النظام الرسمي العربي ودوله الوظيفية يكشف المستور وهو أنهم والكيان الصهيوني منظومة واحدة منذ نشأتهم – وهم في انحدار – والمقاومة تمثل ارادة الشعوب وهي من انتصار الى انتصار
فلنبدأ من الآخر: النظام الرسمي العربي اليوم “يمشي وهو ميت” فدوله الوظيفية قد أكملت مهمتها ويعادُ ترتيب المنطقة وحدودها ووظائفها الجديدة ويتسابق اصحاب النظام الرسمي العربي على كسب رضا من أوصلوهم الى السلطة وهم بذلك يحاولون الا ينضموا الى طوابير العاطلين عن العمل في النظام الجديد! والان فلنبدأ من البداية.
خطط الاستعماران الفرنسي والانجليزي لانشاء كيانات وظيفية لخدمتهما بمعزل كاملٍ عن شعوب تلك الكيانات . ونصب عليهم قبائل وعوائل متناحرة ورسم لها حدوداً كان هدفها ان تبقى النزاعات مستعرة بين دول الجوار، وجعل من احدى وظائف تلك الدول تجهيل شعوبها وطمس هويتها و حضارتها ومنع تأسيس اي مجتمع مدني لتصبح تلك الشعوب قطعاناً مكونةً من افراد وبلا هدف . حتى أن الإستعمار هو من صمم اعلام تلك الكيانات لا لتكون شعاراً لوطن ولكن تكريساً لحدود . وفي نفس تلك السنة التي خطط ضابطان أحدهما بريطاني والاخر فرنسي (سايس و بيكو) حدود الكيانات الجديدة خطط الغرب لزرع كيانٍ استيطاني صهيوني في فلسطين وكانت احدى وظائف النظام الرسمي العربي هو المساعدة في تكوين ذلك الكيان الصهيوني ونشأته ورعايته في السر سابقاً واليوم في العلن.
ثم جاء الانجليز بجامعة اسموها الجامعة العربية ولم تكن في غاياتها جامعة ولا عربية . فأهدافها المحددة هي الحفاظ على الحدود التي رسمها الاستعمار تحت اسم المحافظة على الاستقلال. وكانت اداة لتنفيذ المخططات الغربية بدءاً من حرب فلسطين وانتهاءً بإعطاء الشرعية لحرب الخليج الاولى والثانية وشرعنة التدخل الغربي في ليبيا بل وشرعنة محاولة تدمير الدولة السورية . كانت الشعوب العربية تقف على 180 درجة مخالفةً قرارات الغزو وشرعنة التدخلات الاجنبية . كانت الشعوب تنزل الى الشارع تأييداً للمقاومة حين كانت تتعرض الى اعتداء صهيوني بينما كانت الانظمة تتآمر ضدها سراً واليوم بالعلن. وازداد الشرخ بين الشعوب وأنظمتها يوماً بعد يوم واصبح واضحاً أن الشعوب قد أسقطت الشرعية عن تلك الانظمة خصوصاً بعد ان انكشف المستور وتبين أن الكيان الصهيوني وتلك الكيانات هم اجزاء في منظومة واحدة يعزفون على انغام المايسترو من وراء الحدود .
دعنا نفصل الان الاسس التي تم بناء النظام الرسمي العربي لضمان خدمتها لمن أنشأها وليس لشعوبها :
1- الجغرافيا : تم عزل العمق العربي عن البحر الابيض المتوسط بكيانات طائفية . تم فصل لواء الاسكندرونة وضمه الى تركيا . حاول الفرنسيون انشاء دولة علوية في منطقة
اللاذقية ولكن لم تسمح البنية التحتية ولا الظروف السكانية بذلك حينئذٍ . تم تكبير جبل لبنان ليصبح قطراً منفصلاً عن بلاد الشام ليكون دولة مسيحية مارونية . و تم خلق كيان استعماري استيطاني يهودي في فلسطين وظيفته أن يقطع اي اتصال بري بين المشرق العربي والمغرب بالاضافة بأن يكون وكيلاً للاستعمار لاستنزاف الطاقات والموارد العربية.
