجامعة الامريكية في بيروت احدى حلقات الغزو الفكري وكان مؤسسها القس البروتستنتي دانيل بلس والتي تحمل اسمه بناية الادارة الرئيسية للجامعة حتى يومنا هذا .
وجدت الصهيونية اليهوعبرية ضرورة إعادة اليهود لفلسطين كما جاء في كتاب نشر سنة 1844 بعنوان : “وادي الرؤى : اعادة إسرائيل للوجود” كتبه بروفيسور اللغة العبرية في جامعة نيويورك جورج بوش الجد الأعظم لرئيسين أمريكيين يحملان الإسم نفسه ، وكان قد كتب قبل ذلك سيرة عن (النبي) محمد وصفه بالنبي الكاذب … طالب بوش في كتابه بالرقي ورفع اليهود إلى مرتبة نبيلة أمام الأمم في العالم واقامة دولة لهم في فلسطين، فذلك سوف يأتي بالخير على الإنسانية ، حيث يصبح اليهود عندئذٍ همزة الوصل بين الإنسانية والله. “
لا يتسع مقال في جريدة الى اكثر من هذا لاثبات ان الصهيونية بأشكالها اليهودية والمسيحية وحتى العربية اليوم هي بطبيعتها معاديةٌ لمصالح الامة وأن من يريد ان يكون حليفاً للولايات المتحدة فهو حليف للكيان الصهيوني . وما يحصل اليوم من تطبيع ما هو الا تحصيل حاصل وعمليات كشف المستور خطوة
خطوة. وهذه القوى الهائلة تحتاج الى وضوح رؤيا والابتعاد عن تفاهات الطائفية والمذهبية ، فالسنيفا ميتهزف قبل الشيعي والمسيحي العربي مع المسلم.
***
بالنسبة الى موضوع ايران فالمشكلة هي تصادم ايدولوجي ومصالح ما بين قوى الثلاث المذكورة اعلاه وبين دولة اختارت طريقاً آخر . اولاً فإن مبدأ المحافظين الجدد الذي كتبه بوول ولفوويتس ايام بوش الاب واعلنه بوش الابن في ما سمي بمبدأ بوش يقول صراحة أن منهجنا في الحياة ( اي اليهومسيحي الصهيوني) هو صالحٌ لكل زمان ومكان وعلى الجميع ان يقبل به ليكون من الاخيار والا فإنه من الاشرار ومن ليس منا فهو ضدنا . هكذا وبكل وضوح . وثانياً فإن مبدأ بوش يقول بالاحادية والهيمنة الامريكية الكاملة على العالم وأن النظام الاحادي الجديد لا يسمح من بروز اي قوة مؤثرة في اي منطقة في العالم لا تكون ضمن الهيمنة الامريكية . وثالثاً فإن الايدولوجية الفكرية لثالوث القوى المبينة اعلاه وبالخلفية المناهضة للاسلام اياً كان نوعه أو لونه فإن كون هذه القوة الجديدة طابعها اسلامي فهذا مما جعلها العدو الابرز منذ نشوء ثورة ذلك النظام . وحاولت قتله ووئده وهو وليد عن طريق تدمير قوتين خارجين عن بيت الطاعة الامريكي (فخار يكسر بعضه). وستبقى وستسعى الولايات المتحدة لتغيير النظام في ايران الاسلامية عن طريق الفتنة المذهبية مرة اخرى (فخار يكسر بعضه) من جذوره.
أن عدم شن الحرب على ايران لم يكن حسن اخلاق ولا تفاهمات وإنما نتيجة حسابات دقيقة لمعادلة الربح والخسارة . والخسارة للطرفين ستكون فوق تحمل ايٌ منهما . ولعل هذا يكون موضوع مقال قادم.
حادث اسقاط الطائرة الامريكية هو ان ايران لن تنتظر حتى يتم خنقها اقتصاديا وان غباء ادارة ترامب نتنياهو قد وضعها بشكل ليس لها ما تخسره.
نحن اليوم نعيش في أوقات صعبة جدا ومصيرية وهي اكبر من صفقة قرن و فهذه الصفقة هي بداية طوفان سيتيج عنها ان يكون أو لا نكون . لذلك كتبت هذه العجالة مسرعاً لأقول بانني لا أحتكر الحقيقة وأنني أقدم معلومات نتيجة دراسات امل ان نشرها في هذه الاوقات مفيداً و اؤكد اني احترم الرأي الاخر وخاصةً اذا جاء من قامات وطنية احترمها ممن هم يبغون كما ابغي مصلحة وطننا .
مستشار ومؤلف وباحث