نتيجة الى الكساد الاقتصادي والمصاعب الديمغرافية وتنامي الهجرة العكسية قررت القيادات في الكيان الصهيوني شن حرب توسعية وتم تحديد مصير المناطق المحلقه قبل احتلالها. المعلومات هنا بناء على محاضر لجان الدراسة وارشيف رئاسة الوزراء
انكماش اقتصادي و100000 عاطل عن العمل:
يرى الخبراء الاقتصاديون بأن السبب الرئيسي وراء دخول الاقتصاد الإسرائيلي مرحلة من الركود عام1965 كان التباطؤ الكبير في نسبة الزيادة السكانية بين الإسرائيليين من 4% عام 1964 إلى صفر بالمئة عام 1966، وذلك نتيجة للتراجع الكبير في معدلات الهجرة. لم تكن الرسائل التي يبعث بها الإسرائيليون إلى أقاربهم في الخارج تبعث على التشجيع للالتحاق بهم. وبالطبع فقد تركت معدلات النمو السكاني الضعيفة أثرها الكبير على النشاط في قطاع الإسكان، الذي يؤثر بدوره على الوضع في القطاعات الاقتصادية الأخرى. كانت النتيجة حالات إفلاس كثيرة طالت العديد من الشركات، وهبوطاً في النشاط الاستثماري بمعدلات بلغت 20% في القطاع الصناعي، و30% في الإنشاءات. بل إن الاستثمارات الأجنبية تراجعت عام 1964 بنسبة 40% ووصل التراجع إلى 55% في 1966. وأمام الجمود الذي آلت إليه حركة المشاريع الجديدة، وجد العديدون في إسرائيل أنفسهم بدون عمل.
وصل الوضع الاقتصادي حداً دفع برئيس الوزراء ليفي أشكول في فبراير 1966 إلى التحذير من أن الإسرائيليين يعيشون خارج حدود إمكانياتهم. ومما قاله إيشكول بأن الناس في إسرائيل يعيشون في فردوس الواهمين. جاءت كلمات إيشكول بنتائج معاكسة، إذ عملت على مضاعفة مشاعر الإحباط المسيطرة عليهم. وجاء في تقرير للسفير الأمريكي القول بأن الأمور خرجت عن نطاق سيطرة الحكومة، فيما يتعلق بمحاولة تسريع وتيرة الاقتصاد، وكانت النتيجة ارتفاعاً مخيفاً في معدلات البطالة التي سجلت أكثر من 100 ألف بدون عمل.
قبل 7 شهور من حرب حزيران 1967 أقدمت الحكومة في نوفمبر 1966 بتمديد فترة الخدمة العسكرية للرجال لتصل إلى عامين ونصف!
لم تكن مشاعر الإحباط لدرجة اليأس مقتصرة على الشارع الإسرائيلي، بل دقت أبواب رموز البلاد السياسيين، أمثال بن غوريون الذي دوّن مشاعره في مذكراته بالقول بأن الإسرائيليين: فقدوا الثقة بالمستقبل كما لو أن “الوضع أصبح ميئوسا منه”. في يوم العمال خرج العاطلون عن العمل إلى شوارع أسدود ودخلوا في مواجهة مع رجال الشرطة سقط خلالها العشرات من المصابين من الطرفين. يومها بدت الأمور في أسدود كما لو أن المدينة على وشك أن تعيش انتفاضة حقيقية، وتكرر المشهد ذاته في العديد من المدن الإسرائيلية الأخرى.
كان من الطبيعي أن تجد دولة الاحتلال ، وكما هو الحال عادة مع البلدان الرأسمالية في أوقات الأزمات الاقتصادية الخانقة، في الحرب المخرج المفضل من أزمتها خصوصاً في كيان لا يُخفي أن اسرائيل الكبرى هي من الفرات الى النيل. لم يكن من قبيل المصادفة أن يهبط جاسوس عراقي وهو طيار حربي بطائرته
الميغ في إسرائيل قبل أشهر قليلة فقط من اندلاع الحربل لتحليل قدراتها القتالية فقد كان الجزء الأعظم من سلاح الجو في كل من مصر والعراق وسوريا يتألف من طائرات الميغ.لم يكن في الحساب ان طائرات هذه الدول ستدمر وهي في مدرجات مطاراتها.
