تأثيرات أحداث المنطقة على القضية الفلسطينية.. وتأثيرات الطاقة على قرارات السلم والحرب.. ونتائج انهيار أو تخفيض قيمة الدولار

طلب بعض الاخوة من المعلقين على مقالي الأخير الإجابة على تساؤلاتهم. والاجابة على ثلاثة من تلك التساؤلات تلخص الحالة العربية والدولية.

التعليق الأول: كتب القارئ 43:

“تزداد قضيتنا الفلسطينية تراجعا في خضم ما يجري في المنطقة، نأمل إعطاءها الاولوية في كتاباتك لبيان تداعيات احداث المنطقة الحالية عليها”

ج: يسمى عالم اليوم “بعالم القرية” حيث أصبحت الدول والقارات شديدة الترابط في عالم العولمة ووسائل الاتصال الحديثة. ولقد سبق التعبير عن ذلك ببساطة في إحدى المسلسلات قبل عشرات السنين “إذا أردنا أن نعرف ماذا في روما فعلينا أن نعرف ماذا في البرازيل”. فإذا أردنا أن نعرف ماذا في فلسطين فعلينا أن نعرف ماذا في طهران و الرياض ودمشق و تل أبيب وواشنطن .

يكتب الكثيرون عن الحالة الفلسطينية والأردنيه وبعضهم بكفاءة. وأنا اُسلِّط الضوء على الحالة العربية والدولية والتي تعاني الحالة الفلسطينية والأردنيه اساسا من تأثيراتهما وترابطهما وتعقيداتهما.

في ظاهرها تبدو الصورة شديدة السواد. انحرفت منظمة التحرير الفلسطينية منذ مؤتمر قمة الرباط لتصبح شأنها شأن أيٍ من دول النظام الرسمي الوظيفي العربي . كانت هذه المنظمة هي أول المطبعين العرب وتنازلت عن 78% من فلسطين التاريخية مقابل ورقة تعترف دولة الاحتلال بشرعيتها كممثل وحيد للشعب الفلسطيني ولاستعمال هذا التمثيل في شرعنة التنازلات كمأساة اوسلو ، ولتصبح للمنظمة سلطة تدخل التاريخ كأول “حركة تحرير” في العالم تصبح حليفاً للاحتلال والتنسيق الامني معه لحراسة الاحتلال والمستوطنات وإعتقال وسجن المقاومين وتعذيبهم وتسليمهم لسلطات الاحتلال فأصبحوا أول الصهاينة العرب من المطبعين .

جاءت دول النظام الرسمي العربي التي نصّبت المنظمة كممثل شرعي وحيد وقالت هل نكون نحن فلسطينيين اكثر من الفلسطينيين وبدؤوا التطبيع العلني من بعد تطبيعهم السري منذ عقود.

هذا هو النصف الفارغ من الكوب، فلننظر الى النصف الملآن منه. وكما قيل من قبل “اشتدي أزمة تنفرجي” فهناك تحت الرماد نار موقدة هي نار حركات التحرير والمقاومة وهي ستلتهم كل من يقف في طريقها. ففي فلسطين تُصارع السلطة العميلة سكرات الموت بعد انتهاء وظيفتها. رئيسها يغني اليوم “لقد أعطيت ما إستبقيتُ شيئا ” وديناصورات السلطة في طريقهم الى مزبلة التاريخ.

لكن في المقابل هناك مقاومون شرفاء في غزة سطّروا المعجزات واستطاعوا أن يُكَونوا مقاومة صمدت في آخر اعتداء أكثر من خسمين يوم وصنعت اسلحتها وصواريخها وطورتها وصنعت قواعد اشتباك جديدة وكل ذلك وهي محاصرة من الصهاينة اليهود والعرب على حد سواء.

وهناك في لبنان فئة قليلة مؤمنة سطّرت التاريخ وأول انسحاب للاحتلال دون قيد أو شرط. ثم انتصرت بعد حرب دامت 34 يوم اعترف العدو بهزيمته، في حين أن دول النظام الرسمي العربي لم تصمد سوى ساعات. ويعترف العدو ان بإمكان هذه الفئة المقاومة ان تدمر مراكزه الاقتصادية والعسكرية وبنيته التحتية في أي مواجهة قادمة.

حصل تغيير اساسي خطير في استراتيجية جيش العدو قلبتها رأساً على عقب. كانت استراتيجيته تعتمد على الحروب خارج حدوده وعلى حروب قصيرةً لان تكوين جيشه كجيش شعبي لا يحتمل الحروب الطويلة. آخر اشتباكات مع المقاومة في غزة اطاحت بحكومة الطاووس نتنياهو الذي يخيف الأنظمة الرسمية ولا يخيف طفل من اطفال غزة يذهب كل جمعة ليقذف المحتلين بالحجارة.