2- تحييد النقاط الاستراتيجية البحرية : وتم ذلك عبر تذويب السيطرة على تلك النقاط من دولة واحدة الى دول متناحرة ما أمكن . تم تذويب القوة الاستراتيجية لخليج العقبة بين فلسطين بمدينة ام الرشراش (ايلات حالياً) والعقبة الاردنية و مصر والسعودية. كما تم تذويب مضيق عدن بين يمن شمالي وجنوبي (والذي اصبح يمناً واحدة واليوم يتم ارجاعه الى يمنيين ) وجيبوتي . وتم تذويب القوة الاستراتيجية لمضيق هرمز بحيث اصبح يحده ايران من جهة و سلطنة عُمان من جهة اخرى . والغريب أنه تم قطع الاتصال البري بين هذا القسم وبقية سلطنة عُمان بفاصل من احدى الامارات العربية المتحدة .كذلك تم تذويب خليج البصرة ما بين ايران و العراق و الكويت . الطريف أو المقرف هو عزل العراق عن الخليج والمحيطات بشريط لا يتعدى عدة كيلو مترات من المياه الضحلة على الخليج. ليس الامر كذلك فقط بالنسبة للعراق وإنما بالنسبة الى الجزيرة العربية . لاحظوا ان المنفذ الوحيد للسعودية على الخليج بل والمحيط هو عدة كيلو مترات فقط في منطقة راس تنورة لتأمين تصدير النفط أما بقية الجزيرة فقد تم عزلها عن الخليج والمحيط بشريط من الامارات وعُمان واليمن . بل بداية تم عزل اي اتصال بري بين قطر والامارات على سبيل المثال . ترك الاستعمار بين كل دولتين جارتين خلافاً حدودياً ليتم الصراع بينهما الى يوم يبعثون . فهناك مشكلة جزيرتي واربا وبوبيان بين العراق والكويت . وكذلك بين قطر والبحرين والامارات وعُمان والسعودية واليمن ومصر والسودان والمغرب والجزائر … الخ .
3- استعمال الجيولوجيا كأساس للحدود : تم رسم الحدود ايضاً بناء على اسس جيولوجية . تم تحويل بعض المشيخات والتي لم يكن عدد افرادها يزيد عن بضع عشرات الاف حيث توجد مكامن النفط . اضطرت السلطات البريطانية اثناء فترة الاستعمار المباشر ان تجنس البدو هنا وهناك لزيادة عدد السكان . ثم جاءت بالاسيويين . فمثلاً عندما ارسلتُ احد مهندسي شركتي الاستشارية الى احدى تلك الدول سألته عن أول انطباع له فأجاب بأنه وجد (ما بين الهندي والهندي في هندي) . كان الهدف ان تكون الثروة في دويلات ذات كثافة سكانية ضئيلة وأن تكون البلدان ذات الكثافة السكانية الكبيرة قليلة الموارد يأخذ الاستعمار ثروات الدويلات الاولى مقابل حمايتها ويعطي جزءاً يسيراً جداً منها الى الدول الغنية بالسكان مقابل تسليم سيادتها السياسية . وليس عجباً أن اصبحت بعض هذه الدويلات امبراطوريات افتراضية للهدم والدمار ساهمت في تدمير الدول المركزية العربية كمصر وسوريا والعراق .
4- ما هي نظرة الغرب الى هذه الدويلات ؟
مع احترامي الكامل الى كافة الشعوب و الافراد في دول الجزيرة العربية الا أن نظرة الغرب تنمُ عن فوقية وعنصرية ولا تعتبر تلك الدويلات وشعوبها وافرادها اكثر من حجار شطرنج يتم استعمالهم لمصلحة الاستعمار القديم والجديد لا لمصلحة تلك الدويلات وشعوبها . ولكي ابين ذلك سأعطي مثالاً واضحاً لا يقبل أي تأويل .
بعد ان اصبحت الولايات المتحدة مستوردةً للنفط سنة 1970 وبعد ما تم تسميته بالصدمة النفطية الاولى كان هناك تياران في الادارة الامريكية في بداية سبعينات القرن الماضي. كان احدها هو الاحتلال الامريكي المباشر لدول الخليج من الكويت حتى عُمان . سأنقل هذه الحكاية عن جيمس إيكنز ، وهو سفير سابق للولايات المتحده لدى العربية السعوديه أوائل سبعينيات القرن الماضي ، كما رواها إيكنز نفسه حول موضوع احتلال حقول النفط في الخليج. هذا ما قاله ايكنز: ” سُئلتُ عمّا كان قد نُشر في مقالة بمجلة ” هاربر ” كُتبت من قبل كاتب مجهول دعا نفسه ” الجندي المجهول” ولم يعرف أحد حقيقة هويته إلا بعد ردح من الزمن. وكان كاتب المقالة اقترح على الولايات المتحده احتلال حقول النفط العربية من الكويت وحتى دبي، مع إحضار موظفين من تكساس وأوكلاهوما لتشغيل هذه الحقول وترحيل جميع مواطني هذه البلدان إلى نجْد (في العربية السعودية) ، بحيث تخلو المنطقة بكاملها من مواطنيها العرب ، ونقوم نحن بإنتاج النفط لمدة الخمسين أو السبعين سنة القادمة إلى أن تجف حقول النفط. بحثت الخطة مع أرامكو ( شركة النفط السعودية الأميركية) فارتعبوا، إذ من السذاجة بمكان أن يجول بخاطر المرء مثل هذا الحلم، وقد سألتني وسائل الاعلام الأميركية عن هذه الخطة ، وكنت حينها سفير أميركا لدى العربية السعودية ، فأبلغت وسائل الإعلام الأميركية بأن من يفكر بحل أزمة الطاقة الأميركية بهذه الطريقة إما أن يكون مجنوناً أو مجرماً أو عميلاً للاتحاد السوفيتي ، ويبدو ان هذه الكلمات لم تسّر ذاك الذي كتب مقالة “هاربر” ، وكنت أعتقده أحد حمقى وكالة الاستخبارات المركزية أوالبنتاﭽون ، حيث لم أكن أعرف بعد من قد يكون ، وأخيراً عرفت : لقد كان رئيسي كيسنجر، حيث لم ألبث بعدها أن طُردتُ.”