***
هكذا خطط الكيان لحرب 1967 وخلق مسوغاتها:
لا يختلف حزب العمل عن أحزاب اليمين المتطرف في الاهداف التوسعية ولكن فقط في الأسلوب. ففي يونيو 1963 وبعد توليه رئاسة الحكومة مباشرة، سارع ليفي إشكول (من حزب العمل) لطرح قضية توسيع حدود (إسرائيل) على بساط البحث مع رئيس أركان الجيش زفي تزور ونائبه إسحق رابين. وقتها قال الجنرال تزور لرئيس الحكومة بأن الحدود المثالية لإسرائيل ستكون نهر الأردن شرقاً ونهر الليطاني شمالاً وقناة السويس كحد فاصل مع مصر. ومن جانبه علق رابين بأن هذه الحدود ستكون مثالية إذا سنحت الفرصة لفرضها. بعدها بأسابيع قليلة عرضت القيادة العسكرية على رئيس الوزراء خطة حملت اسم: السوط، لاحتلال الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وتم تعيين الجنرال حاييم هيرتزوك حاكماً عسكرياً للضفة الغربية قبل ثلاث سنوات ونصف من احتلالها . وفي خطة ثانية حملت اسم: “بناي أور”، تحدث القادة العسكريون بالتفصيل عن إعادة رسم الحدود الجديدة مع كل من مصر وسوريا، وكيفية البقاء فيها إلى أن توافق البلدان على توقيع اتفاقيات سلام نهائية مع إسرائيل، تتضمن إجراء تعديلات على الحدود الحالية وصولاً لخلق حدود آمنة جديدة.
يقول المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف بهذا الشأن:” لم يكن توسيع حدود إسرائيل مجرد حلم أخذ شكل الحديث العام لرجال السياسة، بل إن عدداً من الجنرالات ممن يؤمنون بهذه الفكرة عمدوا إلى طرحها للنقاش الفعلي والجاد، لدرجة أن الحديث دار حول ما الذي سينبغي على إسرائيل فعله بالضفة الغربية بعد احتلالها.. كانت الخيارات المتاحة إما ضمها لإسرائيل أو إقامة دولة فلسطينية تحت السيطرة تخدم كمنطقة فاصلة… كان النقاش يدور بسرية وتكتم”. ومضي سيغيف للقول:” غير أن فكرة إسرائيل الكبرى لم تكن غائبة عن أعين وأذهان تلامذة المدارس ممن هضموها، من النظر إلى اللافتات والكتيبات التي كانت توزعها الكتائب التربوية التابعة للجيش الإسرائيلي في المدارس عام 1959 . كان بعض الكتيبات يتحدث عن دولة إسرائيل الممتدة من النيل إلى الفرات، بينما يظهر البعض الآخر خارطة إسرائيل التي تضم غزة وسيناء والضفة الغربية.” لايسعني هنا الا أن أذكر المطبعين العرب أن خرائط اسرائيل الكبرى التي تُدّرس تشمل بلدانهم وأنهم يعجلون قدومها ونهايتهم بأيديهم، اذ يعتبر الصهاينة أن زملائهم في النظام الرسمي العربي يحتفظون بأراضي اسرائيل الكبرى كعهدة وليس أكثر يستردونها متى يشاؤون!
في اليوم التالي لإعلان بن غوريون استقلال الدولة اليهودية عام 1948 نقل عن بيغن القول:” الآن أقيمت دولة إسرائيل، لكن دعونا لا ننسى بأن الوطن لم يتحرر بعد.. لا يزال أمام جنود إسرائيل مهمة رفع علمنا فوق برج داوود وسيعمل محراثنا على شق حقول جلعاد (في الاردن)”. وكثيراً ما طالب بيغين بـ “تحرير” المناطق الواقعة خلف الخط الأخضر، وكان على قناعة تامة بأن الخليل وبيت لحم وشكيم ” نابلس” بل وحتى عمان هي جزء لا يتجزأ من الوطن اليهودي”
قبل عشرين يوماً من اندلاع حرب يونيو 1967 وقف الحاخام زفي يهودا كووك أمام طلبته في المدرسة الدينية: مركاز هارف يشيفا في القدس، واصفاً لهم مدى شعوره بالألم لدى إصدار الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين قائلاً:” أين مدينتنا الخليل.. هل نسيناها؟ أين شكيم(نابلس)؟ هل نسيناها أيضاً؟ وأين أريحا.. هل نسيناها؟ وأين الضفة الشرقية أو الأردن؟”
وهذا إيغال ياديين ، رئيس الأركان السابق الذي شارك في حرب 1948، والذي نادراً ما يتحدث للصحافة، يُظهر، في مقابلة مع صحيفة معاريف أجرتها معه قبل الحرب حرب الأيام الستة بثلاثة أسابيع، مدى ما يعتصره من ألم وخيبة أمل لبقاء القدس خارج السيطرة الإسرائيلية طوال هذا الوقت، ولتفويت فرصة الاستيلاء عليها في حرب 1948.
