وماذا عن ثالث الحرمين الشريفين ؟
د. عبد الحي زلوم
ارسلت لي زوجتي فيلماً قصيراً على الواتس آب لخطاب للمرحوم بإذن الله الملك فيصل بن عبد العزيز شاهدته وأنا في صالة المطار. وتمّ تفريغ الخطاب للنص التالي :
"إخواني ماذا ننتظر هل ننتظر الضمير العالمي؟ أين هو الضمير العالمي ؟ إن القدس الشريف يناديكم ويستغيث بكم أيها الإخوة لتنقذوه من محنته ومما ابتُلي به، فماذا يُخيفنا هل نخشى الموت وهل هناك موتة أفضل وأكرم من أن يموت الإنسان مجاهداً في سبيل الله ؟ أيها الإخوة المسلمون نريدها … دعوة إلى الجهاد في سبيل الله، في سبيل ديننا وعقيدتنا دفاعاً عن مقدساتنا وحرماتنا وأرجو الله سبحانه وتعالى أنه إذا كتب لي الموت أن يكتب لي الموت شهيداً في سبيل الله .
إخواني أرجو أن تعذروني … فإنني حين أتذكر حرمنا الشريف ومقدساتنا تنتهك، وتُستباح وتُمثل فيها بالمخازي، والمعاصي، والانحلال الخُلقي، فإني أدعــــــو الله مخلصاً إذا لم يكتب لنا الجهاد، وتخليص هذه المقدسات، ألا يبقيني لحظة واحدة على الحياة".
بعد اقلاع الطائرة بدأت اتصفح مجلة التايم الامريكية المؤرخة بتاريخ 19/12/2014 و استرعى انتباهي تحقيق صحفي مطول عنوانه " الطريق الى السلام ". جو كلاين بدأ التحقيق بالفقرات التالية:
" في 26/ايار /2014 جرت مباحثات علنية في بروكسل بين اثنين من رؤوساء سابقين لاجهزة مخابرات في بلديهما ـــ اسرائيل والسعودية – وهما عاموس يادلين وتركي الفيصل حيث جلسا سوياً لمدة ساعة يتباحثون عن سياسات المنطقة مع صحفي جريدة الواشنطن بوست ديفيد إغنايتوس، واختلفا على بعض النقاط مثل طبيعة السلام الإسرائيلي الفلسطيني في حالة تسوية ، واتفقا على نقاط أخرى مثل الخطر الكبير للتهديد الناتج عن ايران الذرية والحاجة الى دعم الحكومة العسكرية الجديدة في مصر والحاجة الى جهد دولي متناغم في سوريا . لكن أكثر جملة صاعقة (حسب وصف تقرير مجلة تايم) جاءت من الامير تركي حين قال :" ( لقد تجاوز العرب الماضي وهم لا يرغبون بمحاربة اسرائيل مستقبلاً )".
تقول مجلة تايم إن هذا اللقاء العلني لم يكن يحمل طابعاً رسمياً لكنه جاء بعد موافقة من رأس النظام السعودي ملك السعودية. وعندما قال يادلين أن مبادرة السلام العربية المقترحة تحمل شروطاً قاسية مثل العودة الى حدود 5 حزيران 1967، وكذلك حق العودة للاجئين أجابه الامير تركي أن تلك المبادرة ما هي الا خارطة طريق قابلة للتفاوض .
رصد المحقق الصحفي جو كلاين الذي كتب هذا التحقيق أن مفاجئته الثانية جاءت من عبد الفتاح السيسي في خطاب (شاذ) حسب وصف كلاين القاه السيسي في اول ايام سنة 2015 حيث قال " أنه ليس من المقبول أن الافكار التي تقدسها تصبح مصدر قلق وخطر وقتل للعالم أجمع ."
وهنا اتسائل عن نقاط الاتفاق بين الامير تركي وزميله يادلين.