فشلت حرب كونية على سوريا التي تم شنها ليس لدرء مفاسد النظام وإنما لمحاربة أحسن ما فيه. تم إنشاء داعش وأعطوها امكانيات هائلة ولكن تم هزيمتها .

بعد خمس سنوات من حرب السعودية والامارات على اليمن تفكك التحالف بينهما وخلق انصار الله الحوثيون توازن ردع بحيث أن اصبحت الحرب باتجاهين بعد ان كانت باتجاه واحد.

أقنع نتنياهو وبولتون الرئيس ترامب إلغاء الاتفاق النووي مع إيران وتنفيذ أشد العقوبات في التاريخ عليها فماذا كانت النتيجة؟ طُرِد بولتون شر طردة وخسر نتنياهو الانتخابات وقد يذهب الى السجن. أما الرئيس ترامب فينتظر أحداً ليعطيه سلماً لينزله عن الشجرة التي وضعه عليها الخارجون من التاريخ.

هناك اليوم محوان،محور المقاومة الصاعد الممتد من إيران وحتى البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي. أصبح هناك غرفة عمليات مشتركة للمقاومة تنسق العمليات فيما بينها حرباً وسلماً. في هذا المحور زالت حدود سايكس بيكو والاستعمار واصبحت مفتوحة بين حلفاء هذا المحور وقد تكون هي نواة حقيقية لوحدة عربية وتعاون اسلامي.

عجبي من بعض (القادة السنة) الذين اكتشفوا ” سنتهم” وهم يحتسون الويسكي وهم على طاولات القمار ، ويطبعون مع اعداء الله و بلادهم ويرونها كبيرة من الكبائر التعاون مع بلد إسلامي تقاطعت معه المصالح. فعن أي سنة هؤلاء يتكلمون؟

وهناك محور المطبعين الصهاينة العرب ومن يقف ورائهم وهم مأزومون يجدون أنفسهم بلا حليف فتحالفوا مع الشيطان. الرئيس الجمهوري ترامب قال صراحة أنه لن يخوض حروباً للدفاع عنهم ، تماماً كما قالها من قبله الرئيس الديمقراطي أوباما.. وكما كان واضحاً في الهجوم على المنشآت النفطية السعودية قال ترامب لحلفائه: اذهبوا أنتم و ربكم وقاتلوا إننا هاهنا قاعدون. كبريات الصحف الامريكية كتبت “جيوشنا ليست للإيجار.”

ألا يمكن أن نستنتج أن القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية هي في صعود وأن العدو وحلفاءه الى زوال؟

***

كتب ‘مراقب جزائري ‘:

عندي سؤال. ما حكم 6 ملايين برميل التي تخسرها السعودية يوميا في الاسوق العالمية وهل تستطيع ايران الاستفادة من هذا اقتصاديا بحكم تمتلك اكتفاء في التكرير . هل هي مكررة ام خام . وماهي نوعية العطب الذي مس المصافي النفطية.

ج: المنشآت السعودية المستهدفة لم تكن مصافي تكرير وإنما جزء من حلقة انتاج النفط. هناك قسمان رئيسيان في صناعة النفط : انتاج النفط الخام ويتكون من الابار و منشآت فصل الغاز المصاحب للبترول ليصبح البترول قابلاً للشحن في الناقلات ، ويرسل الغاز إما الى معامل تسييل الغاز أو الى الصناعات البتروكيماوية. ما تم استهدافه كانت المعامل التي تفصل الغاز عن النفط ليصبح مهيئاً للشحن وليست المصافي التي لم تستهدف بعد . بناء عليه فإن الانتاج المحجوب عن السوق هو نفط خام لان المنشآت التي تهيئه للشحن قد اصيبت باضرار.

اذن لم تصاب مصافي التكرير السعودية باذى ولا تستطيع ايران الاستفادة من هذا النفط الخام .

***

كتب خواجه فلسطين:

اذا سقط الدولار ماذا سوف يحصل؟

حسب اتفاقية بريتن وودز سنة 1944 كان المفروض ان يكون سعر الدولار ثابتا مقابل العملات الاخرى بحيث يمكن مبادلة كل 35 دولار مقابل اونصة ذهب. وعليه يتوجب على الولايات المتحدة أن تطبع من الدولارات فقط ما يعادل مخزونها من الذهب .عندما طبعت الولايات المتحدة ما يزيد عن احتياطياتها من الذهب اثناء حرب فيتنام طلب الاوروبيون منها تخفيض قيمة الدولار فرفضت . في 15/08/1971 الغى الرئيس نيكسون التزام صرف الذهب مقابل الدولار وتم لاحقاً اجبار العالم بشراء النفط بالدولار فأصبح النفط هو غطاء الدولار بدل الذهب . بعدها ارتفع سعر اونصة الذهب الى 350 دولار للاونصة. وكانت هذه أكبر سرقة في التاريخ. كيف؟