***
اقتربت الساعة: تعيين لجان لتقرير مصير الاراضي المحتلة قبل احتلالها:
في نوفمبر1966، شكلت الحكومة الإسرائيلية مجموعتي عمل للمراجعة السياسية والإستراتيجية. أوكلت للجنة الأولى مهمة دراسة العلاقة مع الأردن، بينما تولت الثانية مهمة تقييم الوضع على الجبهة الجنوبية مع مصر، وشارك في اللجنتين ممثلون عن الموساد واستخبارات الجيش، ووزارة الخارجية. استكملت اللجنتان عملهما في يناير1967 ورفعتا التقارير إلى الحكومة حيث حظيت بموافقة إيشكول ورابين.
يلخص شلومو غازيت من استخبارات الجيش موقف الجيش الإسرائيلي تجاه الضفة الغربية بالقول:
” كان البعض يرى بأن نظام حسين يشكل مصدر ضرر لإسرائيل لأنها لن تستطيع غزو الضفة الغربية ما دام على رأس الحكم، وكانوا يعتقدون بأن أوضاع الضفة غير المستقرة آنذاك تمثل “كارثة لإسرائيل”. غير أنه هناك من خالف هذا الرأي بالتأكيد على أن وجود حسين شيء “جيد بالنسبة لإسرائيل”. وهنا اتخذ غازيت موقفاً وسطاً بالقول” يقبل الجيش بالوضع الحالي بأنتظار الفرصة لتغيير الأمر الواقع وخلق وضع مريح وموات لإسرائيل”. وأضاف غازيت بأن الخط الأخضر في الظروف الحالية من الوجود المشترك المعادي يمثل تهديداً لقلب إسرائيل. غير أن احتلال الضفة يتطلب التفكير فيما ستفعله إسرائيل بها أو بالأحرى ما إذا كان باستطاعتها ضمها إليها بدون أن تتحول مع الوقت إلى سرطان يهدد وجودها من الداخل، خاصة وأن إسرائيل في هذه الحالة لن تضم منطقة فارغة من السكان. ولتحييد المخاطر التي تمثلها الضفة الغربية فإن على إسرائيل ، وكما يقول غازيت، العمل على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ولكن تعتمد على الجيش الإسرائيلي فيما يتعلق بالدفاع والأمن الداخلي، يضاف لذلك الإشراف على السياسة الخارجية للدولة الفتية.
كان رأي ممثلي الجيش بأن الحدود ستفقد الكثير من أهميتها بدخول المنطقة العصر النووي، إلا أن الأعضاء الآخرين في المجموعة اعترضوا على هذا الرأي، باعتبار أن امتلاك القدرة النووية لا يعني امتلاك الردع أمام الإعمال الإرهابية. وفي وقت لاحق قال موردخاي غازيت وعضو آخر من مجموعة الدراسة، في محاضرة في كلية الدفاع الوطني، بأن احتلال الضفة الغربية أصبح احتمالاً قائماً. وأضاف غازيت بأن أي تردد أو عدم رغبة في احتلال الضفة لدى البعض إنما مرده للمشكلة الديمغرافية التي ستواجهها إسرائيل نتيجة لهذه الخطوة. وتساءل غازيت قائلاً:
” ماذا سنفعل إن لم يبادر سكان الضفة، أعداءنا المؤكدون للفرار عبر الحدود؟”
ومن جانبها عرضت كلية الدفاع الوطني دراستها الخاصة بهذا الشأن انتهى معدوها إلى نتيجة مؤداها بأن الاحتلال سيكون مُجدياً لإسرائيل من الناحية الاقتصادية، إلا أن اليهود سيكونون في هذه المعادلة أرباب عمل، بينما سيكون العرب مجرد أيد عاملة.
والخلاصة:
كما كتبت مراراً و أكرر ، لن يكون هناك اسرائيل كبرى ولا صغرى ولا مطبعين . ما يدور اليوم في منطقتنا هو حرب على محور مقاومة صاعد ونظام عالمي وعربي رسمي مأزوم والرسم البياني واضح لصالح المقاومة ومن يساندها …
اكتب هذا التاريخ لان الانظمة المهزومة قد زيفت التاريخ ونحن نتكلم عن حرب حصلت قبل أكثر من نصف قرن مما يعني أن من هو اليوم في الخمسين من عمره لم يكن مولوداً آنذاك.
مستشار ومؤلف وباحث