عدم الاستقرار في العالم عموماً والشرق الاوسط خصوصاً سببه احتلال الصهيونية العالمية للبيت الابيض والدولة العميقة مما سبب انقسامات في الداخل الامريكي واضطرابات في العالم كله.. ونحن فعلاً بحاجة الى أحلاف لدرء هذا الخطر

بعد زيارة بنيامين نتنياهو للبيت الابيض في 6/7/2010 لواشنطن والتي أذعن فيها اوباما لشروط نتنياهو كتب الكاتب الامريكي (دانا ميلبانك (Dana Milbank في اشهر الجرائد الامريكية “الواشنطن بوست” كتب في 7/7/2010 ، وهو اليوم التالي لزيارة نتنياهو اياها:

“لعل ما يجب أن يفعله موظفو البيت الابيض بعد زيارة نتنياهو للرئيس اوباما ، هو أن يرفعو العلم الابيض مستسلمين”. لكن ما كتبه الكاتب الأمريكي روبرت دريفوس Robert Dreyfuss يهودي الديانة في مقاله بتاريخ 12/7/2010 في مجلة ذي نيشن The Nation يعلق فيه على نفس زيارة نتنياهو قال فيه :

“أقام رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مستوطنة غير شرعية أخرى ، لكن هذه المرة على أراضي البيت الأبيض ، ويبدو أن الرئيس الأمريكي أوباما قبل أن يكون حارساً لهذه المستوطنة” . اذن فعنوان المقال عن احتلال الصهيونية العالمية للبيت الابيض ليس مبالغة ولكنها حقيقة اقرتها احدى اشهر الجرائد الامريكية نفوذاً وانتشاراً واحدى كبريات المجلات الامريكية . كذلك فإن الانقسامات داخل المجتمع الامريكي هي ليست من اختراعي ولكن حقيقة اقرتها هيلاري كلينتون بعد هزيمتها ضد دونالد ترامب اذ قالت : إن الانقسامات داخل الولايات المتحدة أعمق بكثير مما كنا نتصور . يكفي ان أبين عمق هذه الانقسامات بما كتبته النيويورك تايمز في 11/1/2019 ان مكتب التحقيقات الفيدرالي كان قد فتح قضية تحقيق سنة 2017 في كون ترامب عميلاً لروسيا وهي طبعاً تهمة تعني الخيانة العظمى!

الفئات التي قامت بإنتخاب دونالد ترامب ولو بفارق بسيط جداً كانت في غالبيتها من المهمشين اقتصادياً والذي لجأ الكثير منهم لطلب الخلاص في الاخرة عن طريق الصهيونية المسيحية البروتستانتية وكذلك الفئات الجاهلة والحاقدة والتي اعتقدت أن المكسيكان واللاتينيين هم من أخذوا وظائفهم وسببوا بؤسهم، وكذلك العنصريون والمتعصبون (ضد الاخر ) كالمسلمين . هذا الكوكتيل العجيب أوصل دونالد ترامب والعجيب بدوره واطواره الى البيت الابيض . لم تكن اجندات هذه الفئات المتناقضة واضحة وكان القاسم المشترك بينهم هو العداء للمؤسسة الحاكمة التقليدية بدون معرفة لماذا وكيف جاهلين بأن دونالد ترامب وطاقمه امثال بولتون وبومبيو ما هم الا (غوييم ) خلقهم الرب لخدمة شعبه المختار. استولى على البيت الابيض المحافظون الصهاينة الجدد المتعصبون أمثال كوشنر ومعهم فريق آخر من أهل اليمين ولهم أجنداتهم الخاصة . إنفرط عقد الادارة منذ ايامها الاولى باستقالات واقالات وظن مُشغّل كوشنر الرئيسي بنيامين نتنياهو ان هذه هي فرصته لجعل أجندته هي اجندة الولايات المتحدة بجبروتها . اصبحت الولايات المتحدة فيلاً يقوده حمار . اصبحت القرارات الرئيسية الاستراتيجية تتم عن طريق النزوات والاندفاعات وعبر التوتير . عملت الولايات المتحدة عقوداً لفرض العولمة على العالم وفتح الحدود بلا حدود للشركات ورؤس الاموال الامريكية . جاء ترامب وزمرته ليقولوا أن العولمة كانت شراً على الولايات المتحدة، وقد كانت كذلك على المهمشين ناخبي ترامب حيث انتقلت الاعمال الى الدول ذات العمالة الرخيصة ، وزادت فئة الواحد بالمئة ثراءً فاصبحت تمتلك اكثر من خمسين بالمئة من مجمل الثروة الامريكية .