استقر الرأي في النهاية على الاحتلال بطريقة اخرى هي طريقة الخطوة خطوة واستعمال كافة الوسائل بحيث أن تم عسكرة القوات الامريكية لتقبع فوق كل حقل غاز أو نفط كبير في كافة ارجاء الجزيرة العربية بل وأن تتحمل تلك الدول تكاليف هذه القوات وهذا الاحتلال تحت غطاء الحماية من اعداء وهميين مرة صدام حسين واليوم ايران ! انا لا ادافع عن ايران فقط وإنما عن اهلنا في الخليج أولاً . في حالة حرب يروجها نتنياهو وصهاينة البيت الابيض افلاً تكون القواعد العسكرية الامريكية في دول الخليج هدفاً ايرانياً ؟ ماذا لو تم قصف محطات تحلية المياه في تلك الدول ؟ وأين ستكون ساحة المعارك ؟ ما يسعى اليه صهاينة البيت الابيض وفلسطين هو شن حرب يكون وقودها اهل الخليج وبترودولاراتهم وهذا ما لا نتمناه لهم. فعدوهم هنا في فلسطين والصهاينة المسيحيون قبل اليهود يحرضون على هذه الحرب وهدم الاقصى وبناء الهيكل الثالث !
5- استعمال الاقتصاد لتثبيت الخلافات :
هل يعتقد أحدٌ أنها هي الصدفة وحدها من جاءت بتغاير الانظمة الاقتصادية بين الدول العربية المتجاورة ؟ دعونا نبحث جيداً . النظام الاقتصادي في المغرب كان اقتصاداً حراً أما في الجزائر فكان (اشتراكياً ) وكان في تونس حراً ، وكان في ليبيا قذافياً وكان في مصر اشتراكياً ، أما في المشرق العربي فكان الاقتصاد حراً في لبنان واشتراكياً في سوريا وحراً في الاردن واشتراكياً في العراق وحراً في الخليج والسعودية واشتراكياً في اليمن الجنوبي وحراً في اليمن الشمالي . مثل هذا التباين يجعل من المستحيل اي نوع من الوحدة السياسية في غياب وحدة النماذج الاقتصادية .
6- الفرقة عبر القومية والوطنية والمذهبية والطائفية :
قبل 100 سنة كانت هناك وحدة اسلامية ومن خلالها وحدة عربية بالرغم من كل ما عليها من مآخذ تشكل وحدة ما بين المشرق العربي واكثر دول شمال افريقيا . طلب العرب الانفصال وطالبوا بوحدة عربية جاء نتيجتها دويلات سايكس بيكو والمشروع الصهيوني بفلسطين . ثم جاء من يطالب لاعادة الوحدة بين تلك الدويلات تحت شعار وحدة (حرية ، اشتراكية). ولما وصل فرعي هذا الحزب (حزب البعث) وتمكن من حكم سوريا والعراق لعشرات السنين كانت النتيجة هي تغليب العنصر القبلي والعائلي فأصبح حزب البعث (العلوي في سوريا ) يقف في صف واحد مع الجنود الامريكيين في عاصفة الصحراء ضد حزب البعث التكريتي في العراق وطارت الوحدة والحرية والاشتراكية. وجاء من طالب بوحدة الهلال الخصيب دون المغرب العربي (الحزب القومي السوري) ثم جاء من قال مصر اولاً والاردن اولاً وال نهيان اولاً وآل ثاني اولاً! تم تثبيت حدود سايكس بيكو عبر المناهج التعليمية والثقافية ثم نشر الاثنية والعرقية والطائفية داخل البلد الواحد. وبعد ان حقق النظام الرسمي العربي وظيفته بكفاءة عالية يتم اليوم اعادة رسم الخرائط والحدود لمئة سنة اخرى.
هناك اليوم هذا النظام الرسمي العربي المتهالك وهناك فجر جديد من المقاومة العابرة للمذاهب والطوائف والقبائل والعوائل وهو يسيرُ من انتصار الى انتصار. عندما يكون اقصى ما يتمناه وزير خارجية دولة (عربية) هو ان يَرْضَى عنه عدو امته المغتصب لمقدساته عندها نقول : هزلت. المشهد في وارسو كان هو المضحك المبكي . مغتصب يعلم تماما عدم شرعية كيانه وكلما سمع صيحة ظن انها عليه وانها ستكون القاضية ويطلب الشرعنة ممن لا شرعية له أو لديه، عندئذٍ نقول ايضاً : تبا للطالب والمطلوب!
مستشار ومؤلف وباحث