· وسؤالنا الاول : ما هو البديل الذي يراه سموه فيما لو استمرت اسرائيل برفض المبادرة العربية كما رفضتها لاكثر من 10 سنوات ماضية اذا كانت الحرب ليست خياراً خصوصاً أن يادلين قد صرح في أول هذا الشهر (شباط /2005) أنه يصر على توسيع الاستيطان عموماً وفي القدس خصوصاً كونها عاصمة اسرائيل الابدية كما جاء في مقابلته مع ياديعود احرنوت ؟
· بالنسبة للخطر الايراني الذري و مع أن ايران قد اعلنت أنها ليست بصدد تطوير قنبلة ذرية ، وصادقت على صحة هذه المعلومة المخابرات الامريكية نفسها ، فلماذا لا نصدق مخابرات الولايات المتحدة أن لم نرد أن نصدق ايران نفسها؟
· حتى لو طورت ايران قنبله ذرية واحدة أو خمسة أو عشرة اليس لدى اسرائيل أكثر من 200 قنبلة نووية ؟ هل قنابل ايران تفجر شراً وقنابل اسرائيل تفجر الورد والخير كله ؟
· ثم لو افترضنا أن ايران تسعى لكي تصبح قوة اقليمية اليست اسرائيل اليوم هي قوة اقليمية ؟ كيف نجد أن دولة دينها الاسلام ولو على مذهب آخر هي اكثر خطراً من دولة دينها اليهودية ؟
· ثم اذا كانت ايران دولة تحتل جزراً عربية فارغة من السكان تقريباً، اليست فلسطين بلداً اسلامياً به ثالث الحرمين الشريفين الذي طالما اراد وربما اغتيل والدك رحمه الله لانه اراد أن يصلي فيه قبل أن يموت ؟ ومع احترامنا لكل ذرة تراب عربية أو الأسلامية فهل جزر الخليج اكثر قداسه من ارض فلسطين ؟
· ولو كانت ايران دولة توسيعية افلا نرى أن هدف اسرائيل كما هو واضحاً حتى في علمها التوسع من الفرات الى النيل؟ الم يقل والدك رحمه الله بأن اليهود توسعيون وعدوانيون كما في آخرمقابلة له مع كسينجر ؟ بل الم يحث رحمه الله على الجهاد لا للعدوان ولكن لاسترداد الحقوق؟
· ثم نحن البسطاء نتسائل لعل أحداً يخبرنا ما هي مصلحة اسرائيل في دعم النظام العسكري المصري (حسب وصف مجلة التايم)؟ نفهم ان تدعم دولة عربية دولة عربية أخرى ولكن ما وجه الاتفاق بين دولة خادمة للحرمين الشريفين واخرى محتلة لثالث الحرمين الشريفين ؟
قد تكون مشاغلك يا سمو الامير لم تسمح لك بقراءة محضر أخر اجتماع للمرحوم والدك مع هنري كسينجر وزير الخارجية الامريكية آنذاك حين ذهب الى الرياض طالباً من والدك رحمه الله أن يرفع الحظر النفطي بعد حرب اكتوبر 1973 كما جاء في:- كتاب Anthony Cave Brown النفط والذهب والله :
" حاول كسينجر أن يعطي انطباعاً جيداً للملك بأنه رجل جاد . فقال كسينجر أنه قرأ مراسلات الملك فيصل مع الرؤساء الامريكيين كيندي، وجونسون ونكسون والتي وعدوه بها بضمانة انسحاب اسرائيل من الاراضي المحتلة (بعد طرد السوفييت من مصر) اعترف كسينجر للملك أن معه كل الحق بخيبة أمله من السياسة الامريكية الحالية . قال كسينجر : أنه يعتقد ايضاً ان امكانية التوصل الى حل قد اصبح الان ممكناً . سأل كسينجر الملك أن كان لا يمانع في عقد مؤتمر للسلام فأجابه الملك انه لا يمانع . سأله كسينجر : أن
كان الملك سيوافق على رفع الحظر النفطي القائم . ذلك امر هام لان استمراره سيزيد من كراهية الامريكيين للعرب وسيعيق جهوده من اجل انسحاب تدريجي لاسرائيل من الاراضي المحتلة.
بدأ الملك يتكلم وبدأ كسينجر بالاصغاء التام . وصف الملك نفسه بأنه عدو شديد للشيوعية والصهيونية . وان اليهود عدوانيون وتوسعيون .. لكن الملك قال أنه سيوقفهم عند حدهم بإستعمال سلاح النفط الذي يملكه . قال الملك على اليهود ارجاع كل الاراضي المحتلة ( كان يقول اليهود ولا يعترف بقول اسرائيل ) وفي مقدمتها القدس . قال الملك أنه يتمنى ان يصلي في المسجد الاقصى بالقدس دون ان تطئ قدماه ارضاً اسرائيلية محتلة . وعندما اخبره كسينجر أن اليهود أيضاً يعتبرون حائط المبكى مقدساً كما يعتبر المسلمون المسجد الاقصى ، اجابه الملك فيصل بجفاء: عليهم بناء حائط في اي مكان أخر يبكون عنده كما يشاؤون : اضاف الملك : أنه بعد كل الانتكاسات في الماضي فإنه مصمم على استعمال سلاحه النفطي حتى يتم اجبار اسرائيل على الانسحاب من كل الاراضي المحتلة. "
يقول كسينجر كما تم اقتباسه من كتاب عنوانه : كسينجر!"سنوات الغليان" ان الرئيس نكسون قد كتب له أنه بعد انسحاب السوفييت من مصر حان الوقت لاجبار اسرائيل على الانسحاب من الاراضي العربية المحتلة وأنه كان لكسينجر رأي آخر، فهو لا يستطيع أن ينسى انه من عائلة فقدت الكثير من اعضائها في الهولوكوست وهو يريد اسرائيل قوية بحدود تعتقد انها تستطيع الدفاع عنها كان يقف في وجه اسرائيل ووجه اليهودي كسينجر رجلان ، ملك ورئيس . تم اغتيال الملك فيصل . وقامت جريدة الواشنطن بوست ( المملوكة من اليهود) بإختراع قضية ووترغيث وتم طرد الرئيس نيكسون من البيت الابيض.
ثالث الحرمين الشريفين يناديك ايها الامير أن تَبِرَّ بإرث ابيك رحمه الله .
مستشار ومؤلف وباحث