لنأخذ موضوع الانسحاب من سوريا كمثال للتناقضات داخل الادارة الامريكية .

من ضروريات العولمة وفرض الولايات المتحدة نفسها شرطياً على العالم كان ضروريا ً نشر القواعد العسكرية في انحاء العالم وفي اكثر من 140 بلد. كان مبدأ المحافظين الجدد والمجمع الصناعي العسكري الامني ما أسموه (مبدأ طيف الهيمنة الكامنة –Full Spectrum Dominance) كانت فوائد هذه السياسة تعود على ذلك المجمع وليس على الشعب الامريكي حيث زادت فواتير الحروب وكادت تطيح بالاقتصاد الامريكي والنظام المالي العالمي سنة 2008 . وكما قال ترامب كلفت تلك الحروب ميزانية الولايات المتحدة ودافعي الضرائب من الغلابة الامريكان ما ارهق كاهلهم .

كما يبين بول كيندي في كتابه (صعود وسقوط القوى العظمى The Rise and Fall of the Great Powers) وكما ايده في ذلك المؤرخ العالمي اريك هوبسباوم، فإن انهيار الامبراطوريات ينشأ عادة نتيجة توسعاتها بما يزيد عن إمكانياتها المادية والبشرية وهذا ما يحدث للولايات المتحدة اليوم . ويمكنني أن أقول أن ترامب هو غورباتشوف الولايات المتحدة والتي ستصل بما وصلت اليه امبراطورية الاتحاد السوفياتي .

اجندة ترامب هي ضد العولمة واجندة البنتاغون الذراع المسلح للمجمع الصناعي العسكري الأمني هي عكس ذلك تماماً . والملخص المفيد ان هذا الانقسام العميق لا يسير لصالح العولمة وإنما لطريق الانكفاء الذاتي للولايات المتحدة داخل حدودها. والى ان يتم ذلك فيصيب العالم ما يصيبه هذه الايام من فوضى واضطراب نتيجة المد والجزر ما بين شرطي العالم وادارته .

إن ادارة ترامب تتكون من كوكتيل عجيب وغريب يصعب جمعه في فريق متجانس واحد . فترامب نفسه لا يفقه في السياسة وخصوصاً الخارجية شيئاً . جاء من عائلة كونت ثروتها بطرق غامضة، يقول ترامب ان اكثر اثنين اثرا في حياته هما والده و روي كوهين ROY COHN محاميه الذي ساعده في تكوين ثروته . كوهين هذا هو محامي يهودي وثيق الصلة بمكتب الFBI الامريكي والذي اوصله ليكون المستشار القضائي لجوزف مكارثي في اقذر حقبة في التاريخ الامريكي . كما كان محامياً لرؤساء عصابات المافيا في نيويورك وكان شاذاً توفي بمرض الايدز. هذا هو المثل الاعلى من الرجال لدونالد ترامب .

مستشار البيت الابيض كوشنر صبيٌ مُشغله نتنياهو عن بعد ويتصرف كأنه فرعون زمانه. بالنسبة اليه الاوطان هي صفقات عقار تباع وتشترى وهو يُشّغل صبيةً لتنفيذ صفقاته ممن لا يعرفون تاريخ أو جغرافيا او الف باء الدين . وكبير مبعوثيه لمنطقتنا يتساءل ما دام اهل غزة مصريون فلماذا لا تأخذهم مصر وترتاح اسرائيل . كما طالب خمس سفراء (اكثرهم من اليهود) من السفراء السابقين في تل ابيب في رسالة مشتركة علنية ان سفير الولايات المتحدة فريدمان لا يصلح لوظيفة سفير لبلادهم في الكيان المحتل. اما بولتون فحاول جورج دبليو بوش أن يثبته سفيراً للولايات المتحدة في الامم المتحدة لاكثر من سنة ولكن رفض الكونغرس تثبيته . والقائمة تطول … فهل من الغريب أو العجيب أن تكون مثل هذه الادارة تتناقض مع نفسها ويتهاوى افرادها الواحد بعد الاخر؟ لكن الغريب حقاً ان وكلاء الولايات المتحدة من (الغوييم) العرب ، والذين خلقهم الرب لخدمة شعبه المختار، يجدون أن أقل رغبة من هؤلاء هي امرهم المطاع! لكن هناك من يقول لا لهؤلاء في منطقتنا كإيران واردوغان . عندما اخبر جون بولتون المسؤولين الاتراك في انقرة بأن يقدموا تعهداً للحفاظ على تلك الوحدات الكردية كان الرد فورياً وحاسماً .