سأعطي مثالاً : لو كان لديك 350 دولاراً كإدخار في ذلك الوقت وكنت مؤمناً بمصداقية تعهدات الولايات المتحدة حسب اتفاقية دولية فكانت قيمة ادخارك يساوي 10اونصات من الذهب. لكن اصبحت ال350 دولار بعد تعويم السعر ووصوله الى 350 دولار للاونصة اصبحت مدخراتك تساوي فقط اونصة واحدة من الذهب . فمن سرق منك ال9 اونصات من الذهب ؟ انها الولايات المتحدة.

في حالة حرب شاملة في منطقة الشرق الاوسط وفي الخليج تحديدا وفي حال توقف إمدادات النفط من الخليج الى السوق العالمية فينهار الدولار ومعه سينهار النظام المالي والاقتصادي الامريكي والعالمي بل والنظام الرأسمالي العالمي. هذا يأخذنا الى بيت القصيد : لماذا تتجنب الولايات المتحدة الاشتباك المسلح مع إيران؟ الاكيد انه ليس حسن الأخلاق وقد استعملت الولايات المتحدة قنبلتين ذرتين على المدنيين في اليابان بينما كانت اليابان على وشك الاستسلام. وللولايات المتحدة من قوة النيران التدميرية النووية والتقليدية ما يكفي لمسح الكرة الارضية عدة مرات وليس جغرافيا إيران فقط. . ولكنها لا تستطيع أن تدفع الثمن لانه سيتم تدمير كافة منشآت النفط في الخليج وإخراج حوالي 18 % من حاجة السوق العالمية خارج الخدمة . يضاف الى ذلك أن إيران تستطيع أن تلحق إذى كبيرًا في قطع الأسطول الخامس ومعسكرات الجيش الأمريكي في دول الخليج.

هذا ما تعرفه وتحسبه جيداً الولايات المتحدة وهو ايضاً ما تعرفه إيران .

ففي حالة تدمير المنشآت النفطية وموانئ الشحن في الحرب الشاملة على ضفتي الخليج فسيكون ذلك ايضاً انتحارا لدول الخليج بل ستتوقف محطات الكهرباء و مصانع تحلية المياه فلن يكون هناك مياه للشرب حتى لشعب الخليج ولا حتى للجنود الامريكين.

***

والخلاصة:

تقوم الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الاوسط على ثلاث ركائز أولها المحافظة على تدفق النفط للأسواق العالمية عموما وثانيها الحفاظ على أمن إسرائيل وثالثها المحافظة على الهيمنة الأمريكية في المنطقة ومنع بروز أي قوة أو مجموعة قوى اقليمية تقوم بتحدي تلك الهيمنة .

بالنسبة للنقطة الأولى أثبتت الأحداث أن السيطرة على تدفق النفط من الخليج قد انتقل من الولايات المتحدة او على الاقل قد تم مشاركتها بها من ايران بالرغم من وجود الاساطيل والقوات الأمريكية من العراق حتى عُمان والتي أصبحت مصدر ضعف لا قوة لأنها اصبحت رهائن في اي اشتباكات عسكرية.

أما الركيزة الثانية للاستراتيجية الامريكية فقد خسرت دولة الكيان المحتل كل حروبها مع المقاومة، وكما اسلفنا فإن استراتيجيتها الدفاعيه قد نُسِفت من أساسها وفي أي مواجهة قادمة ستكون الحرب على ارضها وسيتم تدمير مؤسساتها الاقتصادية والعسكرية وبنيتها التحتية وسيهرب المستوطنون الذي يحمل اغلبهم جنسياتهم الاصلية فهذا الكيان حقا هو أوهى من بيوت العنكبوت .

أما بالنسبة للنقطة الثالثة فهناك محور المقاومة الذي يتحدى الهيمنة الأمريكية مدعوما بقوى عالمية كروسيا والصين. إذن ثلاثة أركان الاستراتيجية الأمريكية في منطقتنا قد أصابها العطب مما يؤكد ما ذهبنا إليه في مقالات عديدة سابقا ان الإمبراطورية الأمريكية في مرحلة الانحسار . وكذلك الامر مع دولة الاحتلال وحلفائها من الصهاينة العرب المأزومين. فوريد حياة هذه الأنظمة يأتي من خارج حدودها اي من إمبراطورية قد ولى زمانها وستترك وكلائها الى مصيرهم المحتوم.

مستشار ومؤلف وباحث

تنزيل