كان رد الرئيس التركي اردوغان بأن رفض مقابلة بولتون ثم قال : ” هذا الطلب لا يمكن قبوله. ” واضاف انه في هذه الحال سيهمل طلب الادارة الامريكية بالتريث في الهجوم على وحدات حماية الشعب الكردية. وقال :”في فترة وجيزة سنبدأ بتحييد المنظمات الارهابية في سوريا ولقد انهينا تقريباً كامل استعداداتنا لذلك .” علماً بأنه يعتبر حلفاء الولايات المتحدة الاكراد من الارهابين .

في مقال لعضو الكونغرس الامريكي السابق و المخضرم رون بول كتب في 8/1/2019 مقالاً بعنوان: “المحافظون الجدد في ادارة ترامب يناقضون خطته من الانسحاب من سوريا “جاء فيه : “يعتقد الكثيرون أن الرئيس ترامب طرطور فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وأن رجال الدولة العميقة ما زالوا يتحكمون بها . ولعل التراجع عن قرار ترامب عن الانسحاب من سوريا هو دليل على ذلك “. وتساءل رون بول :”كيف يمكن أن يَتَقَبل ترامب هذا الانقلاب الماثل داخل بيته في الوقت أن استطلاعات الراي بينت أن اغلبية الامريكيين كانت مؤيدةً لقراراه بالانسحاب من سوريا؟”

في الوقت الذي تتخبط فيه الولايات المتحدة داخلياً وخارجياً -اقتصادياً وسياسياً، هناك قوى صاعدة في العالم تتقاطع مصالحها مع مصالح الشعوب- وأقول الشعوب – في الوطن العربي كروسيا والصين عالمياً وتركيا وايران في منطقتنا. حاول الامريكيون الانقلاب على اردوغان ففشلوا لان الشعب وقف معه حتى بعد منتصف الليل . حاولوا لمدة 40 سنة زعزعة النظام في ايران ففشلوا . حاولوا زعزعة الرئيس مهاتير محمد عندما رفض اوامر صندوق النقد الدولي وفشلوا، فأوامر الصهاينة ليست قضاءاً وقدراً .

وهذا وقت الخروج من تحت هيمنتها واعادة ترتيب التحالفات. نحن بحاجة الى التحالف مع امثال مهاتير محمد وخامنئي واردوغان وليس مع الصهيونية العالمية (وغوييمها) والذين حسب معتقدات شعب الله المختار لا يساوون جناح بعوضة ! لماذا لا نتعلم من تركيا الحليف في الناتو والتي تتحالف مع روسيا حيث مصلحتها أو نتعلم من ايران الاسلامية التي تتعامل مع الصين الملحدة وروسيا الارذودكسية ومهاتير محمد الذي يقول لا للتطبيع مع اسرائيل في الوقت الذي يزحف اليه غوييم العرب على كروشهم ؟ ومن البديهي هنا أن الولايات المتحدة ليست صديقاً ولا حليفاً وأن ايران ليست عدوا ً وأن البوصلة الحقيقية يجب أن تتجه نحو مغتصبي بيت المقدس وفلسطين والبيت الابيض ولصوص ثروات شعوب العالم العربي . ولنقولها بصراحة فان الاحتلال الصهيوني لفلسطين و البيت الابيض هم المزعزعون للاستقرار في العالم وفي منطقتنا . ونحن بحاجة فعلا لاحلاف لمقاومة هذا الاحتلال البغيض.

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل